شرح حديث عن مرداس الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة ). رواه البخاري. وعن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: ( من أفضل المسلمين ) أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أنزل الله تعالى بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم ). متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها :
" عن مِرداسٍ الأسلمي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة ) رواه البخاري.
وعن رِفاعة بن رافع الزُّرقي رضي الله عنه قال : ( جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة ) رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أنزل الله تعالى بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم ) متفق عليه "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه أيضا من الأحاديث التي ذكرها النووي في آخر كتابه *رياض الصالحين* من المـُلح :
منها أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخبر أنه يذهب الصالحون الأول فالأول ، ثم يبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر لا يبالي بهم الله بالة ) : يعني لا يبالي بهم ، ولا يرحمهم ، ولا ينزل عليهم الرحمة ، فالصالحون يذهبون الأول فالأول ، وهذا الحديث يشبه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ( حين جاء الناس إليه يشكونه ما وجدوا من الحجاج بن يوسف الثقفي ، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) ، فهذا الحديث يشابه الحديث الذي أشرنا إليه ، ولذلك تجد الناس يتردَّون ، كل عام أردى من الذي قبله ، يذهب الصالحون الأول فالأول .
فيما سبق تجد الناس يتهجدون في الليل ، يصومون في النهار ، يتصدقون من أقواتهم ، يؤثرون على أنفسهم ، في اليوم تجد الناس يتغيرون من سنة إلى أخرى إلى أردى من قبل ، سهر في الليل على غير طاعة الله ، ونوم في النهار أو لهو ، أو بيع وشراء يشتمل على الغش والكذب والخيانة والعياذ بالله، فالناس إلى أردأ .
لكن مع ذلك في الناس خير ولله الحمد ، يوجد أناس ولله الحمد على دين الله مستقيمون على ما ينبغي ، لكن العبرة بالعموم والشمول ، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الثالث ، الذي رواه البخاري : أن الناس إذا أنزل بهم العذاب شمل الجميع ، كما قال تعالى : (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) ، ( لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم ) : كل على ما هو عليه .
فلذلك يجب الحذر من أن يكون الإنسان من الحثالة التي كحثالة الشعير أو التمر ، وأن يحرص على أن يستقيم على أمر الله ، حتى لو كان الناس قد هلكوا ، فإنهم لو أصيبوا بالعذاب يبعث كل منهم على نيته يوم القيامة.
كذلك أيضاً من المـُلَح : ( أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها ، قال : وكذلك الملائكة الذين قاتلوا في بدر ) :
بدر اسم مكان بين مكة والمدينة معروف ، كان فيه وقعة بين المسلمين والمشركين ، سببها : أن أبا سفيان صخر بن حرب كان رئيساً في قومه ، في أهل مكة ، وكان قد قدم من الشام بميرة : يعني بعير فيها طعام لأهل مكة ، فلما سمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنه قادم إلى مكة ، أخبر أصحابه بأن أبا سفيان قادم إلى مكة بعير يعني بتجارة لأهل مكة .
وكان أهل مكة قد أخرجوا المسلمين من ديارهم وأموالهم ، واستباحوا أموالهم ، فكان للمؤمنين أن يستبيحوا أموال الكفار جزاء وفاقا ، فندب النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه ليخرجوا إلى هذه العير ، وش قلنا العير ماذا ؟ نعم تجارة ، أحمال إبل محملة تجارة من الشام إلى مكة .
ندب أصحابه إلى الخروج للعير فقط ، فخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً : يعني ما بين العشرة إلى العشرين ، ثلاثمة وعشرين أو ثلاثمئة وعشرة أو ما بين ذلك ، ليس معهم لا سلاح ، ما معهم إلا سبعين بعيرا يتعاقبونها وفرسان فقط ، لأنهم لم يخرجوا لقتال ، خرجوا للعير يأخذونها ويرجعون ،
أبو سفيان كان رجلا محنكا ذكياً ، أرسل إلى أهل مكة ، وقال لهم : أنقذوا عيركم محمد وأصحابه سيخرجون إلينا يأخذونها ، ثم سلك طريق البحر على سِيف البحر بعيدًا : يعني تيامن أبعد عن المدينة ، وقريش لما سمعت بهذا أخذتها حمية الجاهلية ، فاستنفروا ونفروا جميعاً بكبرائهم وعظمائهم لحكمة أرادها الله عز وجل .
