تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم : فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان , فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل ; فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات ; ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات . ". حفظ
الشيخ : ... التفصيل في الإثبات ، ووجه الإجمال في النفي ، وساق المؤلف الآيات الكثيرة الدالة على ذلك ، تفصيلا في الإثبات وإجمالا في النفي .
ثم قال : " وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من " هؤلاء الأصناف " الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم " وتقدم الكلام على بعض هؤلاء الطوائف ، وانتهينا إلى القرامطة والباطنية .
" والقرامطة والباطنية " هؤلاء بنوا طريقتهم على أن النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لها ظواهر ولها بواطن ، فالظواهر يخاطب بها عامة الناس ، والبواطن يخاطب بها الخاصة من الناس ، فجعلوا للشرع ظهراً وباطناً ولهذا سموا باطنية .
وقالوا في مسألة الأصول إن هذه النصوص الدالة على وجود الجنة والنار والرب وما إلى ذلك ، كلها لا حقيقة لها في الواقع ، ولكن خوطب بها العامة لإقامة أحوالهم ، وكذلك بالنسبة للصلوات والصيام والزكاة وغيرها ، قالوا هذه أيضا إنما هي تشريعات لمن .؟ للعامة فقط، وهذه ظواهر النصوص ، لكن الخواص منا ليس لهم هذه الظواهر وإنما لهم بواطن النصوص ، وهي أن كل هذا شيء لا حقيقة له ، حتى إن الصلاة يقولون إنها ليست هي الصلاة الشرعية المعروفة ذات الركوع والسجود ، لكن الصلاة معرفة أسرار مشائخهم ، والصيام هو عبارة عن كتمان أسرارهم ، لأن الصيام الإمساك ، معناه أن تمسك عن بيان أسرارهم التي هم عليها .
والحج ليس قصد مكة ولكنه قصد مشائخهم وأوليائهم ، ولهذا سموا قرامطة نسبة إلى رجل يقال له حمدان قرمط ، وقيل لهم باطنية نسبة إلى مذهبهم ، وهم يسمون بغير هذه الأسماء ، لكنهم هذا مدار مذهبهم على أن للنصوص ظواهر وبواطن . فالظواهر يخاطب من ؟ يخاطب بها العامة وتبقى على ظاهرها ، والبواطن إنما يخاطب بها الخاصة ولا يعلمها إلا الخاصة فقط .
هؤلاء الباطنية وهؤلاء المنحرفون يقول : " فإنهم على ضد ذلك " المشار إليه ما هو .؟ طريقة الرسل وأتباعهم " يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل " السلب بمعنى النفي ، هذا معنى السلب ، فمعنى بالصفات السلبية أي بصفات النفي على وجه التفصيل ، فيقولون مثلاً : لا هو كذا ولا هو كذا ... يفصّلون ، يقولون إن الله ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم ولا متصف بالحوادث ولا يفعل ولا ينزل ولا يستوي على العرش ... إلخ .
" ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل ، وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان " يعني هم لا يثبتون الإله سبحانه وتعالى إلا أنه وجود مطلق ، المراد بالوجود المطلق هنا الذي لا يتصف بالصفات ، وجود مطلق يعني لا صفات له ، غير مقيد بصفة ، لا بسمع ولا بصر ولا علم ولا حكمة ولا عزة ولا شيء ، وجود مطلق .
المؤلف يقول : " لا حقيقة له عند التحصيل ، وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان " والوجود الذهني غير الوجود العيني ، الوجود الذهني معناه أن يفرض الذهن شيئاً ولكنه لا يمكن أن يوجد في الخارج .
فمثلا ذهن الإنسان قد يفرض أن شيئاً موجوداً ولا له صفة ، يعني قد تتخيل أنه فيه شيء موجود ما له سمع ولا بصر ، ولا قوة ولا قدرة ولا عزة ولا حكمة ، نعم ممكن يفرض هذا ، لكن هل يمكن أن يوجد شيء لا صفات له ؟!!
أبدا ، ليش .؟ لأنه أقل ما يقال أن فيه صفة الوجود ، ما دام موجود فمعناه أن صفة الوجود ثابته فيه ، ففرض أمر لا صفة له ثبوتية هذا يقول المؤلف يمتنع تحققه في الأعيان ، والفرق بين الوجود العيني والوجود الذهبي أن الوجود الذهبي فهو ما يقدره الذهن وإن كان يمتنع وجوده وأما الوجود العيني فهو ما وجد بالفعل ، هذا الفرق .
قال : " فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل ، فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات " أرجو الانتباه ، هم يصفونه مثل ما قال المؤلف " بالممتنعات والمعدومات والجمادات " ثم يعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات .
مثال ذلك مثلاً إذا قالوا غن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأنه موجود ولا معدوم ، يعني لا يمكن أن تقول أن الله موجود ولا معدوم ، وش معنى ذلك .؟ ممتنع أو لا .؟
الطالب : ممتنع .
الشيخ : ممتنع غاية الامتناع ، لأن كل شيء فإنه إما موجود وإما معدوم ، وإذا قالوا أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه ولا فوق العالم ولا تحته ، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه ، وش يصير هذا .؟ ممتنع أو لا .؟ هم يصفون الله بهذه الأوصاف ، كما سيذكره المؤلف قريبا إن شاء الله ، إذا يصفونه بالممتنعات وبالمعدومات ، لأن كل ممتنع فهو معدوم .
كذلك يصفونه بالجمادات ، إذا قالوا إن الله ليس له حياة ولا علم ولا سمع ولا بصر ولا يفعل ولا ينزل ولا يأتي ولا يغضب ولا يرضى إلى آخره ، وش يصير هذا .؟ شبهوه بأي شيء .؟ شبهوه بالجماد الذي هو عبارة عن تمثال فقط .
ولهذا قال المؤلف إن قولهم : " يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل " .
لأنهم إذا وصفوه بهذه الصفات السلبية مثلوه بأشياء لا يمكن قبولها كالجمادات والممتنعات .
" ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات . " لأنهم إذا عطلوا كل صفة ، لاحظوا يا جماعة أنه فيه ناس يعطلون وصف الله بأي صفة ، وش يستلزم هنا .؟ نفي الذات ، لأنه مستحيل أن يوجد ذات بدون صفة ، فإذا نفوا كل صفة عن الله فإن قولهم هذا يستلزم نفي الذات ، فوجود ذات بدون صفة لا يمكن أن يتحقق في الأعيان ، نعم ربما تفرضه الأذهان ، ولكن ليس كل ما تفرضه الأذهان يكون واقعاً في الأعيان ، أليس كذلك .؟ فلاحظوا أن الذهن يفرض المستحيل ، ولكنه لا يمكن أن يقع في الأعين ، أليس ذهنك يمكن أن يفرض أن تنقسم أنت ألف واحد ؟ ربما يفرض أنك تنقسم ألف واحد ، بعدما تكون نائم في فراشك واحد ثم تجي وتتخايل ألف واحد ... يمكن يفرض الذهن هذا لكن هل له وجود ؟
ما له وجود ، فالفرض الذهني غير الوجود العيني ، فهم يفرضون أشياء ما يمكن أن توجد في الأعيان ، فإذا قال إن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يوصف بصفات ثبوتية أبدا ، أي صفة فيها إثبات فالله تعالى ممتنع عليها في الذات ، وش معنى هذا .؟ معناه نفي الذات ، فإذا قال ما يمكن أن نقول أن الله حي ولا موجود ولا معدوم ولا متصف بصفات الكمال فمعنى ذلك أنه معدوم ، ولهذا يقول المؤلف: " ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات ".