تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " واعلم أن الجهمية المحضة كالقرامطة ومن ضاهاهم ينفون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين حتى يقولون ليس بموجود ولا ليس بموجود ولا حي ولا ليس بحي ومعلوم أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين . وآخرون وصفوه بالنفي فقط فقالوا ليس بحي ولا سميع ولا بصير ; وهؤلاء أعظم كفرا من أولئك من وجه وأولئك أعظم كفرا من هؤلاء من وجه فإذا قيل لهؤلاء هذا مستلزم وصفه بنقيض ذلك كالموت والصمم والبكم قالوا إنما يلزم ذلك لو كان قابلا لذلك وهذا الاعتذار يزيد قولهم فسادا ؛ وكذلك من ضاهى هؤلاء وهم الذين يقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه إذا قيل هذا ممتنع في ضرورة العقل كما إذا قيل : ليس بقديم ولا محدث ولا واجب ولا ممكن ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره قالوا هذا إنما يكون إذا كان قابلا لذلك والقبول إنما يكون من المتحيز فإذا انتفى التحيز انتفى قبول هذين المتناقضين . فيقال لهم علم الخلق بامتناع الخلو منه هذين النقيضين : هو علم مطلق لا يستثنى منه موجود . والتحيز المذكور إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ; وإن أريد به أنه منحاز عن المخلوقات ; أي مباين لها متميز عنها فهذا هو الخروج فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه , فهم غيروا العبارة ليوهموا من لا يفهم حقيقة قولهم أن هذا معنى آخر وهو المعنى الذي علم فساده بضرورة العقل ; كما فعل أولئك بقولهم ليس بحي ولا ميت ولا موجود ولا معدوم ولا عالم ولا جاهل .". حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ... " وَاعْلَمْ أَنَّ الجهمية الْمَحْضَةَ كَالْقَرَامِطَةِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ : يَنْفُونَ عَنْهُ تَعَالَى اتِّصَافَهُ بِالنَّقِيضَيْنِ حَتَّى يَقُولُونَ لَيْسَ بِمَوْجُودِ وَلَا لَيْسَ بِمَوْجُودِ وَلَا حَيٍّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخُلُوَّ عَنْ النَّقِيضَيْنِ مُمْتَنِعٌ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ . وَآخَرُونَ وَصَفُوهُ بِالنَّفْيِ فَقَطْ فَقَالُوا لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ ، وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ أُولَئِكَ مِنْ وَجْهٍ وَأُولَئِكَ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ وَصْفَهُ بِنَقِيضِ ذَلِكَ كَالْمَوْتِ وَالصَّمَمِ وَالْبُكْمِ قَالُوا إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَزِيدُ قَوْلَهُمْ فَسَادًا "
الظاهر أن هذا الذي قال المؤلف سبق مراراً أو لا .؟ في الذين يصفونه بالسلوب المتناقضة أو بالسلوب دون إثبات ، أليس كذلك .؟ مر علينا طائفة يسلبون عنها النقيصين ، ويقولون ليس بموجود ولا معدوم .
وطائفة أخرى تسلب عنه الصفات فقط ، فلا تصفه بالإثبات ، إنما الذي نحتاج إلى فهمه من هذه العبارة هو قوله : " إن كل واحد منهم ــ من هاتين الطائفتين ـ أشد كفراً من الأخرى من وجه ، " فالطائفتين كما تصورتم :
طائفة تقول : لا نصفه لا بهذا ولا بهذا ، يقول ليس بموجود ولا ليس بموجود ، أو ليس بموجود ولا معدوم ، هذه الطائفة كما مر علينا فروا من أن يشبهوا الله بالموجودات أو بالمعدومات ، ولكنهم وقعوا في شر من ذلك حيث شبهوه بالممتنعات ، يعني لا يوجد شيء لا موجود ولا معدوم ، فهذا كفر ... وتناقض ظاهر .
بقي عندنا الذين قالوا إنه ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا يتكلم وما أشبه ذلك .
