شرح حديث عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ). حديث حسن، رواه الدارقطني وغيره. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. وفي رواية: نأكل معه الجراد. متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ). متفق عليه. حفظ
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها :
" عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حُدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) حديث حسن، رواه الدارقطني وغيره.
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال : ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد ) .
وفي رواية : ( نأكل معه الجراد ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث من أحاديث المـُلح المنثورة التي ذكرها النووي -رحمه الله- في آخر كتابه *رياض الصالحين* :
عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدَّ حدودا فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها ) : هذه ثلاث جمل بينها الرسول عليه الصلاة والسلام وبين حكمها :
أولاً : فرض الله فرائض ، وأعظم فرائض الله على عباده التوحيد ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
ففي شهادة أن لا إله إلا الله توحيد الله بالعبادة ، وألا يُعبد أحد سواه .
وفي شهادة أن محمداً رسول الله توحيد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة ، بحيث لا يُتابع أحد سواه ، هذه أفرض الفرائض .
ثم الصلوات ، الزكاة ، الصوم ، الحج ، بر الوالدين ، صلة الأرحام ، حسن الجوار ، الصدق ، النصيحة ، أشياء كثيرة فرضها الله تعالى على عباده .
منها فرائض عينية على كل واحد من الناس .
ومنها فرائض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين .
فالصلوات الخمس فرض عين ، لابد على كل مسلم أن يقوم بها ، والصلاة على الجنازة فرض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين .
( وحدَّ حدودا فلا تعتدوها ) : الفرائض قال : لا تضيعوها ، بل احرصوا عليها وقوموا بها على الوجه المطلوب .
( وحدَّ حدودا فلا تعتدوها ) : حد أشياء : يعني جعل لها حداً معيناً، فالصلوات الخمس مثلا لها حد : وهي أوقاتها : أوقاتها الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال ، العصر مِن هذا الوقت إلى غروب الشمس ، والاختيار إلى اصفرار الشمس ، والمغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ، العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل ، الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، هذه حدود .
الصوم له حد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
الحج له حد : (( الحج أشهر معلومات )) في أماكن معينة إلى غير ذلك .
( حد حدودا فلا تعتدوها ) : لا تجاوزوها ، قال الله عز وجل : (( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )) ، (( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )) .
( وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها ) : سكت عن أشياء لم يوجبها علينا ولم يحرمها علينا ، ولو شاء لأوجب علينا ما شاء ، ولحرم علينا ما شاء ، لكنه سكت عن أشياء لولا رحمته لألزمنا بها ، وأضرب لكم مثلاً بالصلوات الخمس :
الصلوات الخمس أول ما فرضها الله على العباد خمسين صلاة ، كانت خمسين صلاة ، يصلي الإنسان في اليوم والليلة خمسين صلاة ، ثم إن الله تعالى عفا وصارت خمسًا في الفعل وخمسين في الميزان ، وأشياء كثيرة عفا الله عنها ولو شاء لألزمنا بها .
وفي قوله : ( وسكت عن أشياء ) : دليل على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الله يتكلم بصوت مسموع ، لأن السكوت هو ضد الكلام ، ضد الكلام بالصوت المسموع ، وهو جل وعلا يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء ، لا نعلم كيف يتكلم ، ولا نعلم متى يتكلم ، ولا نعلم بماذا يتكلم ، لكن نؤمن بأنه : إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، كلما أراد شيئاً ، كل شيئ يريده يقول له : كن فيكون ، ولهذا لا تحصى كلمات الله عز وجل قال الله تعالى : (( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام )) : يعني لو كانت جميع أشجار الأرض أقلاما يكتب بها ، (( والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله )) ، وقال عز وجل : (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا )) .
ثم ذكر حديث عبد الله بن أوفى رضي الله عنه قال : ( غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد معه ) : الجراد معروف هذا الطائر المعروف وهو من الحلال، حلال للإنسان يأكله حيًا وميتا ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أُحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالجراد والحوت ) ، ولهذا لا يحتاج إلى تذكية الجراد يؤكل حياً وميتاً .
