تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن قلت إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة ; لا تقابل السلب والإيجاب فإن الجدار لا يقال له أعمى ولا بصير ولا حي ولا ميت إذ ليس بقابل لهما , قيل لك : أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم , فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء ; فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر ". حفظ
الشيخ : " فإن قلت " الضمير يعود على من .؟ فإن قلت أيها النافي للوجود والعدم " إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب ، فإن الجدار لا يقال له أعمى ولا بصير ولا حي ولا ميت إذا ليس لهما بقابل ".
الطالب : " قابل لهما ".
الشيخ : أحسن . " إذا ليس بقابل لهما ".
انتبهوا إلى هذه المسألة الأخيرة فإنها مهمة ، سبق لنا أن الجمع بين النقيضين ممتنع ، وأن رفع النقيضين ممتنع ، وهذا فيما إذا كان تقابلهما تقابل نفي وإثبات ، فإنهما لا يترفعان ولا يجتمعان ، لكن إذا كان تقابلهما تقابل عدم وملكة ، بمعنى أن الشيء هل يقبل الاتصاف بهما أو لا يقبل ، فإنه يجوز رفعهما عما لا يمكن أن يكون قابلاً لهما . يجوز رفعهما أي النقيضين عما ليس بقابل لهما .
مثال ذلك : الجدار مثلا ، نحن قلنا قبل قليل العلم والجهل متنقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ولا شك في هذا ، فيما يمكن أن يكون قابلاً لهما ، لكن الشيء الذي لا يقبل النقيضين يمكن أن يرفع عنه النقيضين ، مثل الجدار يمكن أن تقول عنه لا عالم ولا جاهل ، الآن سلبت عنه النقيضين ، وأنت قلت أن ارتفاع النقيضين لا يمكن ، فكيف أنت نهيت أن نرفع النقيضين وهما العلم والجهل عن الجدار ؟
نقول نعم ، أمكن لأن تقابلهما بالنسبة للجدار تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب ، بمعنى أنهما معدومان بالنسبة للجدار لأنه ليس بقابل لهما . والملكة بمعنى القبول ، يعني ليس بقابل لهما . فيجوز رفع النقيضين عما ليس بقابل لهما ، طبعا ليس هذا في كل نقيضين ، لأنك لو تريد تقول الجدار لا موجود ولا معدوم يصح أو لا .؟ لا يصح لأن الجدار قابل للوجود والعدم ، لكن صحيح الصفات التي ما هي شؤون الجدران ولا مما يقبلها الجدار ممكن ترفعها عنه ، يمكن تقول عندي جدار لا يسمع ولا يبصر ، صح أو لا .؟ لكن لو تقول للناس عندي جدار لا يسمع ولا يبصر أن يقولوا هم أيضا أنت لا تسمع ولا تبصر ، لأنهم كلهم يعرف أن الجدار لا يسمع ولا يبصر ، لكن لو تقول عندي جدار لا هو حي ولا ميت يصلح أو ما يصلح .؟
الطالب : ما يصلح .
الشيخ : لا باعتبار عقليا ، لا باعتبار العادة والعرف ، ما جرت العادة والعرف التخاطب بمثل هذا ، لكن عقليا أنك تقول الجدار ... ليس حيا ولا ميتا ، يمكن هذا ، لكن لماذا ارتفع عنه النقيضان .؟ لأنه غير قابل لهما ، حطوا بالكم ، يجي واحد من الشياطين يقول : أنا نفيت عن الله أن يوصف بالصفات لأنه غير قابل ، وش
يرد الشيخ عليه :
" قيل لك : أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم " صحيح ، مسألة الوجود والعدم لا تصح في أي شيء ، هل يمكن لأي شيء من الأشياء يكون غير قابل للوجود والعدم .؟ أرجو الانتباه يا جماعة ، هل يمكن لأي شيء من الأشياء يكون غير قابل للوجود والعدم .؟ لأن كل شيء إما موجود أو معدوم ، هل يمكن لكل شيء ألا يكون قابلا للسمع والبصر .؟ إلا ، بعض الأشياء ليس بقابل أن يوصف بالسمع ولا بالبصر ، مثل أي شيء .؟ كالجمادات ، مثلا الجدار ، الجدار ممكن يقول لا يسمع ولا يبصر وليس أعمى ولا أصم ، أليس كذلك .؟ لماذا .؟ لأنه ليس من شأنه ولا من ملكته أن يكون موصوفا بهذه الصفات ، فرفع النقيضين عنه ممكن ، لكن بالنسبة للوجود والعدم ممكن هذا بالجدار أو غير الجدار .؟ لا يمكن ، الجدار ... الآن الرجل هذا يقول : " إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما " ، أما ما ليس بقابل لهما فإنه يمكن نفي النقيضين عنه ، واضح .؟ ... إذا قال هذا القائل أنا أقول : لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل إلى آخره ، هذا بالنسبة لله ، وقلنا له إن نفي النقيضين ممتنع عقلا ، فأجابنا بقوله : إنما يمتنع نفي النقيضين عما كان قابلا لهما ، أما إذا لم يكن قابلا لهما فإنه يصح أن ينفى عنه النقيضين ، أرجو أن تمثلوا لي بما لم يكن قابلا لهما .؟ كالجدار ، الجدار ليس قابلا للوصف بالجهل أو بالعلم ، فيجوز أن يقال هذا الجدار لا عالم ولا جاهل ، صح أو لا .؟ هذا الرجل الآن الذي ينكر أن الله موجود ولا موجود ، يقول هذا الذي قلتم ممتنع بالنسبة لما يكون قابلا لهما ، وأنا أقول إن الله لا يقبل أن يوصف بالجهل وبالعلم ، وبالحياة وبالموت ، ليس قابلا لهما ، الشيخ وش يقول .؟
" قيل لك : أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء ، فليزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر " واضح الآن .؟
فصار هذا الرجل الذي يقول أنا أقول إن الله لا موجود ولا معدوم ، لا أصفه بالوجود ولا العدم ، فإننا نقول له بأنه لا يمكن أن لا تصفه بالوجود ولا العدم . قال يمكن لأن الوجود والعدم نقيضان لا يرتفعان بالنسبة لما يكون قابلاً لهما ، وأما الله فليس قابلاً لهما .
شيخ الإسلام يقول له جواباً على هذا ، بالنسبة للوجود والعدم لا يصح ، لأن كل شيء قابل للوجود والعدم ، كل شيء ، صحيح بالنسبة للعلم والجهل ما فيه شيء قابل لهما دائما ... لكن بالنسبة للوجود والعدم كل شيء قابل للوجود والعدم ، كل شيء يمكن أن يصفه بأنه موجود ، وكل شيء يمكن أن يصفه بأنه معدوم .
إذاً تقابل العدم والوجود تقابل سلب وإيجاب ، وليس تقابل عدم وملكه .
الطالب : ما معنى القبول والملكة ؟
الشيخ : الملكة بمعنى القبول ، والعدم عدم القبول . ولهذا يقال مثلا هذا الرجل متخلق بالأخلاق الحسن ، هل هو ملكة فيه أو تكلف .؟ يعني هذا معناه . الملكة معناه قبول الشيء وكونه لازما .
يقول المؤلف : " فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء ; فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر ".
الطالب : " قابل لهما ".
الشيخ : أحسن . " إذا ليس بقابل لهما ".
انتبهوا إلى هذه المسألة الأخيرة فإنها مهمة ، سبق لنا أن الجمع بين النقيضين ممتنع ، وأن رفع النقيضين ممتنع ، وهذا فيما إذا كان تقابلهما تقابل نفي وإثبات ، فإنهما لا يترفعان ولا يجتمعان ، لكن إذا كان تقابلهما تقابل عدم وملكة ، بمعنى أن الشيء هل يقبل الاتصاف بهما أو لا يقبل ، فإنه يجوز رفعهما عما لا يمكن أن يكون قابلاً لهما . يجوز رفعهما أي النقيضين عما ليس بقابل لهما .
مثال ذلك : الجدار مثلا ، نحن قلنا قبل قليل العلم والجهل متنقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ولا شك في هذا ، فيما يمكن أن يكون قابلاً لهما ، لكن الشيء الذي لا يقبل النقيضين يمكن أن يرفع عنه النقيضين ، مثل الجدار يمكن أن تقول عنه لا عالم ولا جاهل ، الآن سلبت عنه النقيضين ، وأنت قلت أن ارتفاع النقيضين لا يمكن ، فكيف أنت نهيت أن نرفع النقيضين وهما العلم والجهل عن الجدار ؟
نقول نعم ، أمكن لأن تقابلهما بالنسبة للجدار تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والإيجاب ، بمعنى أنهما معدومان بالنسبة للجدار لأنه ليس بقابل لهما . والملكة بمعنى القبول ، يعني ليس بقابل لهما . فيجوز رفع النقيضين عما ليس بقابل لهما ، طبعا ليس هذا في كل نقيضين ، لأنك لو تريد تقول الجدار لا موجود ولا معدوم يصح أو لا .؟ لا يصح لأن الجدار قابل للوجود والعدم ، لكن صحيح الصفات التي ما هي شؤون الجدران ولا مما يقبلها الجدار ممكن ترفعها عنه ، يمكن تقول عندي جدار لا يسمع ولا يبصر ، صح أو لا .؟ لكن لو تقول للناس عندي جدار لا يسمع ولا يبصر أن يقولوا هم أيضا أنت لا تسمع ولا تبصر ، لأنهم كلهم يعرف أن الجدار لا يسمع ولا يبصر ، لكن لو تقول عندي جدار لا هو حي ولا ميت يصلح أو ما يصلح .؟
الطالب : ما يصلح .
