شرح حديث عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار رضي الله عنهما، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا. فقال صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما إنها صفية بنت حيي ) فقالا: سبحان الله يا رسول الله ؟ فقال: ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا ) - أو قال: ( شيئا ) - متفق عليه. حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها :
" عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قُمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، فمرَّ رجلان من الأنصار رضي الله عنهما، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أَسرعا. فقال صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله ؟ فقال: إن الشيطان يجري مِن ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا أو قال: شيئا ) متفق عليه .
وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والمشركون ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكفها إرادة أن لا تُسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيْ عباس، ناد أصحاب السَّمُرة، قال العباس: وكان رجلاً صيّتا: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمرة، فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قَصُرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزَموا وربِّ محمد، فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبراً ) رواه مسلم "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذان الحديثان ذكرهما المؤلف -رحمه الله- في آخر كتابه *رياض الصالحين* :
الأول : حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها أم المؤمنين : كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا في المسجد في رمضان ، ولا اعتكاف إلا في رمضان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان ، إلا سنة واحدة فاتته العشر في رمضان فقضاها في شوال ، وما عدا ذلك فلم يَشرع لأمته صلى الله عليه وسلم أن يعتكفوا في غير رمضان ، وإنما كان الاعتكاف من أجل تحري ليلة القدر ، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام اعتكف العشر الأول من رمضان رجاء ليلة القدر ، ثم الأوسط ، ثم قيل له : إنها في العشر الأواخر ، فواظب على الاعتكاف في العشر الأواخر .
وأما حديث عمر : ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنه نذر -أي: عمر- أن يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام فقال : أوف بنذرك ) ، فهذا لا يدل على أن الاعتكاف مشروع ، وإنما يدل على وفاء النذر بالاعتكاف وأنه ليس بمعصية لو أوفى بنذره فيه ، لكن السنة إنما يكون الاعتكاف في رمضان فقط وفي العشر الأواخر منه فقط .
اعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر ، والاعتكاف هو : " لزوم المسجد في طاعة الله ليتفرغ الإنسان للعبادة " ، وليس ليتفرغ الإنسان للتسيار ذلك يسير الناس المعتكفون بعضهم على بعض ، يمضون أوقاتهم ليال ونهاراً في أمور لا خير فيها ، الاعتكاف أن تلزم المسجد للطاعة .
جاءته صفية ذات ليلة فتحدثت معه ساعة ، لأنها امرأته ولا بأس للإنسان أن يتحدث إليه أهله وهو معتكف ، لما في ذلك من الأِلفة والمحبة والمودة ، ثم قامت إلى بيتها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) : فقام معها يقلبها يشيعها إلى بيتها ، فإذا برجلين من الأنصار يمران ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم خجلا واستحييا فأسرعا في مشيهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على رسلكما يعني لا تسرعا ، إنها صفية بنت حيي ) : لئلا يظنان أنها امرأة جاءت في الليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والليل محل السكن وإيواء البيوت ، ( فقالا : سبحان الله ) : تعجبا أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الكلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) : فيصل إلى قلبه وإلى عروقه كما أن الدم يسير في جميع البدن ، جميع العروق ، كذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ومجرى هذا ظرف مكان أي : في مكان جريان الدم ، ( وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئا ) .
ففي هذا الحديث دليل على فوائد :
منها حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام في معاملته أهله .
ومنها جواز زيارة المرأة زوجها في الاعتكاف ، وأن ذلك لا يبطل الاعتكاف ، حتى لو فُرض أنه تلذذ بالنظر إليها وما أشبه ذلك فإنه لا يضر ، لأن الله إنما نهى عن مباشرة النساء في الاعتكاف .
ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يشيع أهله إذا انقلبوا من عنده إذا كان ذلك ليلاً أو في وقت يخاف فيه عليهم .
ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يزيل أسباب الوساوس في القلوب ، فمثلا إذا خشي أن أحدًا يظن به شرا ،ً فإنه يجب عليه أن يزيل ذلك عنه ويخبره بالواقع حتى لا يحدث في قلبه شيء .
ومنها أن للإنسان إذا حصل له ما يتعجب منه فليقل : سبحان الله ، كما قال ذلك الأنصاريان ، وأقرهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومنها شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، ودرء الشر عنهم .