قال المؤلف : إن هؤلاء أعظم كفراً من أولئك من وجه ، يعني كل واحد من هاتين الطائفتين أعظم كفراً من الأخرى من جه ، فلننظر
الطائفة الأولى أعظم كفرا من هذه ، وهذه أعظم كفرا من تلك ، فكيف ذلك .؟ كيف كانت الطائفة الأولى التي تصفه بشيء ممتنع أعظم كفراً من هذه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : لأن قولهم بالحقيقة يؤدي إلى .؟ أنه ما هناك رب ولا شيء، وأنه يمتنع أن يوجد رب ، إذ أن الموصوف بهذه الصفات ممتنع، يلزم من هذا أن أن يمتنع وجود رب . طيب بالله يا عقيل
الثانية أعظم كفرا من وجه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يعني إذا انتفت عنه صفة الكمال هذه وش لزم .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يلزم منها ثبوت النقص ، إذا انتفت الحياة يلزم أن يكون ميتا ، إذا انتفى السمع يلزم أن يكون أصم ، وبصر يلزم أن يكون أعمى ، وهذا أشد كفرا من أولئك من وجه آخر ، حيث إنهم وصفوا وقالوا على قولهم يجب أن يكون الله متصفا بالنقص ، لأن ضد الحي الميت ، ضد السميع الأصم ، وضد البصير الأعمى . أورد المؤلف ما كرر إيراده ... .
الطالب : ... .
الشيخ : هؤلاء أعظم لأنهم وصفوه بالعيب والنقص ، أثبتوا ربا لكن موصوف بالنقص والعيب ، فهؤلاء أشد كفرا من الأولين من هذا الوجه ، من جهة إثبات الرب أقل ، لكن من جهة أنهم وصفوه بالنقص أعظم ، أولئك من جهة عدم الإثبات أعظم من هؤلاء ، يعني وصفوا الله بوصف لا يمكن أن يكون موجودا .
طيب أورد المؤلف ما سبق إيراده من أن هؤلاء يجيبون عن قولهم بأننا ننفي عنه النقيضين ، لأنه ليس بقابل لهما ، ونفي النقيضين عن ما ليس بقابل لهما .؟ ممكن . فيقولون نحن نصف الله بنفي النقيضين لأنه غير قابل لهما ، فنقول أنتم الآن فراركم من إثبات الصفات صار إلى شيء أشد نقصا ، لأنه كما مر ، ما يقبل الاتصاف بالكمال أكمل مما لا يقبل الاتصاف بالكمال ، فأنتم في الحقيقة الآن وإن زعمتم أنه غير قابل فإنه في الحقيقة وصفتم الله بما هو أنقص .
قال : " وَكَذَلِكَ مَنْ ضَاهَى هَؤُلَاءِ - وَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ إذَا قِيلَ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَمَا إذَا قِيلَ : لَيْسَ بِقَدِيمِ وَلَا مُحْدَثٍ - وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مُمْكِنٍ وَلَا قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمٍ بِغَيْرِهِ قَالُوا إنَّمَا هَذَا يَكُونُ إذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ ، وَالْقَبُولُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِذَا انْتَفَى التَّحَيُّزُ انْتَفَى قَبُولُ هَذَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ" أفهمتم الآن .
الطالب : ... .
الشيخ : من ضَاهَى يعني شابه (( يضاهؤون قول الذين كفروا )) يشابهه .
ثم قال : " فَيُقَالُ لَهُمْ عِلْمُ الْخَلْقِ بِامْتِنَاعِ الْخُلُوِّ مِنْهُ هَذَيْنِ النَّقِيضَيْنِ : هُوَ عِلْمٌ مُطْلَقٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْجُودٌ " يعني أن الخلق كلهم يعلمون بأنه يمتنع الخلو من هذين النقضين ، وهما الوجود والعدم ، يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً ، ولا حيا ولا ميتا وهكذا ، فهذا العلم هل يستثني منه شيء بأن يكون قابل أو غير قابل؟! أبداً لأن كل شيء فهو قابل للوجود والعدم ، وقد سبق أن تقابل الوجود والعدم من باب تقابل السلب والإيجاب لا العدم والملكة ، فلا يمكن لأي مخلوق يدعي أنه يمكن خلو الأشياء عن هذين .