الشيخ : لا باعتبار عقليا ، لا باعتبار العادة والعرف ، ما جرت العادة والعرف التخاطب بمثل هذا ، لكن عقليا أنك تقول الجدار ... ليس حيا ولا ميتا ، يمكن هذا ، لكن لماذا ارتفع عنه النقيضان .؟ لأنه غير قابل لهما ، حطوا بالكم ، يجي واحد من الشياطين يقول : أنا نفيت عن الله أن يوصف بالصفات لأنه غير قابل ، وش
يرد الشيخ عليه :
" قيل لك : أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم " صحيح ، مسألة الوجود والعدم لا تصح في أي شيء ، هل يمكن لأي شيء من الأشياء يكون غير قابل للوجود والعدم .؟ أرجو الانتباه يا جماعة ، هل يمكن لأي شيء من الأشياء يكون غير قابل للوجود والعدم .؟ لأن كل شيء إما موجود أو معدوم ، هل يمكن لكل شيء ألا يكون قابلا للسمع والبصر .؟ إلا ، بعض الأشياء ليس بقابل أن يوصف بالسمع ولا بالبصر ، مثل أي شيء .؟ كالجمادات ، مثلا الجدار ، الجدار ممكن يقول لا يسمع ولا يبصر وليس أعمى ولا أصم ، أليس كذلك .؟ لماذا .؟ لأنه ليس من شأنه ولا من ملكته أن يكون موصوفا بهذه الصفات ، فرفع النقيضين عنه ممكن ، لكن بالنسبة للوجود والعدم ممكن هذا بالجدار أو غير الجدار .؟ لا يمكن ، الجدار ... الآن الرجل هذا يقول : " إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما " ، أما ما ليس بقابل لهما فإنه يمكن نفي النقيضين عنه ، واضح .؟ ... إذا قال هذا القائل أنا أقول : لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل إلى آخره ، هذا بالنسبة لله ، وقلنا له إن نفي النقيضين ممتنع عقلا ، فأجابنا بقوله : إنما يمتنع نفي النقيضين عما كان قابلا لهما ، أما إذا لم يكن قابلا لهما فإنه يصح أن ينفى عنه النقيضين ، أرجو أن تمثلوا لي بما لم يكن قابلا لهما .؟ كالجدار ، الجدار ليس قابلا للوصف بالجهل أو بالعلم ، فيجوز أن يقال هذا الجدار لا عالم ولا جاهل ، صح أو لا .؟ هذا الرجل الآن الذي ينكر أن الله موجود ولا موجود ، يقول هذا الذي قلتم ممتنع بالنسبة لما يكون قابلا لهما ، وأنا أقول إن الله لا يقبل أن يوصف بالجهل وبالعلم ، وبالحياة وبالموت ، ليس قابلا لهما ، الشيخ وش يقول .؟
" قيل لك : أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء ، فليزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر " واضح الآن .؟
فصار هذا الرجل الذي يقول أنا أقول إن الله لا موجود ولا معدوم ، لا أصفه بالوجود ولا العدم ، فإننا نقول له بأنه لا يمكن أن لا تصفه بالوجود ولا العدم . قال يمكن لأن الوجود والعدم نقيضان لا يرتفعان بالنسبة لما يكون قابلاً لهما ، وأما الله فليس قابلاً لهما .
شيخ الإسلام يقول له جواباً على هذا ، بالنسبة للوجود والعدم لا يصح ، لأن كل شيء قابل للوجود والعدم ، كل شيء ، صحيح بالنسبة للعلم والجهل ما فيه شيء قابل لهما دائما ... لكن بالنسبة للوجود والعدم كل شيء قابل للوجود والعدم ، كل شيء يمكن أن يصفه بأنه موجود ، وكل شيء يمكن أن يصفه بأنه معدوم .
إذاً تقابل العدم والوجود تقابل سلب وإيجاب ، وليس تقابل عدم وملكه .
الطالب : ما معنى القبول والملكة ؟
الشيخ : الملكة بمعنى القبول ، والعدم عدم القبول . ولهذا يقال مثلا هذا الرجل متخلق بالأخلاق الحسن ، هل هو ملكة فيه أو تكلف .؟ يعني هذا معناه . الملكة معناه قبول الشيء وكونه لازما .
يقول المؤلف : " فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء ; فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر ".