تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقال تعالى : (( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم )) الآية . فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). ففي قوله (( ليس كمثله شيء )) رد للتشبيه والتمثيل وقوله : (( وهو السميع البصير )). رد للإلحاد والتعطيل . والله سبحانه : بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل , فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى (( فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا )) قال أهل اللغة : (( هل تعلم له سميا )) أي نظيرا يستحق مثل اسمه . ويقال : مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس (( هل تعلم له سميا )) مثيلا أو شبيها , وقال تعالى (( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )) " . حفظ
الشيخ : نرجع إلى الدرس الجديد ، يقول المؤلف رحمه الله : " وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا )) " وهذا تقدم الكلام عليه في الآيات (( لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) وش الجواب .؟ من يأتي آمنا يوم القيامة خير ممن يلقى في النار ، إذا الذين يلحدون في آيات الله يلقون في النار ، والذين لا يلحدون يأتون يوم القيامة آمنين .
" قال تعالى : (( اعْمَلُوا مَا شِئْتُم )) " ، يعني بعد هذا البيان اعملوا ما شئتم ، وهذا الأمر للتهديد وليس للإباحة ، لأن الإنسان ليس مباحاً له أن يعمل ما يشاء ، ولكنه بعد أن بيّن قال اعمل ما شئت، مثل ما تقول للطفل أنت إذا فعلت كذا عاقبتك بكذا ، وإذا فعلت كذا من الأمور المحبوبة أعطيتك كذا ، ثم تقول له بعد ذلك اعمل الذي تريد ، كأنك تتوعده إذا خالف أمرك .
قال : " فطريقهم " أي طريقة .؟ طريقة سلف الأمة ، لأن المؤلف يقول : " وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها " " فطريقهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات " وهذا واضح ... " إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل ".
إثبات بلا تشبيه مثلا يثبتون لله وجها ، لكنه لا يشبه أوجه المخلوقين .
وتنزيها بلا تعطيل ، يعني ينزهون الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به لكنهم لا يعطلون ما وصف به نفسه ، خلافاً للذين يثبتون مع التشبيه وهم المشبهة ، والذين ينزهون مع التعطيل وهم المعطلة .
مثلا المعطلة ينفون عن الله اليد ، ولا وجه ، ولا ينزل ولا استواء على العرش ،ليش .؟ قال : لأننا ننزه الله عن هذه الأشياء ، أهل السنة والجماعة يقولون لا ، نحن ننزه الله عن النقائص والعيوب ، لكننا لا نعطل أسماء الله وصفاته .
" كما قال الله تعالى : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) [ الشورى]. ففي قوله (( ليس كمثله شيء )) رد للتشبيه والتمثيل ، وقوله (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) رد للإحاد والتعطيل ".
واضح يا جماعة .؟ إذا الآية تضمنت الرد على طائفتين من المبتدعة إحداهما المشبهة في قوله : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) . والثاني المعطلة في قوله : (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) .
ثم قال المؤلف رحمه الله مبيناً قاعدة مهمة جدا : " والله سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل ".
" بعث رسله " يعني أرسلهم " بإثبات مفصل " التفصيل ضد الإجمال يعني مبيّن ، ومتعدد الصفات " وبنفي مجمل " وش معنى مجمل .؟ يعني غير مفصل .
(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) هذا مجمل أو مفصل .؟
الطالب : مجمل .
الشيخ : متأكدين أنه مجمل .؟ نعم مجمل ، ما قال ليس كمثله شيء في العمى والصمم والعجز والضعف في كذا وكذا ، أجمل . ليس كمثله شيء في كل شيء ، واضح .؟
(( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) مفصل أو مجمل .؟
الطالب : مفصل .
الشيخ : نعم ، لأنه لو كان مجملاً لقال : وهو الكامل ، لو قال وهو الكامل صار هذا مجملاً ، لكنه لما قال : (( وهو السميع البصير )) صار مفصلاً ، لأنه سمع محدد ، بصير أيضاً له معنى محدد ما يتعدى غيره .