قال : " والتحيز المذكور " الآن أليس يقولون يلزم التحيز ، معنى التحيز أن يكون الشيء منحازا في حيز ، وحيز الشيء ما أحاط به ،
يقول المؤلف في تفصيل كلمة التحيز :
" وَالتَّحَيُّزُ الْمَذْكُورُ : إنْ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُ الأحياز الْمَوْجُودَةِ تُحِيطُ بِهِ فَهَذَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْعَالَمِ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ ، أَيْ مُبَايِنٌ لَهَا مُتَمَيِّزٌ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ الْخُرُوجُ ، فَالْمُتَحَيِّزُ يُرَادُ بِهِ تَارَةً مَا هُوَ دَاخِلُ الْعَالَمِ وَتَارَةً مَا هُوَ خَارِجُ الْعَالَمِ ، فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ".
المتحيز يقول المؤلف إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ، بالنسبة للمخلوقات فإنه يراد بها هذا ،فالإنسان متحيز بمعنى أن الأحياز التي تحوزه وتحيط به محيطة به ،
فنحن الآن في الغرفة متحيزون ، محنازون ولدينا من كل جهة أسوار تحيط بنا ، إذن فنحن الآن داخل العالم ، وكل ما تحت العرش فإن العرش محيط به ، فهو منحاز داخل العالم .
وقد يراد بالمتحيز ما كان خارج العالم ، أي المنحاز عن المخلوقات ، البائن منها وهذا بالنسبة إلى الله حق أو باطل .؟ حق ، فإن الله تعالى مباين المخلوقات ، فهم إذا قالوا ليس بمتحيز فإنه يلزم من قولهم أن لا يكون داخل العالم تحيط به الأحياز ، ولا خارج العالم منحاز بائن عن العالم ، فيلزم على قولهم أن لا يكون ثمة رب ، لأنهم الآن إذا قالوا ليس بمتحيز على الإطلاق هكذا أطلقوا ، ولم يقولوا ليس بمتحيز انحيازا تحيط به الأحياز ، فإن معنى ذلك إنكار أن يكون الله داخل العالم أو خارجه ، وهذا في الحقيقة هو التعطيل المحض ، واضح .؟ طيب ، وقد مر عليكم في التوحيد في السنة الثالثة ثانوي ، أن كلمة الحيز لفظ مبتدع لا يوجد في كلام الله ولا في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما أتى به أهل البدع ليوهموا الأغرار الذين لا يعرفون ، يوهموهم أن هذا باطل ليتوصلوا بذالك إلى نفي الصفات ، ولهذا قال المؤلف :
" فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ، فَهُمْ غَيَّرُوا الْعِبَارَةَ لِيُوهِمُوا مَنْ لَا يَفْهَمُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِمَ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ ، كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ بِقَوْلِهِمْ : لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا مَيِّتٍ وَلَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ وَلَا عَالِمٍ وَلَا جَاهِلٍ ".
خلاصة القاعدة هذه : أن الله تعالى موصوف بالإثبات والنفي ، وقلنا القاعدة في الإثبات : أن كل ما أثبته الله فهو صفة كمال ، وكل ما ذكره المؤلف في أثناء هذه القاعدة فهو كالتكرار لما سبق ، يعني ما أتى بمعنى جديد إلا أنه يغير العبارات ليوضح المعنى .
وأما النفي فقلنا : إن كل ما نفى الله عن نفسه فهو صفة نقص لكنه يتضمن إثبات المدح ، هذه القاعدة .
الظاهر أن هذا الذي قال المؤلف سبق مراراً أو لا .؟ في الذين يصفونه بالسلوب المتناقضة أو بالسلوب دون إثبات ، أليس كذلك .؟ مر علينا طائفة يسلبون عنها النقيصين ، ويقولون ليس بموجود ولا معدوم .
وطائفة أخرى تسلب عنه الصفات فقط ، فلا تصفه بالإثبات ، إنما الذي نحتاج إلى فهمه من هذه العبارة هو قوله : " إن كل واحد منهم ــ من هاتين الطائفتين ـ أشد كفراً من الأخرى من وجه ، " فالطائفتين كما تصورتم :
طائفة تقول : لا نصفه لا بهذا ولا بهذا ، يقول ليس بموجود ولا ليس بموجود ، أو ليس بموجود ولا معدوم ، هذه الطائفة كما مر علينا فروا من أن يشبهوا الله بالموجودات أو بالمعدومات ، ولكنهم وقعوا في شر من ذلك حيث شبهوه بالممتنعات ، يعني لا يوجد شيء لا موجود ولا معدوم ، فهذا كفر ... وتناقض ظاهر .
