تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناها - والظاهر هو المراد في الجميع - فإن الله لما أخبر أنه بكل شيء عليم , وأنه على كل شيء قدير , واتفق أهل السنة وأئمة المسلمين على أن هذا على ظاهره وأن ظاهر ذلك مراد , كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا وقدرته كقدرتنا , وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقة عالم حقيقة قادر حقيقة ; لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير ; فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى : (( يحبهم ويحبونه )) (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) وقوله : (( ثم استوى على العرش )) أنه على ظاهره لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق ولا حبا كحبه ولا رضا كرضاه , فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مرادا , وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به لم يكن له نفي هذا الظاهر , ونفي أن يكون مرادا إلا بدليل يدل على النفي ; وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات , فيكون الكلام في الجميع واحدا . ". حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف : " وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُتَنَازَعِ فِي مَعْنَاهَا مِنْ جِنْسِ ظَاهِرِ النُّصُوصِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَعْنَاهَا وَالظَّاهِرُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ " فالظاهر بالفاء ما هي بالواو ، حطوها بالفاء : " وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُتَنَازَعِ فِي مَعْنَاهَا مِنْ جِنْسِ ظَاهِرِ النُّصُوصِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَعْنَاهَا فَالظَّاهِرُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ ".
أي نعم ، إذا كان المتكلم القائل الذي يقول الظاهر مراد أو غير مراد ، إذا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُتَنَازَعِ فِي مَعْنَاهَا مِنْ جِنْسِ ظَاهِرِ النُّصُوصِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَعْنَاهَا فَالظَّاهِرُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ. مثال ذلك يا جماعة ، نحن نتكلم مع الأشعري الذي يثبت للنصوص معنى حسب الظاهر ، الأشعري يثبت أن لله قدرة أو لا .؟
الطالب : نعم .
الشيخ : من جنس قدرة المخلوقين أو من غير جنسها .؟ من غير جنسها ، نقول له : إذا كنت تعتقد أن النصوص التي تنازعنا فيها ، مثل إيش .؟ كالرحمة مثلا والرضا والغضب وغير ذلك ، أليس ينازعنا في ذلك .؟ طيب يقول : المراد بالرحمة غير المفهوم عندنا ، والمراد بالمحبة غير المفهوم عندنا نحن ، المراد بالرحمة الإحسان ، نقول له الآن : فسرت الرحمة بغير ظاهرها ، فالظاهر عنك غير مراد . مثلاً : (( يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ )) يقول المراد بالرحمة الإحسان ، مثل العذاب الذي هو العقوبة .
نقول له الآن : إن كنت تعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناه ، فالظاهر هو المراد في الجميع ، يعني كأنك تريد أن تعتقد أن ظاهر الرحمة رحمة تليق بالله ، فظاهرها مراد أو غير مراد .؟ مراد ، مثل ما أنك تقول القدرة قدرة تليق بالله ، فظاهرها مراد ، فنقول إن كنت تعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها كالرحمن مثلا إنها من جنس النصوص المتفق على معناها فإننا نقول لك : إن الظاهر مراد في الجميع .
ثم فرّع المؤلف على هذا فقال : " فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ مُرَادٌ " أو لا .؟ هذا صحيح أو غير صحيح .؟ أَخْبَرَ الله أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وأَهْلُ السُّنَّةِ اتفقوا على أن ظاهر النص مراد أو غير مراد .؟ مراد " وَأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ مُرَادٌ ، كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَذَا الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ كَعِلْمِنَا وَقُدْرَتُهُ كَقُدْرَتِنَا ، وَكَذَلِكَ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً عَالِمٌ حَقِيقَةً قَادِرٌ حَقِيقَةً ، لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُمْ " ترى هذه الصفات الثلاثة الأخيرة يوافقنا الأشعري عليها أو لا .؟
الطالب : يوافقنا .
الشيخ : والصفتين السابقتين العلم والقدرة .؟ يوافقون عليها .
" لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مِثْلُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي هُوَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى : (( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) (( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )) وَقَوْلِهِ : (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) " يقولون أيضا " إَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءً كَاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقِ وَلَا حُبًّا كَحُبِّهِ وَلَا رِضًا كَرِضَاهُ " .
الطالب : ... .
الشيخ : اللفظ هذا من عندي أنا ليس من الكتاب ، لكنه أقرب للفهم من عبارة الكتاب ... .
طيب الصفات التي ذكرها الأخيرة الثلاث يوافقنا عليها الأشاعرة أو لا .؟ لا ، (( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) ما يوافقونا . (( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )) ما يوافقونا . (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) لا يوافقون .
الطالب : حي عليم قدير .
الشيخ : لا هذه وين .؟ " فَكَذَلِكَ إذَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى : (( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) (( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )) (( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )) " إذا قالوا : " أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءً كَاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقِ وَلَا حُبًّا كَحُبِّهِ وَلَا رِضًا كَرِضَاهُ ". نقول للأشاعرة الذين يثبتون العلم والقدرة وما سبق ، نقول : أنتم تعتقدون أن هذا العلم حقيقة وأن النص على ظاهره أو لا .؟ ويعتقدون أيضا أنه ليس مثل علم المخلوق ولا قدرته ، نقول نحن أيضاً نقول في المحبة والرضى أنه حق على ظاهره ولا يشبه محبة المخلوقين ورضاهم واستوائهم .
