تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتا وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال ; لأن النفي المحض عدم محض ; والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل : ليس بشيء ; فضلا عن أن يكون مدحا أو كمالا ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال . فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح ." . حفظ
الشيخ : هذه القاعدة في النفي يقول المؤلف : " وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ إثْبَاتًا " يعني ما ذكر الله تعالى من صفات النفي التي وصف بها نفسه لا يمكن أن تكون مدحاً إلا إذا تضمنت إثباتا .
مثلاً : (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) هذا ما يمكن أن نقول إنه مدح إلا إذا تضمنت إثباتاً ، أي صفة ثبوتيه ، وجه ذلك .؟
لأن مجرد النَّفْيَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ " لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ عَدَمٌ مَحْضٌ " يعني مجرد النفي ليس بشيء فهو عدم ، يقول : " وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءِ ، وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ فَهُوَ كَمَا قِيلَ : لَيْسَ بِشَيْءِ" يعني ما ليس بشيء فهو ليس بشيء هذا المعنى ، ما ليس بشيء فليس بشيء " فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا أَوْ كَمَالًا وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ يُوصَفُ بِهِ الْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ ، وَالْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يُوصَفُ بِمَدْحِ وَلَا كَمَالٍ . فَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ النَّفْيِ مُتَضَمِّنًا لِإِثْبَاتِ مَدْحٍ " .
القاعدة هذه في النفي تقول : النفي المحض الذي لا يراد منه إثبات كمال هذا ليس بمدح ، وجه ذلك .؟ لأن النفي المحض وش معناه .؟ العدم ، نفي عدم ، منفي معدوم ، هذه الموازنة ، طيب العدم المحض الشيء المعدوم مثل ماذا قال المؤلف : " الشيء المعدوم ليس بشيء" إذا كان ليس بشيء هل يمكن أن يكون مدحاً .؟ لا ، إذا فتبين الآن أن النفي إذا لم يتضمن إثباتاً فلا يمكن أن يتصف الله به ، لأن الله موصوف بصفات الكمال ، فإذا لم يتضمن النفي كمالاً لا يمكن أن يتصف الله به .
الآن مثلاً يا جماعة عندما أقول : هذه المروحة لا تأخذها سنة ولا نوم ، هل هذا صحيح أم لا ؟ ! إلا ، صحيح ، إلا إذا رآها أحدكم حين تنام.
الطالب : لكنها غير قابلة .
الشيخ : لكن هل هذا مدح .؟ لا ، لأنها ليست بقابلة ، إذن فليس لا تأخذها سنة ولا نوم لكمالها ، ولكن لأنها غير قابلة لذلك ، واضح .؟ طيب عندما أقول : هذا الرجل شجاع لا يمكن أن ينام والعدو أمامه ، هل هذا مدح ؟! هذا لا ينام والعدو أمامه ، شوفو هذا رجل شجاع لا يمكن أن ينام والعدو أمامه ، هذا واحدة ، كلمة أخرى : هذا لا ينام والعدو ... الثانية نشوف واش تضمنت ، هل لا ينام والعدو أمامه من أجل الخوف والذعر ، أو لا ينام والعدو أمامه من أجل القوة ليقضي على عدو ، إذن تحتمل أمرين :
إذا لم تتضمن مدحاً صارت ليست مدحاً ، أو لا ولهذا قال الله عز وجل : (( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ )) في يوم بدر ، دليل على أنهم ليسوا خائفين ، فالحاصل أن تقول النفي المحض ليس بنفي حتى يتضمن إثبات مدح .
قال الله عن نفسه : (( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ )) لماذا ؟! لكمال حياته وقيوميته ، لأن الحياة الكاملة لا تحتاج إلى نوم ، الحياة الناقصة تحتاج إلى نوم ، لأن النوم ينقض منا سبق من تعب ، ويستجد نشاطا لما يستقبل أليس كذلك، إذن فمعنى هذا أن الجسم أرهق فاحتاج إلى النوم واحتاج إلى راحة، وأنه لا يمكن أن يستمر في نشاطه فيحتاج إلى تجديد نشاطه ، فيدل النوم على النقص ، ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم .
القيومية كمال القيومية في عدم النوم لأن القيوم هو القائم بنفسه وعلى غيره كما قال الله تعالى : (( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )) وهو الله ، كما ليس بقائم على كل نفس بما كسبت وهي الأصنام ، ولهذا قال : (( وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء )).
القائم على غيره هل يمكن أن ينام مع تمام القيام على غير؟!
الطالب : لا .
الشيخ : لاسيما وأن هذا الغير كل كائن في السماء والأرض ، فما دام الغير الذي قائم الله عليه ، هو كل كائن في السماء والأرض ،فهذه الكائنات محتاجة إلى مراعاتها وإمدادها وإيجادها وإعدامها في كل لحظة ، فلا يمكن أن ينام لكمال قيوميته .
الشيخ : صار الآن نفي السنة والنوم تضمن إثباتاً أم لا ؟!
الطالب : ... .
الشيخ : ما هو الإثبات الذي تضمنه ؟! كمال حياته وقيوميته .صار القاعدة عندنا في النفي ، وش القاعدة .؟
أنه لا يعتبر ، ولا يصح أن يكون كمالاً إلا إذا تضمن إثباتا ، هذا الإثبات الذي يتضمنه هو كمال ضد ذلك المنفي ، فإذا نفى الله عن نفسه النوم والسنة معناه أننا استفدنا من هذا فائدتين :
الأولى : ما دل عليه اللفظ بالمطابقة ، وهو عدم السنة والنوم .
الثانية : ما دل عليه اللفظ بالالتزام ، وهو كمال الحياة والقيومية .
طيب نفى الله عن نفسه الظلم ، لماذا .؟ لكمال عدله ، لا لنفي الظلم المطلق ، لو كان لمجرد النفي لم يكن ذلك مدحاً ، بل ربما يكون ذما .
وأنا قلت مثلا لو قلنا : هذه المروحة لا تظلم .؟ هل في ذلك مدحا لها .؟
الطالب : لا .
الشيخ : ليش .؟ لأنه عدم القابلية فلا يتضمن إثباتا ، ما نقول لا تظلم لأنها عادلة . طيب لو قلنا في رجل ضعيف مهين ، هذا الرجل لا يظلم ، هل هذا مدح .؟ هذا ذم .
صار النفي الآن في الأول ما دل على المدح ولا الذم لعدم القابلية ، وهنا دل على الذم ، لأنه استلزم إثبات صفة نقص ، ومنه قول الشاعر :
" قُبيلة لا يغّدرون بذمه *** ولا يظلمون الناس حبة خردل "
لماذا ؟! لكمال عدلهم ووفائهم ، أم لعجزهم وعدم قدرتهم ؟!
الطالب : لعجزهم .
الشيخ : نعم لعجزهم وعدم قدرتهم . وكذا قول الشاعر :
" لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب *** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا .
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** ومن إساءة أهل السوء إحساناً "
.
قومه ليسوا من الشر في شي ، هذا نفي لانتسابهم للشر ، لكن ما رأيكم هل هو متضمن للمدح أو لا .؟ بل للذم ، ولذا قال :
" فليت لي بهم قوماً إذ ركبوا *** شنوا الإغارة فرساناً وركباناً "
قال : ليت لي بدلهم أحدا ما يكون بهذا الوضع .
فبين بهذا أن ما نفى الله عن نفسه يجب أن يكون مستلزما لإثبات صفة كمال ، هذا الكمال هو نقيض ما نفي الله عن نفسه . طيب سؤالك .؟
الطالب : كلمة المحض .؟
الشيخ : المحض الخالص الذي لا يشاركه شيء .
الشيخ : طيب يقول المؤلف رحمه الله ، الوجه الثاني ، ألم يقل : "وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ... " أيضا يقول : " وَلِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ يُوصَفُ بِهِ الْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ وَالْمَعْدُومُ وَالْمُمْتَنِعُ لَا يُوصَفُ بِمَدْحِ وَلَا كَمَالٍ " المعدوم والممتنع يوصف بالنفي المحض ... قال الله عزّ وجل : (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً )) .
هذا نفي أن يكون شيئاً ، لماذا .؟ لأنه معدوم (( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً )) نفى الله أن يكون الإنسان شيئاً لأنه معدوم ، فالنفي إذن يكون للمعدوم والمعدوم ليس بشيء ، يكون في الشيء الممتنع .
قال تعالى : (( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ )) هذا نفي ، هل هو للشيء الممتنع أو للشيء الممكن لكن لم يوجد ؟! بل هو نفي لشيء ممتنع ، لم يكن الإنسان خالقاً نفسه ، هذا نفي لشيء ممتنع .
لا أثر بدون مؤثر نفي لكن لشيء ممتنع .
إذن ما دام أن النفي المحض يوصف به الشيء المعدوم والممتنع فإذن لا يمكن أن يكون ما نفى الله عن نفسه من الصفات مجرد نفي فقط بل لابد من إثبات كمال .