وهو صيد فإذا كان في مكة حرم على الإنسان أن يصيده ، وحرم عليه أن يطيره من مكانه ، ولقد هاض الجراد قبل العام في رمضان في مكة ، وصار الصبيان يلتقطونه من الحرم وما حوله ، وهذا حرام لا يجوز ، يجب على من رأى الصبي يلتقطه أن يمنعه وينهاه ، لأنه صيد محترم ، لا يجوز أن يصاد في مكة بل ولا يجوز أن يطيرها قصدا ، أما لو طارت وأنت مار فهذا ما عليك منه ، لكن تروح يمه تطيرها فهذا لا يجوز ، لا هذا ولا الجرادة ولا الحمامة ولا غيرها من الصيود.
وفي هذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم يستدلون بتقرير الرسول عليه الصلاة والسلام : يعني إن فعلوا شيئا وأقرهم عليه فإنه حلال وهو كذلك ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يقول لا تفعلوا هذا، لكن إذا سكت دل ذلك على جوازه .
أما حديث أبي هريرة وهو الثالث : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين ) : اللدغ لدغ الحية ، المؤمن كيس فطن ، فطن محترز لا يلدغ من جحر مرتين ، يعني معناه : أنه إذا حصل له شيء بأي عمل يكون فإنه لن يعود إليه لماذا ؟ لأنه حازم ، لا يمكن أن يجدع نفسه مرة ثانية ، بل إذا لُدغ من جحر تركه وعرف أنه لا فائدة منه ، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، لأنه إيش ؟ حازم فطن كيِّس ما يمكن يغبن ولا يخدع ، فدل ذلك على أنه ينبغي للإنسان أن يكون فطنا وألا يعود لشيء أصابه منه ضرر ، بل يكون مؤمناً لأن هذا من كمال الإيمان، والله الموفق.
الطالب : بقي : ( حرم أشياء فلا تنتهكوها ) ؟
نعم حرَّم أشياء فلا تنتهكوها نعم ، حرم أشياء فلا تنتهكوها يعني لا تنتهك ما حرم الله عز وجل ، كما أنك لا تضيع ما أوجب الله ، نعم .
" عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حُدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) حديث حسن، رواه الدارقطني وغيره.
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال : ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد ) .
وفي رواية : ( نأكل معه الجراد ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث من أحاديث المـُلح المنثورة التي ذكرها النووي -رحمه الله- في آخر كتابه *رياض الصالحين* :
عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدَّ حدودا فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها ) : هذه ثلاث جمل بينها الرسول عليه الصلاة والسلام وبين حكمها :
أولاً : فرض الله فرائض ، وأعظم فرائض الله على عباده التوحيد ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
ففي شهادة أن لا إله إلا الله توحيد الله بالعبادة ، وألا يُعبد أحد سواه .
وفي شهادة أن محمداً رسول الله توحيد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة ، بحيث لا يُتابع أحد سواه ، هذه أفرض الفرائض .
ثم الصلوات ، الزكاة ، الصوم ، الحج ، بر الوالدين ، صلة الأرحام ، حسن الجوار ، الصدق ، النصيحة ، أشياء كثيرة فرضها الله تعالى على عباده .
منها فرائض عينية على كل واحد من الناس .
ومنها فرائض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين .
فالصلوات الخمس فرض عين ، لابد على كل مسلم أن يقوم بها ، والصلاة على الجنازة فرض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين .
( وحدَّ حدودا فلا تعتدوها ) : الفرائض قال : لا تضيعوها ، بل احرصوا عليها وقوموا بها على الوجه المطلوب .
( وحدَّ حدودا فلا تعتدوها ) : حد أشياء : يعني جعل لها حداً معيناً، فالصلوات الخمس مثلا لها حد : وهي أوقاتها : أوقاتها الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال ، العصر مِن هذا الوقت إلى غروب الشمس ، والاختيار إلى اصفرار الشمس ، والمغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ، العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل ، الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، هذه حدود .
الصوم له حد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
الحج له حد : (( الحج أشهر معلومات )) في أماكن معينة إلى غير ذلك .