الأمر واضح ، فصار الآن ظاهر النصوص كلها مراد ، ولكن ظاهرها أي شيء .؟ المعنى اللائق بالله ، ليس ظاهرها التشبه الذي هو الكفر .
طيب : " فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَمِعُ يَظُنُّ أَنَّ ظَاهِرَ الصِّفَاتِ تُمَاثِلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ لَزِمَهُ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ظَاهِرِ ذَلِكَ مُرَادًا ".
صحيح إذ كان يظن أن ظاهر النصوص إثبات التمثيل ، وش يلزمه .؟ أن جميع الصفات ليس مرادا ظاهرها ، لأنه يعتقد أن الظاهر هو التمثيل ، والتمثيل بلا شك غير مراد لله سبحانه وتعالى من صفاته . " وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَهَا مَا يَلِيقُ بِالْخَالِقِ وَيَخْتَصُّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُ هَذَا الظَّاهِرِ وَنَفْيُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا " صحيح ، يعني إذا كان يعتقد المستمع أن ظاهر النصوص هو اللائق بالله هل يجوز أن ينفي هذا ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ولهذا قال : " لم يكن له نفي هَذَا الظَّاهِرِ " يعني ما يجوز أن يقول ظاهرها غير مراد " وَنَفْيُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا " بل الواجب عليه إثبات هذا الظاهر وإثبات أن هذا هو مراد الله سبحانه وتعالى " إلَّا بِدَلِيلِ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَلَا السَّمْعِ مَا يَنْفِي هَذَا إلَّا مِنْ جِنْسِ مَا يَنْفِي بِهِ سَائِرَ الصِّفَاتِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا " .
بهذا تقررت هذه القاعدة العظيمة وهي أن يقال : هل ظاهر نصوص صفات الله تعالى مراد أو غير مراد .؟
والخلاصة ، خلاصة الجواب أن نقول : إن أريد بالظاهر ، أو إن كان القائل يفهم أن ظاهرها معنى يليق بالله ، فالظاهر مراد ، وإن كان يفهم أن ظاهرها معناً لا يليق بالله ، فالظاهر غير مراد ، لكن ليس هو ظاهرها .
الأخ الذي في الآخر لو سمحت تجيب لنا عن هذا السؤال ، قف ، لو قال لك قائل : هل ظاهر نصوص الصفات مراد أو غير مراد .؟
الطالب : ... .
الشيخ : أي نعم ، إذا كان يريد بالظاهر معنى يليق بالله فهو مراد ، أحسنت ، وإذا كان يريد معنى لا يليق بالله .؟ فهو غير مراد ، ولكن يجب .؟ وش يجي عليه .؟ طيب جب لنا مثال حتى يتضح المثال .؟ مثال عن نص من نصوص الصفات تقول أن ظاهره مراد أو غير مراد .؟
الطالب : مثل الاستواء .
الشيخ : طيب إذا قال لك : (( ثم استوى على العرش )) ظاهره غير مراد ، وش تقول له .؟
الطالب : ... .
الشيخ : إن أردت استواء يختص بالله ويليق به ولا يشبه استواء المخلوقين ، فهو مراد ، أحسنت .
طيب إذا قال : لا أنا أقول : (( ثم استوى على العرش )) أنا أنفي أن يكون استواء يماثل صفات المخلوقين ، فأقول أن الآية ظاهرها غير مراد لهذا السبب .؟ نقول صحيح أنه غير مراد .؟
شف يا أخي نقول : استوى على العرش ليس على ظاهرها ، المراد به عنده ، عند هذا الرجل ، المراد بها استولى ، يفسرون استوى باستولى ،لماذا لا تثبت استوى بمعنى علا على العرش .؟ قال : لأن هذا يشبه صفات المخلوقين ، لو أنني أثبت الاستواء لكان معنى ذلك أن الله يشبه المخلوقين ، فأنا أقو هذا الظاهر غير مراد .؟
الطالب : ... .
الشيخ : نقول الآية ما دلت على أن الاستواء استواء يشبه استواء المخلوقين ، أنا أقول : هل الآية دلت على أن المراد بالاستواء استواء يشبه استواء المخلوق .؟ أسألك الآن هل الآية تدل على أن الله استوى على العرش استواء كاستواء المخلوق .؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا تدل عليه ، بل الذي نجزم به أنها تدل على استواء يليق به ، إذا فكون هذا الرجل يعتقد أن قوله : (( ثم استوى على العرش )) تدل على أنه استواء يشبه استواء المخلوقين هذا باطل ليس بصحيح ، فيجب أن نصحح مفهومه ، ويعرف أن المراد بكل الصفات ، وش المراد به .؟ ما يليق بالله ، طيب انتبه يا أخي .