بقي عندنا الذين قالوا إنه ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا يتكلم وما أشبه ذلك .
قال المؤلف : إن هؤلاء أعظم كفراً من أولئك من وجه ، يعني كل واحد من هاتين الطائفتين أعظم كفراً من الأخرى من جه ، فلننظر
الطائفة الأولى أعظم كفرا من هذه ، وهذه أعظم كفرا من تلك ، فكيف ذلك .؟ كيف كانت الطائفة الأولى التي تصفه بشيء ممتنع أعظم كفراً من هذه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : لأن قولهم بالحقيقة يؤدي إلى .؟ أنه ما هناك رب ولا شيء، وأنه يمتنع أن يوجد رب ، إذ أن الموصوف بهذه الصفات ممتنع، يلزم من هذا أن أن يمتنع وجود رب . طيب بالله يا عقيل
الثانية أعظم كفرا من وجه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يعني إذا انتفت عنه صفة الكمال هذه وش لزم .؟
الطالب : ... .
الشيخ : يلزم منها ثبوت النقص ، إذا انتفت الحياة يلزم أن يكون ميتا ، إذا انتفى السمع يلزم أن يكون أصم ، وبصر يلزم أن يكون أعمى ، وهذا أشد كفرا من أولئك من وجه آخر ، حيث إنهم وصفوا وقالوا على قولهم يجب أن يكون الله متصفا بالنقص ، لأن ضد الحي الميت ، ضد السميع الأصم ، وضد البصير الأعمى . أورد المؤلف ما كرر إيراده ... .
الطالب : ... .
الشيخ : هؤلاء أعظم لأنهم وصفوه بالعيب والنقص ، أثبتوا ربا لكن موصوف بالنقص والعيب ، فهؤلاء أشد كفرا من الأولين من هذا الوجه ، من جهة إثبات الرب أقل ، لكن من جهة أنهم وصفوه بالنقص أعظم ، أولئك من جهة عدم الإثبات أعظم من هؤلاء ، يعني وصفوا الله بوصف لا يمكن أن يكون موجودا .
طيب أورد المؤلف ما سبق إيراده من أن هؤلاء يجيبون عن قولهم بأننا ننفي عنه النقيضين ، لأنه ليس بقابل لهما ، ونفي النقيضين عن ما ليس بقابل لهما .؟ ممكن . فيقولون نحن نصف الله بنفي النقيضين لأنه غير قابل لهما ، فنقول أنتم الآن فراركم من إثبات الصفات صار إلى شيء أشد نقصا ، لأنه كما مر ، ما يقبل الاتصاف بالكمال أكمل مما لا يقبل الاتصاف بالكمال ، فأنتم في الحقيقة الآن وإن زعمتم أنه غير قابل فإنه في الحقيقة وصفتم الله بما هو أنقص .
قال : " وَكَذَلِكَ مَنْ ضَاهَى هَؤُلَاءِ - وَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ إذَا قِيلَ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ كَمَا إذَا قِيلَ : لَيْسَ بِقَدِيمِ وَلَا مُحْدَثٍ - وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مُمْكِنٍ وَلَا قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمٍ بِغَيْرِهِ قَالُوا إنَّمَا هَذَا يَكُونُ إذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ ، وَالْقَبُولُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِذَا انْتَفَى التَّحَيُّزُ انْتَفَى قَبُولُ هَذَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ" أفهمتم الآن .
الطالب : ... .
الشيخ : من ضَاهَى يعني شابه (( يضاهؤون قول الذين كفروا )) يشابهه .
