تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات والتصديق والتكذيب وبين الحب والبغض والحض والمنع حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة , ومعروف عند أصناف المتكلمين في العلم كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الأيمان , كما ذكره المقسمون للكلام من أهل النظر والنحو والبيان فذكروا أن الكلام نوعان : خبر وإنشاء , والخبر دائر بين النفي والإثبات والإنشاء أمر أو نهي أو إباحة ". حفظ
الشيخ : يقول المؤلف : "حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة " بس عندنا غير معروف ، يعني نحن الآن نعتبر لسنا من العامة ولا من الخاصة في الظاهر ، المؤلف يقول إن الفرق بين الإنشاء أو بين الطلب والخبر معروف عند العامة والخاصة ، وهذا صحيح ، الآن عندما تقول للطفل الصغير : قم جب لي كذا وكذا ، وش يقول لك ، يقول تكذب ؟ وش يسوي .؟ إما أن يقوم أو يقول لا ، ألعب . كذا أو لا .؟ لكن عندما تقول له جاء أبوك ، فماذا يقول لك ؟ يقول لك ... الله يبشرك بالخير ، أو يقول تكذب ... إذاً يجد الفرق أو ما يجد .؟
الطالب : يجد .
الشيخ : يجد الفرق ، فهو في الحقيقة الفرق معروف عند العامة والخاصة ، نعم الفرق بين الأمرين بين الإنشاء وبين الخبر ، معروف عند الناس كلهم ، لا أحد ينكر هذا ، لكن يبدو لي أنكم بعيدوا العهد بهذا الشيء ، وإلا هو صحيح مثل ما قال الشيخ رحمه الله أنه معروف عند العامة والخاصة .
" وعند أصناف المتكلمين في العلم كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الأيمان " كتاب الإيمان ، والإيمان ، جمع يمين ـ يعني الفقهاء رحمهم الله في كتاب الفقه إن شاء الله ، ودرستوه في الثانوي ، فيه كتاب اسمه كتاب الأيمان والنذور ، ذكروا في كتاب الأيمان الفرق بين الخبر المحض وبين الإنشاء المحض ، نعم وبين ما يراد به الحض والمنع وما يراد به الخبر المطلق ، ذكروا هذا وفصلوه ، حتى إنهم قالوا إن الرجل إذا قال لزوجته إن فعلت كذا فأنت طالق يقصد المنع ففعلت لم تطلق ، وإن قصد الخبر وأنها إن فعلت فهي طالق فإنها إذا فعلته تطلق ، ففرقوا بين الحض والمنع وبين الخبر المجرد نعم .
" وكما ذكره المقسمون للكلام من أهل النظر والنحو والبيان " إذا معناه أن العلماء كلهم خاضوا في هذا الباب ، وتكلموا فيه و، بينوا الفرق بين الخبر والإنشاء الذي منه الطلب .
ثم قال : " فذكروا أن الكلام نوعان خبر وإنشاء ، والخبر دائر بين النفي والإثبات ، والإنشاء أمر أو نهي أو إباحة " ... " أمر أو نهي أو إباحة " هذا واضح الآن ، هذا الحقيقة ، هذه الزبدة الأخيرة هي الأصل ، الكلام ينقسم أو يتنوع نوعين : خبر وإنشاء ، والخبر دائر بين النفي والإثبات ، يعني إما إثبات أو نفي، والإنشاء إما أمر أو نهي أو إباحة ، والإنشاء أمر أو نهي أو إباحة ، مفهوم هذا أو لا .؟ ففي قوله تعالى : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وراكعوا مع الراكعين )) هذا وش هو .؟
الطالب : إنشاء.
الشيخ : هذا كله إنشاء لا شك ، لكنه أمر ، يعني نوع من أنواع الإنشاء وهو الأمر ، كذا أو لا .؟
ومثل قوله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا )) (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )) (( ولا تبخسوا أشياءهم )) ، هذا نهي ، إنشاء وهو من قسم النهي .
وفي قوله تعالى : (( أحل لكم صيد البحر وطعامه )) [المائدة: 96] هذا خبر لكنه إباحة ، أو قوله أيضا : (( وإذا حللتم فاصطادوا )) هذا إباحة (( فاصطادوا )) ، (( إذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض )) هذا إباحة ، فالخلاصة الآن أن الكلام وش نقول .؟ ينقسم إلى قسمين والمؤلف يقول نوعين ، وكله واحد :
خبر دائر بين النفي والإثبات .
وإنشاء دائر بين الأمر والنهي والإباحة .
واضح .؟ بماذا يقابل الخبر بالنسبة للمخبر .؟ بالتصديق أو التكذيب، واضح .؟ وبماذا يقابل الإنشاء .؟ بالمحبة أو البغض ، إما يحبه فيأخذه ويقبله ، فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ولا يقتلوا النفس، وإما أن يكرهه فيرده ، أو لا .؟
طيب يقول المؤلف : " وإذا كان كذلك : فلا بد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال ، وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال " .
هذا في باب الخبر لابد أن يثبت لله ما أثبته من صفات الكمال ، وإلا كان مكذبا بالخبر ، فهمتم ،؟ طيب الذين يقولون إن الله ليس له يد حقيقية مكذبين بالخبر أو لا .؟ مكذبون في الواقع ، الذين يقولون ليس لله سمع ولا بصر مكذبون للخبر ، فالواجب أن الإنسان يثبت لله ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال ، وقوله : " ما أثبته لنفسه من صفات الكمال " قد تقولون هل أثبت الله لنفسه شيئاً من صفات النقص .؟ وش الجواب .؟ لا .
إذا " من صفات الكمال " بيان للواقع وليست قيداً ، إذ جميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه فهي صفات كمال .
" وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال " وش هي هذه الحال .؟ صفات الكمال ، وضد صفات الكمال ، ما هو .؟ وغيره وأنها ليست بنقص ولا كمال لأن الصفات إما نقص أو كمال أو لا نقصاً ولا كمالاً ، الثابت لله ما هو .؟ صفات الكمال ، والمؤلف يقول : ينفي ما يضاد هذه الحال ، يعني مما يوجب نقصا أو ما يوجب أمرا سلبيا لا نقصا ولا كمالا ، نعم .
يقول : " ولا بد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئة ، ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، ويؤمن بشرعه وقدره إيمانا خاليا من الزلل ... " إلى آخره .
طيب فهمنا الآن في باب التوحيد والصفات أن باب التوحيد والصفات من باب الخبر ، ما واجبنا نحوه .؟ هو ما ذكره هنا أن نثبت لله ما أثبته من صفات الكمال ، وأن ننفي عنه ما يضاد هذه الحال وهو صفات النقص أو ما كان سلبياً .
نأتي إلى النوع الثاني وهو الشرع والقدر :
يقول : " ولابد في أحكامه من أن يثبت خلفه وأمره " خلقه القدر ، أمره الشرع " فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئته " كل هذا بالنسبة للقدر " ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من القول والعمل ويؤمن بشرعه " هذا الشرع ثم قال إجمالا " ويؤمن بشرعه وقدره إيمانا خاليا من الزلل " .
والخلاصة الآن : إن الإنسان يا جماعة مخاطب من الله بأمرين هما :بأخبار وإنشاءات ، موقفه من الأخبار هو التصديق وإثبات كل ما أثبت الله لنفسه ، وهذا موقف الإنسان وإلا ما صار مؤمنا ، وكذلك في النفي ينفي عن الله ما يضاد ذلك ، مما نفاه عن نفسه .
بالنسبة للقسم الثاني المخاطب به من الله هو الإنشاء : فالعبد مأمور أن يؤمن بالخلق والأمر ، (( ألا له الخلق والأمر )) فيؤمن بعموم خلق الله ومشيئته ، وأن الله خالق كل شيء ، وشاءِ لكل شيء حتى أعمالنا نحن مخلوقه لله عز وجل وقد شاءها الله .
كذلك يؤمن بأي شيء .؟ بالأمر الثاني وهو الشرع المتضمن لبيان لما يحبه الله ويرضاه من القول والعمل ، شرع الله الذي جاء به الرسول متضمن لما يحبه الله من القول والعمل ، فالإنسان مأمور بالإيمان بهذا وهذا .