تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه ; قديم أزلي ; لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم ". حفظ
الشيخ : طيب قال المؤلف رحمه الله : " وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته ، غني عما سواه ، قديم أزلي ، لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم ، فوصفوه بما يمتنع وجوده ، فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم " علم بالاضطرار ، وش معنى علم بالاضطرار .؟
العلم يقولون إنه نوعان : علم نظري ، وعلم اضطراري . فإذا كان العلم يتوقف ... كيف ...
يقول : " علم بالاضطرار " العلم ينقسم إلى قسمين : علم ضروري وعلم نظري .
فإذا كان العلم يحتاج إلى نظر واستدلال سمي علماً نظرياً ، وإن كان لا يحتاج إلى نظر واستدلال سمي علماً ضرورياً أو اضطراريا .
فمثلاً إذا قال لك قائل : هل الوتر واجب أو سنة .؟ علمنا بأنه واجب أو سنة .؟ علم نظري لأنه يحتاج إلى تتبع للأدلة والنظر فيها ولا يعرفه إلا أهل العلم ، لكن علمنا بأن الوجود أو الموجود لابد له من موجود ، ضروري أو لا .؟ كل واحد يفهم .
قيل لأعرابي بدوي : بم عرفت ربك .؟ فقال : الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير ، صحيح هذا أو لا .؟ فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير.؟
طيب هذا الرجل استدل بشيء يعلم ببداهة العقول ، هذه السموات والأرضون والبحار والأشجار والأنهار وهذا النظام البديع وهذا التآلف بين أجزائه مع اختلافها ، وش يدل عليه .؟ يدل على أن له منظما وموجدا ، أليس كذلك .؟
الطالب : بلى .
الشيخ : إذاً هذا معلوم بالضرورة أنه لابد له من موجود واجب بذاته، وش معنى واجب بذاته .؟ الواجب هنا غير الواجب في الفقه ، الواجب في الفقه هو الذي يلزم فعله ، والواجب هنا هو الذي لا يمكن عدمه . ومعنى واجب بذاته ، يعني لا يمكن عدمه ، فالرب سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون معدوماً فهو أزلي أبدي .
قال المؤلف : " غني عما سواه " صحيح أو لا .؟ لأنه لو احتاج إلى غيره لم يكن قائماً بالخلق على وجه الكمال .
" قديم أزلي " كلمة قديم هنا يعني من الأمر الذي يستغرب على المؤلف ، لأن المؤلف نفسه مما ينكر هذا الوصف ، لكنه قال ذلك لأنه يتكلم معمن .؟ مع الفلاسفة ، الفلاسفة يصفون الله بالقديم ، يعني ما يعرفون الله إلا بالقديم ، فهو يتكلم معهم بلغتهم ، وإلا فمن المعلوم أن كلمة قديم ليست من أسماء الله ولا من صفات الله ، ولهذا أردفها بقوله أزلي ، وش معنى الأزلي .؟ الذي لم يزل موجوداً ، يقابل الأزلي الأبدي ، الأبدي هو الذي لا يزال موجودا ، فالأبدي الدوام بالنسبة للمستقبل ، والأزلي الدوام بالنسبة للماضي ، ومن أجل هذا المؤلف أردف القديم بالأزلي ، وش معنى الأزلي .؟ الذي لا بداية له ، لم يزل موجودا ، وإنما أردفها بالأزلي لأن القديم في اللغة العربية ما تقدم غيره وإن لم يكن أزلياً ، وانظر إلى قول الله تعالى : (( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )) وش معنى العرجون القديم .؟ يعني السابق على غيره وإن كان ليس أزلياً ، فعرجون النخل هو أزلي .؟
الطالب : لا .
الشيخ : متى خرج .؟ خرج العام الماضي مثلا ، هذه السنة صار عرجونا ، فالحاصل أن نقول : إن القديم الأزلي ليس من أسماء الله ولا من صفاته ، ما ورد ذلك لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه ، لكن المؤلف تكلم بها لأنه يخاطب من .؟ يخاطب الفلاسفة الذين يصفونه بهذه الصفة .
والمؤلف خرج عن الأمر الذي يتوهم من كلمة قديم ، خرج عن ذلك بقوله أزلي ، حتى لا يظن أن القديم ما تقدم غيره وإن كان حادثاً بل القديم هنا الأزلي الذي لا أول لوجوده ، وقد ذكر الله بدلاً عن هاتين الكلمتين كلمة واحدة أفضل منهما وأقوم ، وهي قوله تعالى : (( هو الأول )) وهي تعطي معنى غير الأسبقية ، والمعنى الذي تعطيه هو أن كل شيء يؤول إليه ، فهو أول سابق على غيره ، وهو أول تؤول الأشياء إليه وترجع .