ثم قال : " فَيُقَالُ لَهُمْ عِلْمُ الْخَلْقِ بِامْتِنَاعِ الْخُلُوِّ مِنْهُ هَذَيْنِ النَّقِيضَيْنِ : هُوَ عِلْمٌ مُطْلَقٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْجُودٌ " يعني أن الخلق كلهم يعلمون بأنه يمتنع الخلو من هذين النقضين ، وهما الوجود والعدم ، يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً ، ولا حيا ولا ميتا وهكذا ، فهذا العلم هل يستثني منه شيء بأن يكون قابل أو غير قابل؟! أبداً لأن كل شيء فهو قابل للوجود والعدم ، وقد سبق أن تقابل الوجود والعدم من باب تقابل السلب والإيجاب لا العدم والملكة ، فلا يمكن لأي مخلوق يدعي أنه يمكن خلو الأشياء عن هذين .
قال : " والتحيز المذكور " الآن أليس يقولون يلزم التحيز ، معنى التحيز أن يكون الشيء منحازا في حيز ، وحيز الشيء ما أحاط به ،
يقول المؤلف في تفصيل كلمة التحيز :
" وَالتَّحَيُّزُ الْمَذْكُورُ : إنْ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُ الأحياز الْمَوْجُودَةِ تُحِيطُ بِهِ فَهَذَا هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْعَالَمِ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ ، أَيْ مُبَايِنٌ لَهَا مُتَمَيِّزٌ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ الْخُرُوجُ ، فَالْمُتَحَيِّزُ يُرَادُ بِهِ تَارَةً مَا هُوَ دَاخِلُ الْعَالَمِ وَتَارَةً مَا هُوَ خَارِجُ الْعَالَمِ ، فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ".
المتحيز يقول المؤلف إن أريد به كون الأحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم ، بالنسبة للمخلوقات فإنه يراد بها هذا ،فالإنسان متحيز بمعنى أن الأحياز التي تحوزه وتحيط به محيطة به ،
فنحن الآن في الغرفة متحيزون ، محنازون ولدينا من كل جهة أسوار تحيط بنا ، إذن فنحن الآن داخل العالم ، وكل ما تحت العرش فإن العرش محيط به ، فهو منحاز داخل العالم .
وقد يراد بالمتحيز ما كان خارج العالم ، أي المنحاز عن المخلوقات ، البائن منها وهذا بالنسبة إلى الله حق أو باطل .؟ حق ، فإن الله تعالى مباين المخلوقات ، فهم إذا قالوا ليس بمتحيز فإنه يلزم من قولهم أن لا يكون داخل العالم تحيط به الأحياز ، ولا خارج العالم منحاز بائن عن العالم ، فيلزم على قولهم أن لا يكون ثمة رب ، لأنهم الآن إذا قالوا ليس بمتحيز على الإطلاق هكذا أطلقوا ، ولم يقولوا ليس بمتحيز انحيازا تحيط به الأحياز ، فإن معنى ذلك إنكار أن يكون الله داخل العالم أو خارجه ، وهذا في الحقيقة هو التعطيل المحض ، واضح .؟ طيب ، وقد مر عليكم في التوحيد في السنة الثالثة ثانوي ، أن كلمة الحيز لفظ مبتدع لا يوجد في كلام الله ولا في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما أتى به أهل البدع ليوهموا الأغرار الذين لا يعرفون ، يوهموهم أن هذا باطل ليتوصلوا بذالك إلى نفي الصفات ، ولهذا قال المؤلف :
" فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزِ كَانَ مَعْنَاهُ لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ، فَهُمْ غَيَّرُوا الْعِبَارَةَ لِيُوهِمُوا مَنْ لَا يَفْهَمُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عُلِمَ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ ، كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ بِقَوْلِهِمْ : لَيْسَ بِحَيِّ وَلَا مَيِّتٍ وَلَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ وَلَا عَالِمٍ وَلَا جَاهِلٍ ".
خلاصة القاعدة هذه : أن الله تعالى موصوف بالإثبات والنفي ، وقلنا القاعدة في الإثبات : أن كل ما أثبته الله فهو صفة كمال ، وكل ما ذكره المؤلف في أثناء هذه القاعدة فهو كالتكرار لما سبق ، يعني ما أتى بمعنى جديد إلا أنه يغير العبارات ليوضح المعنى .
وأما النفي فقلنا : إن كل ما نفى الله عن نفسه فهو صفة نقص لكنه يتضمن إثبات المدح ، هذه القاعدة .