فلما خرجوا ظاهر مكة جاءهم الخبر أن أبا سفيان سَلِم ونجا ، لأنه سلك سِيف البحر بعيدًا عن المدينة ولم يدركه الرسول وأصحابه ، فتشاوروا فيما بينهم ، قالوا : ما دامت العير قد نجت فنرجع إلى مكة وما لنا وللحروب ، فقال كبراؤهم كأبي جهل وغيره : " والله ما نرجع إلى مكة أبدًا حتى نصل إلى بدر -وهي نقطة المفرق بين طريق مكة والمدينة والشام- حتى نصل إلى بدر استمع: ننحر الجزور يعني : الإبل ، ونشرب الخمور ، نعوذ بالله ، وتعزف علينا القيان : الجواري يعزفن عليهم بضرف الدفوف فرحاً وطربا ، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا " ، أعوذ بالله .
خرجوا كما قال الله عز وجل : (( خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس )) : فصمموا على أن يقابلوا الرسول عليه الصلاة والسلام، والتقوا في بدر ، كان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه كم قلنا لكم؟
الطالب : ثلاثمائة وبضعة عشر .
الشيخ : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، وقريش تسعمائة رجل ، ما بين التسع مئة إلى ألف ، لكن قريشًا مستعدة للحرب معها العتاد ومعها القوة ، والرسول صلى الله عليه وسلم ما استعد ، ولكن الله عز وجل جمع بينهم على غير ميعاد لينفذ ما حكم وأراد عز وجل .
التقوا ، وفي هذا يقول الله عز وجل : (( إذ يريكهم الله في منامك قليلا )) : رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم رأى قريش في المنام قليلا ، ليتشجع على ملاقاتهم ، (( إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر )) ، (( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ )) : سبحان الله !! هم يرون الصحابة قليلين والصحابة يرونهم قليلين علشان إيش ؟ كل واحد ينشط في مقابلة الآخر .
فالتقوا وحصلت معركة ، فقتل من المسلمين جمع كثير قتل كم ؟ سبعون رجلا ، نعم قتل من أهل مكة سبعون رجلاً وأسر سبعون رجلاً ، وقتل من المسلمين في أحد سبعون رجلاً ، تلك الأيام يدوالها الله بين الناس .
المهم أنها حصلت الوقعة ، وقاتلوا قتالا شديدا ، وقُتل صناديد قريش ، كبارهم وزعماؤهم الكبار العظماء، ومنهم السبعة أو الثمانية الذين ألقوا السلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد تحت الكعبة ، في قصة ليس هذا موضع ذكرها لكنها مشهورة .
جماعة من قريش في الحرم ، والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي لله عز وجل تحت الكعبة قبل أن يهاجر ، فلما سجد قال بعضهم لبعض : ( من يذهب إلى ناقة بني فلان التي ذبحوها يأتي بسلاها وفرثها ودمها يلقيها على محمد وهو ساجد ؟ فانتدب أشقاهم والعياذ بالله ، وذهب وأتى بالسلا والفرث والدم ووضعه على ظهر الرسول وهو ساجد تحت الكعبة ) : آمن مكان ، والرسول عليه الصلاة والسلام بقي ، كان ابن مسعود رضي الله عنه هناك في المسجد لكن يقول : أنا صغير أخشى على نفسي لو ذهبت أزيل الفرث عن ظهر الرسول حصل عليَّ ما يضرني ، فجاءت فاطمة الصغيرة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، ذهبوا وأخبروها ، فجاءت وهي جارية فألقت عنه السلا والفرث وقام وأتم صلاته ، ولما أتم صلاته دعا ربه عز وجل ، دعا ربه قال: ( اللهم عليكم بقريش ، اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بقريش ، اللهم عليك بفلان وفلان وفلان وفلان وعددهم فقتلوا في بدر ) .
