تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك قوله : (( لا تدركه الأبصار )) إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء , ولم ينف مجرد الرؤية ; لأن المعدوم لا يرى , وليس في كونه لا يرى مدح ; إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا , وإنما المدح في كونه لا يحاط به وإن رئي ; كما أنه لا يحاط به وإن علم فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما : فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها . وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتا هو مما لم يصف الله به نفسه . " . حفظ
الشيخ : ذكر المؤلف أمثلة من هذا وسبقت ، ومنها :
" وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ )) " (( وهو يدرك الأبصار ))
لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به رؤية ، لأن إدراك الشيء بمعنى الإحاطة ، أدركته أحطت به ، فالمعنى أن الأبصار لا تحيط به رؤية ، وكلمة لا تدركه يقول : " إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء ولم ينف مجرد الرؤية ، لأن المعدوم لا يرى " صح ،
ما قال إن الله لا يرى ، بل قال لا تدركه الأبصار ، ونفي الأخص لا يقتضي نفي الأعم ، وش معناه .؟ يعني أن نفي الإدراك ، كونك ترى الشيء ولا تدركه ، لا ينفي أنك تراه فقط بدون إدراك .
نحن نرى الشمس ولكن هل نحن ندركها ؟! ما ندركها ، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم ، نفي الأخص لا يقتضي نفي الأعم ـ سواء كان ذلك في المحسوسات أو كان ذلك في المعنويات .
عندما تقول مثلاً : فلان لا يجيد الخط ، هل معنى ذلك أنه لا يكتب .؟ لا ، ما ينفى أنه لا يكتب ، يمكن يكتب لكن بدون إجادة . فلان لا يحسن التعبير ، هل معناه لا يعبر .؟ لا ، معناه لا يجيد النعبير ولا يحسنه ، فنفي الأخص معنويا كان أم حسيا لا يستلزم نفي الأعم .
(( لا تدركه الأبصار )) لم يقل لا تراه الأبصار و لو قال لا تراه صحيح ، نفى الرؤية ، لكن لا تدركه أخص من الرؤية ، وش وجه أنه أخص .؟ لأن الشيء قد يرى ولا يحاط ، قد يرى ولا يدرك ، فأنت إذا نفيت الإدراك ليس معنى ذلك أنك نفيت أصل الرؤية ، ولهذا استدل بعض العلماء في هذه الآية على إثبات رؤية الله ، هذه الآية استدل بها من ينكر بأن الله يرى واستدل بها من يقول إن الله يرى ، وأيهما أسعد بالدلالة .؟ أيهما المصيب .؟ الذي استدل بها على أن الله يرى هو المصيب ، وذلك لأن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية ، ولو كان أصل الرؤية مفقوداً لقال : لا تراه الأبصار . لأن كونه يعبر عن أصل الرؤية بالإدراك هذا إلغاز وليس بيانا ، والقرآن بيان .
إذن يقول المؤلف رحمه الله : " وَلَمْ يَنْفِ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ ، لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُرَى ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ لَا يُرَى مَدْحٌ ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَعْدُومُ مَمْدُوحًا ، وَإِنَّمَا الْمَدْحُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ " في الحقيقة قول المؤلف : لأن المعدوم لا يرى ، هذا قد يعارض فيه من يعارض ، ويقول إذا كان الموجود محجوبا فإنه موجود لا يرى ، عرفتم يا جماعة ، لكن نقول : لا يرى لا لكونه معدوما لكن لكونه محجوبا الآن مثلاً لو كان أحداً خلف هذا الجدار لكنا لا نراه ، لأنه معدوم أو لأنه محجوب ؟! لأنه محجوب ، ولكن الجواب على هذا أن يقال: إن هذا المحجوب من شأنه أن يرى لولا المانع ، إذن فالذي لا يرى مطلقاً بدون موانع هو المعدوم ، وأما المحجوب فصحيح أنه لا يرى لكن لوجود مانع ، كما لو كان الإنسان حاضرا ليس بينه وبين الرجل الأعمى إلا سنتمتر ، فإن هذا الرجل الأعمى يراه أو لا .؟ لا يراه ، لأنه معدوم أو لوجود المانع .؟ لوجود المانع ، إذن نقول إن الله لا يمتدح بكونه لا يرى لأن الأصل فيما لا يرى العدم . فكلام المؤلف تبين أنه لا معارض له . وأنا قلت لكم ربما نعارض كلام المؤلف ، ولكن أجبت ، لأن هذه المعارضة وش مبنية عليه .؟ على وجود مانع ... فالذي لا يرى لكون الإنسان أعمى أو لا يرى لكونه حال بينه جدار أو شجرة ، هذا ليس معناه أنه ليس بموجود ، لكنه موجود وجد له مانع .
طيب يقول : " وَإِنَّمَا الْمَدْحُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِنْ رُئِيَ ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِنْ عُلِمَ ، فَكَمَا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا ، فَكَذَلِكَ إذَا رُئِيَ لَا يُحَاطُ بِهِ رُؤْيَةً ، فَكَانَ فِي نَفْيِ الْإِدْرَاكِ مِنْ إثْبَاتِ عَظَمَتِهِ مَا يَكُونُ مَدْحًا وَصِفَةَ كَمَالٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى نَفْيِهَا ".
ما هو الدليل على إثبات الرؤيا ؟! نفي الإدراك ، إذن نفي الإدراك دل على أمرين : كمال عظمة الله لأنه لعظمة لا يدرك ، والشيء العظيم لا يمكن أن يدركه الإنسان ، لا تدركه ، لو أن هناك جبلاً كبيراً واسعاً أو بحراً عميقاً واسعاً ، لا تستطع أن تدركه ، لأي شيء ؟! لعظمته .
وكذلك لو كان شيئاً بعيداً رفيعا عاليا أو منيراً يحجب الرؤية ، أو ما شابه ذلك ، ما رأيته من أجل عظمته ، فنفي إدراك الرؤية بالنسبة لله دليل على كماله ، ونفي الإدراك دليل على إثبات الرؤية . ووجهه .؟
" لَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ مَعَ عَدَمِ الْإِحَاطَةِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا ، وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت كُلَّ نَفْيٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا هُوَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ ".
الطالب : كمال عظمة الله ... .
الشيخ : كمال عظمة الله ، والثانية إثبات الرؤية .
الطالب : في يوم القيامة .؟
الشيخ : إيه في يوم القيامة .
قال : " وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَجَدْت كُلَّ نَفْيٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا هُوَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ " وهذه قد سبق شرحه قريبا ، أن القاعدة فيما نفي الله عن نفسه : أنه متضمن إثبات صفة كمال . كل ما نفى الله عن نفسه فهو متضمن لإثبات صفة كمال .