أيضاً لاحظ ما أكثر ما في القرآن من أسماء الله وصفاته ، أو لا المثبتة المفصلة ، لكن عند النفي ما تجده ينفي شيئا معينا إلا ما وصف به من أعداءه فينفيه لإخبارهم ، خليكم معنا ، فاهمين يا جماعة .؟
أقول مرة ثانية : في الإثبات يصف الله تعالى نفسه بإثبات مفصل ، نعم
اقرأ آخر سورة الحشر : (( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور ... )) أو لا هذا مفصل أو مجمل .؟
الطالب : مفصل .
الشيخ : مفصل ، لكن تجد النفي (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )) (( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )) [مريم]. مجمل غير مفصل إلا شيئاً وصف به من العيوب فإن الله تعالى يذكره بعينه ، مثل (( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ )) هذا مجمل أو مفصل .؟
الطالب : مفصل .
الشيخ : (( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ )) نفى عيبا معينا ، لماذا .؟ لأنه وصف به من المشركين ، فأراد الله تعالى إبطاله .
أما ما يتمدح به نفسه فإنه لا يأتي مفصلاً وإنما يأتي مجملاً .
كذلك أيضا يأتي التفصيل إذا كان المقصود به إثبات كمال صفة مدح مثل : (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا )) . يعني ما يخاف من الله ظلماً ولا هضما ، لأن هذا في مقابل الجزاء ، فاحتاج أن ينفي الظلم لكمال العدل .
طيب يقول : " بعث رسله بإثبات مفصل ونفي مجمل "
كيف نستطيع أن نمثل للإثبات المفصل ؟ يمكن أن نمثل لذلك بأي شيء.؟ بآخر سورة الحشر ، لأنها هي أكثر ما جمعت من الأسماء ، هي أسماء كثيرة مفصلة ، ونفي مجمل ممكن أن نمثل لذلك بأي شيء؟ (( ليس كمثله شيء )) .
قال : " فأثبتوا لله الصفات " من الذين أثبتوا .؟ يحتمل أن يكون المراد من ذلك سلف الأمة وأئمتها أو يعود على الرسل لأنه قال : بعث رسله .
يعني أثبت الرسل لله الصفات " على وجه التفصيل ، ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى : (( فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا )) [مريم]. قال أهل اللغة : (( هل تعلم له سميا )) أي نظيراً يستحق مثل اسمه " هذا تفسير ، وقال : " ويقال مسامياً يساميه " ومعنى مسامياً يساميه أي مشابها يشابهه .
" وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : (( هل تعلم له سميا )) مثيلاً أو شبيهاً ".
وهذا مجمل أو مفصل .؟ (( هل تعلم له سميا ))
الطالب : مجمل .
الشيخ : مجمل ، ما قيده ما قال : هل تعلم له سميا في كذا أو كذا بل أجمل .
" وقال تعالى : (( لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد )) " .
هذا فيه مجمل ومفصل ، وين المجمل .؟ (( ولم يكن له كفوا أحد )) هذا مجمل ، (( لم يلد ولم يولد )) مفصل ، لأنه نفى عنه صفة واحدة محددة معينة ، لماذا عين هنا ؟ لأنه وصف بأن له ولدا ، من الذي وصف بأن له ولدا .؟ النصارى مثلا ، قالوا المسيح ابن الله ، اليهود قالوا عزير ابن الله ، والمشركون قالوا الملائكة بنات الله ، أو لا.؟ فوصفه من عباده من تعدوا حدوده بأن له ولدا ، فقال : (( لم يلد )) (( ولم يولد )) أتى بها لتمام المقابلة ، لأنه قد يقول لم يلد لكن هل ولد هو ؟ فلتمام المقابلة قال : (( ولم يولد )) .
وقد يكون هذا أيضا رداً على الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد أنسب لنا ربك ، من أين .؟ فقال : (( ولم يولد )) يعني ليس له قبيلة ينتسب إليها سبحانه وتعالى لأنه الخالق .
طيب : (( ولم يكن له كفواً أحد )) مجمل أو مفصل .؟
الطالب : مجمل .
الشيخ : مجمل . نعم : (( ولم يكن له كفواً أحد )) .