( حد حدودا فلا تعتدوها ) : لا تجاوزوها ، قال الله عز وجل : (( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )) ، (( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )) .
( وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها ) : سكت عن أشياء لم يوجبها علينا ولم يحرمها علينا ، ولو شاء لأوجب علينا ما شاء ، ولحرم علينا ما شاء ، لكنه سكت عن أشياء لولا رحمته لألزمنا بها ، وأضرب لكم مثلاً بالصلوات الخمس :
الصلوات الخمس أول ما فرضها الله على العباد خمسين صلاة ، كانت خمسين صلاة ، يصلي الإنسان في اليوم والليلة خمسين صلاة ، ثم إن الله تعالى عفا وصارت خمسًا في الفعل وخمسين في الميزان ، وأشياء كثيرة عفا الله عنها ولو شاء لألزمنا بها .
وفي قوله : ( وسكت عن أشياء ) : دليل على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الله يتكلم بصوت مسموع ، لأن السكوت هو ضد الكلام ، ضد الكلام بالصوت المسموع ، وهو جل وعلا يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء ، لا نعلم كيف يتكلم ، ولا نعلم متى يتكلم ، ولا نعلم بماذا يتكلم ، لكن نؤمن بأنه : إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، كلما أراد شيئاً ، كل شيئ يريده يقول له : كن فيكون ، ولهذا لا تحصى كلمات الله عز وجل قال الله تعالى : (( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام )) : يعني لو كانت جميع أشجار الأرض أقلاما يكتب بها ، (( والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله )) ، وقال عز وجل : (( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا )) .
ثم ذكر حديث عبد الله بن أوفى رضي الله عنه قال : ( غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد معه ) : الجراد معروف هذا الطائر المعروف وهو من الحلال، حلال للإنسان يأكله حيًا وميتا ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أُحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالجراد والحوت ) ، ولهذا لا يحتاج إلى تذكية الجراد يؤكل حياً وميتاً .
وهو صيد فإذا كان في مكة حرم على الإنسان أن يصيده ، وحرم عليه أن يطيره من مكانه ، ولقد هاض الجراد قبل العام في رمضان في مكة ، وصار الصبيان يلتقطونه من الحرم وما حوله ، وهذا حرام لا يجوز ، يجب على من رأى الصبي يلتقطه أن يمنعه وينهاه ، لأنه صيد محترم ، لا يجوز أن يصاد في مكة بل ولا يجوز أن يطيرها قصدا ، أما لو طارت وأنت مار فهذا ما عليك منه ، لكن تروح يمه تطيرها فهذا لا يجوز ، لا هذا ولا الجرادة ولا الحمامة ولا غيرها من الصيود.
وفي هذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم يستدلون بتقرير الرسول عليه الصلاة والسلام : يعني إن فعلوا شيئا وأقرهم عليه فإنه حلال وهو كذلك ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يقول لا تفعلوا هذا، لكن إذا سكت دل ذلك على جوازه .
أما حديث أبي هريرة وهو الثالث : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين ) : اللدغ لدغ الحية ، المؤمن كيس فطن ، فطن محترز لا يلدغ من جحر مرتين ، يعني معناه : أنه إذا حصل له شيء بأي عمل يكون فإنه لن يعود إليه لماذا ؟ لأنه حازم ، لا يمكن أن يجدع نفسه مرة ثانية ، بل إذا لُدغ من جحر تركه وعرف أنه لا فائدة منه ، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، لأنه إيش ؟ حازم فطن كيِّس ما يمكن يغبن ولا يخدع ، فدل ذلك على أنه ينبغي للإنسان أن يكون فطنا وألا يعود لشيء أصابه منه ضرر ، بل يكون مؤمناً لأن هذا من كمال الإيمان، والله الموفق.
الطالب : بقي : ( حرم أشياء فلا تنتهكوها ) ؟
نعم حرَّم أشياء فلا تنتهكوها نعم ، حرم أشياء فلا تنتهكوها يعني لا تنتهك ما حرم الله عز وجل ، كما أنك لا تضيع ما أوجب الله ، نعم .