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بهم أي : بالصناديد الكبراء وألقوا في قليب في بدر : قليب : بئر منتنة خبيثة إهانة لهم ، ألقيت جثثهم في البئر وبقي النبي عليه الصلاة والسلام منصورًا مظفرا في ذلك المكان ثلاثة أيام ، وكان من عادته إذا قاتل قومًا وانتصر عليهم أن يبقى في العرسة ثلاثة أيام ،
وفي يوم من الأيام أمر ببعيره فرُحلت ثم ركبها حتى وقف على البئر ، البئر الي إيش؟ الي فيها كبار قريش ، وجعل يناديهم يا فلان بن فلان، يناديهم كأنما ينادي أحداً بين يديه : ( يا فلان بن فلان ، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً ؟ ) : نصر والحمد لله ونصره والله انتصاراً لنا إلى يومنا هذا، نصر ، ( إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، قالوا يا رسول الله كيف تكلم ناس موتى جيف؟ قال : والله ما أنتم بأسمع لي ما أقول منهم ) : يعني يسمعون كلامي أكثر مما تسمعونه أنتم، ولكنهم لا يستطيعو الجواب.
المهم الذين قاتلوا في بدر قلنا لكم عددهم كم ؟
الطالب : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا .
الشيخ : ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، هم من أفضل المسلمين ، أتدرون ماذا قال لهم ربهم عز وجل ؟ قال : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) -نسأل الله من فضله- : كل ذنب يفعله واحد من أهل بدر فهو مغفور له مهما كان عِظمه فإنه مغفور لهم ، لكنهم لن يكفروا لأن الله قال : ( اعملوا ما شئتتم فقد غفرت لكم ) : وهذا يعني لن يرتدوا على أدبارهم ، لكن لو فعلوا أكبر معصية يغفر لهم .
وحصل هذا تطبيقاً ، فإن أحدهم ، أحد الذين شهدوا بدراً لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى قريش في غزوة الفتح ، الحديث يطول لا بأس ولا نوقف ؟ نعم ؟
الطالب : نكمل .
الشيخ : أرسل حاطب وهو ممن حضر وقعت بدر ، أرسل امرأة معها كتاب إلى قريش قال لهم : إن الرسول صلى الله عليه وسلم سيغزوكم انتبهوا ، فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العمل ، فأرسل رجلين أحدهما علي بن أبي طالب إلى هذه المرأة ، وأدركوها في روضة خاخ ، فأمسكوها ، قالوا : إلى أين ؟ قالت إلى مكة، وش الي معك؟ قالت : ما معي شيء، قالوا : لا معك شيئ ، ليش عزموا عليها وهم ما يدرون ؟ الجواب بدرون لأن الرسول قال لهم : ( تجدون في الروضة الفلانية امرأة معها كتاب لقريش يخبرهم بأني قادم عليهم ) .
قالوا لها : إما أن تعطيني ما عندك وإلا يعني كشفنا عنك، عريناك ووجدناه بأي مكان لا بد أن يخرج، فأخرجته لهم وإذا فيه : كتاب من حاطب بن بلتعة رضي الله عنه وهو ممن شهد بدرًا ، فجاءوا به للرسول عليه الصلاة والسلام وعرضوه عليه فدعاه ، ما هذا يا حاطب؟ ما هذا يا حاطب؟ كيف تخون؟ كيف ترسل إلى قريش بأخبارنا ؟ وهذا يسمى عند الناس إيش ؟ يسمى جاسوسًا ، كيف تفعل هذا ؟ اعتذر بعذر ، ثم قال عمر أو غيره من الصحابة : ( يا رسول الله ألا أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله ؟ كيف يعلم أخبارنا، قال : أما علمت أن الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .
فوقعت هذه الفعلة القبيحة الشنيعة العظيمة وقعت موقع مغفرة لماذا ؟ ليش ؟ لأن الرجل من أهل بدر ، فهؤلاء أهل بدر رضي الله عنهم وجمعنا وإياكم بهم في جنات النعيم ، ونسأل الله أن يكون حديثنا هذا .
ونجتمع فيهم إن شاء الله تعالى في جنات النعيم على أحسن حال ، هؤلاء أهل بدر ، منع الرسول عليه الصلاة والسلام منع قتله هذا الرجل كونه إيش ؟
الطالب : شهد بدر .
الشيخ : شهد بدرًا .