لهذا نقول إن هاتين الكلمتين لو تركهما المؤلف لكان أحسن ، لكن عذر المؤلف أنه يتكلم بلسان قوم ألفوا هاتين الكلمتين ، ولا بأس أن يخاطب الناس باصطلاحهم إذا تبين الحق وأزيل الوهم ، وهنا المؤلف أزال الوهم بقوله : " أزلي " .
" لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم " كلمة لا يجوز عليه الحدوث تأكيد لقوله : " واجب بذاته " ولا يجوز عليه العدم أيضا ، لأنه الواجب ما لا يمكن فصله ، لو كان يجوز عليه العدم لكان واجبا أو ممكناً .؟ لكان ممكنا .
وبهذه المناسبة أود أن أبيّن لكم أن كلام الأصوليين أو الذين يتكلمون في هذا الباب يتكلمون بلسان المناطقة أحياناً ، فيفسرون الواجب بأنه ما لا يمكن عدمه ، والمستحيل ما لا يمكن حدوثه .
والجائز ما يكون جائز الوجود والعدم ، ما هو الجائز الذي إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله كما هو في الفقه .
قال المؤلف : " فوصفوه بما يمتنع وجوده " وش الذي يمتنع وجوده الذي وصفوه به .؟ الغلاة وصفوه بما يمتنع وجوده ... أي سلب النقيضين ، هذا يمتنع وجوده ، وصفوه بسلب النقيضين عنه حيث قالوا إيش .؟ لا موجود ولا معدوم لا حي ولا ميت لا عالم ولا جاهل ، ونمشي على الصفات كلها هذه ، لكن المؤلف جاب أمثلة صفات فقط ، لأن الوجود أعم من الحياة والموت أو لا .؟ الوجود أعم من الحياة والموت صحيح أو لا .؟ قد يقال للشيء موجودا وليس حيا ولا ميتا ، مثل ما لا يوصف بالحياة ولا الممات مثل الأحجار وشبهها ، وقد يوصف بالحياة والموت ولكن ليس له روح كالأشجار، وقد يوصف بالحياة والموت وله روح مثل بني آدم والحيوان ... .
طيب ممكن يكون أيضا لا سميع ولا أصم ، لا بصير ولا أعمى أو لا، لا فاعل ولا غير فاعل ، ممكن يكون هذا ، لكن كل هذه الأوصاف يقول إنه يمتنع وجوده " فضلاً عن الوجوب " الله واجب الوجود ، أليس كذلك . لأنه يمتنع عدمه أزلا وأبدا ، هم جعلوه لا موجودا ولا معدوما ، فنفوا عنه أن يكون واجب الوجود ، بل زعموا أنه متصف بما يمتنع ببداهة العقول .
" فضلاً عن الوجوب أو الوجود " كيف أو الوجود .؟ لأنهم لا يصفون الله بأنه موجود .
" أو القدم " لأنهم لا يصفون الله تعالى بأنه أول أو قديم ، فسلبوا عنه النقيضين .
الذين حادوا وزاغوا عن سبيل الرسل وأتباعهم ينقسمون إلى ثلاثة فرق : هذه الفرقة الأولى ، وهم .؟ الغلاة الذي يسلبون عنه النقيضين ، ما هما .؟ الوجود والعدم الحياة والموت العلم والجهل السّمع والصمم وهكذا .
ما هي شبهتهم : يقولون إن أثبتنا له الصفة شبهناه بالموجودات ، وإن نفينا عنه الصفة شبهناه بالمعدومات ، فإذاً فلا نثبت ولا ننفي، نقول لا موجود ولا غير موجود ، لا معدوم ولا غير معدوم ، ترى كلامي هذا مثل الأول ، لأن لا موجود ولا غير موجود هو لا موجود ولا معدوم ، لأن غير الموجود هو المعدوم ، لكن اختلاف التعبير .
الحاصل ... لا سميع ولا غير سميع ، لا فاعل ولا غير فاعل ، لا متكلم ولا غير متكلم مفهوم .؟ طيب الشبهة هي هذه .
نقول لهم : إنكم لما فررتم من تشبيهه بالموجودات والمعدومات وقعتم في تشبيهه بأي شيء .؟ بالممتنعات الذي لا يمكن لأيّ عقل ببداهة العقول يعلم أن هذا أمر غير ممكن ، وقد علم كما قال المؤلف بالاضطرار أن الموجود أو الوجود لا بد له من موجد .
فنقول لهم هل أنتم أيها الفلاسفة موجودون أو معدومون ؟
فسيقولون موجودون ، نقول من الذي أوجدكم ؟ يقولون أوجدنا من ليس بموجود ولا غير موجود نعم ، ممكن ذا أو لا .؟
غير ممكن ... يعني بالضرورة الرد عليهم ، ببداهة العقل وضرورة العلم .