تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال تعالى : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب )) وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم وروي عن ابن عباس أنه قال : التفسير على أربعة أوجه تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله من ادعى علمه فهو كاذب وقد روي عن مجاهد وطائفة : أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله وقد قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها ولا منافاة بين القولين عند التحقيق . فإن لفظ التأويل قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملا في ثلاثة معان : - أحدها - وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله - أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ; لدليل يقترن به وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها ; وهل ذلك محمود أو مذموم أو حق أو باطل ؟ .". حفظ
الشيخ : قال المؤلف بعد ذلك : " وقد قال تعالى : (( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب )) ".
هذه الآية تدل على أننا نعلم ما في القرآن من وجه دون وجه ، لكن بينت أن القرآن ينقسم إلى قسمين : محكم ومتشابه .
فالمحكم : ما علمنا معناه وحقيقته ، مثل : (( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ )) هذا محكم لأننا نعرف معنى إقامة الصلاة ونعرف الصلاة ونقيمها .
(( َآتُواْ الزَّكَاةَ )) محكم أو لا .؟ محكم .
لكن صفات الله سبحانه وتعالى هذا محكم أو متشابه ؟ من حيث المعنى محكم ، لأنه واضح ، ومن حيث الحقيقة متشابه . ولهذا يقول الله عز وجل : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ )) .
(( إِلاَّ اللّهُ )) قف ، وتعرب الله فاعل و (( تَأْوِيلَهُ )) مفعول ، وتعرب (( والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) الرَّاسِخُونَ : مبتدأ و (( يقولون )) الجملة خبر المبتدأ . (( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كل من عند ربنا )) .
الطالب : ... .
الشيخ : ... الواو للاستئناف ، والراسخون مبتدأ ، وجملة يقولون خبره .
وقوله تعالى : (( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ )) يعني ما يتعظ إلا أصحاب العقول .
" وجمهور وسلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ )) ". هذا الوقف لازم أو جائز ؟
لازم ، لأنه لو وصلت لاختلف المعنى المقصود ، فيجب الوقف لزوماً على قوله : (( إِلاَّ اللّهُ )) على رأي سلف الأمة وخلفها .
" وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم . وروي عن ابن عباس أنه قال : التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها . وتفسير لا يعذر أحد بجهالته . وتفسير تعلمه العلماء . وتفسير لا يعلمه إلا الله . من ادّعى علمه فهو كاذب " .
نعم قسمه على أربعة أوجه :
تفسير تعرفه العرب من كلامها ، مثل أي شيء .؟
الطالب : ... .
الشيخ : هذا معناه في اللغة ، تعرفه العرب من كلامها مثل معرفة الكأس والنمارق والسرر والأكواب وما أشبه ذلك ، كل هذا نرجع فيه إلى اللغة العربية .
وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، يعني ما يعرف لكن لابد أن يعلم ، وذلك مثل الأمور التي تلزم العبد مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وما أشبه ذلك ، هذا ما كل واحد يعرفه ولكن لا يعذر أحد بجهله ويجب أن يتعلمه الإنسان .
وتفسير تعلمه العلماء ، مثل الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والآيات التي ظاهرها التعارض تحتاج إلى جمع وما أشبه ذلك ، هذا ما كل واحد يعلمه ولكن يعلمه العلماء .
وتفسير لا يعلمه إلا الله ، مثل حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الأخر ، هذا ما يعلمه إلا الله ، ما أحد يقدر يقول أنا أعرف حقيقة يد الله وأعرف حقيقة الجنة أو أعرف حقيقة النار ما أحد يعرف ، ولو ادعى العلم فهو كاذب .
" وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَائِفَةٍ : أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ : عَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إلَى خَاتِمَتِهِ أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْ تَفْسِيرِهَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ " فيه رأي آخر :
يرون أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، وهؤلاء هم الأقل ، لأن ما دام يقول جمهور سلفها الأمة وخلفها على الوقف على : (( إلا الله )) وش يصير الراسخين في العلم يعلمون تأويله أو لا .؟ لا يعلمون ، إذا قلنا قف على : (( إلا الله )) فمعنى ذلك أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله .
لكن روي عن مجاهد وطائفة من أهل العلم حتى عن ابن عباس نفسه أنه قال : أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله . وما روي عن مجاهد بأنه عرض المصحف من فاتحته إلى خاتمته على ابن عباس يقفه عند كل آية ويسأله يدل على أن الراسخين في العلم أيضا يعلمون التأويل ، وعلى هذا يدل الرأي لا يلزم الوقف على : (( إِلاَّ اللّهُ )) بها تصل وتقول : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) ونعربها الآن على هذا الوجه فنقول :
الواو حرف عطف ، والراسخون معطوفة على الله فتكون فاعلاً فالراسخون إذا يعلمون تأويله (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) ويكون جملة يقولون حالاً من الراسخين في العلم ، يعني أنهم يعلمون بقلوبهم هذا المعنى ، ويقولون بألسنتهم (( آمنا به كل من عند ربنا )) وبسبب إيمانهم أمكنهم الوصول إلى معرفة هذا المتشابه ، لأن الذي لا يؤمن إذا عرضت عليه الآيات المتشابهات يزداد نفوراً ، والمؤمن الذي يعرف أنه من عند الله وأنه لا يمكن أن يتناقض ، يتنعم فيتدبر فيزداد إيماناً ، ولهذا قال : (( آمنا به كل من عند ربنا )).
هل بين القولين خلاف وتعارض ؟ قول من يقول إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ، وقول من يقول إن المتشابه يعلم تأويله الله والراسخون في العلم ، هل بينهما تعارض ؟
يقول المؤلف لا تعارض بينهما : " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ " القولين : الذي يقول إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ، وهو الذي عليه سلف الأمة ، جمهور سلف الأمة وخلفها ، والقول الثاني الذي يقول إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل أيضا ، يعني ليس الله فقط الذي يعلم ، الله والراسخون في العلم ، أو ما فهمتم الآن .؟
الآن المؤلف تكلم عن الآية : (( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) في قوله : (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فيها رأيان :
الرأي الأول يقول : قف على قوله : (( إلا الله )) فلا يكون الراسخون في العلم عالمين بتأويله ، ما يعلم تأويله إلا الله فقط ، ووظيفة الراسخين في العلم أنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.
الرأي الثاني : يقول لا تقف على : (( إلا الله )) بل صل الكلام وقل : (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) يعلمون كذلك تأويله . فهمت الفرق الآن أو لا .؟
رأي يقول المتشابه ما يعلم تأويله إلا الله ، ورأي يقول المتشابه ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، واضح الفرق بين القولين الآن .؟ المؤلف يقول لا منافاة بينهما عند التحقيق .
الطالب : ... .
الشيخ : يعني إذا وقفت : (( إلا الله )) صارت الراسخون مبتدأ والواو للاستئناف وجملة يقولون خبر ، وإذا وصلت صارت الواو حرف عطف والراسخون معطوفة على الله ، والمعطوف على المرفوع مرفوع فهي فاعل وجملة يقولون في محل نصب على الحال .
طيب أرجو الانتباه يا جماعة ، ما تقولوا ما فهمنا ، فصار عندنا في الآية رأيان . لا منافاة بينهما ، فإن وجه الجمع بين الرأيين :
" فَإِنَّ لَفْظَ ( التَّأْوِيلِ ) قَدْ صَارَ بِتَعَدُّدِ الِاصْطِلَاحَاتِ مُسْتَعْمَلًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ :
- أَحَدُهَا : وَهُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ أَنَّ ( التَّأْوِيلَ ) هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ، لِدَلِيلِ يَقْتَرِنُ بِهِ " صَرْفُ اللَّفْظِ من المعنى الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ، لِدَلِيلِ يَقْتَرِنُ بِهِ . يعني معناه أنك تأوّل الكلام إلى كلام .
(( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ )) وش ظاهر اللفظ .؟ إذا قرأت أي فرغت مع أن المراد إذا ابتدأت ، صرف : (( فإذا قرأت )) إلى معنى : إذا ابتدأت ، يعتبر تأويلاً ، ليش .؟ لأننا صرفنا الكلام عن ظاهره عن الاحتمال الراجح للاحتمال المرجوح . بدليل يقترن به وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يستعذ إذا انتهى من القراءة ، ولكنه يستعذ إذا ابتدأ القراءة .
واش نسمي هذا التفسير على هذا الاصطلاح ، نسميه تأويلاً .
طيب : (( استوى على العرش )) استولى على العرش ، هذا تأويل لأنه صُرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، لكن هل هناك دليل .؟ كلمة بدليل ليست من تمام التعريف ، ولكنها من تمام صحة التأويل ، أي يكون التأويل صحيحاً إذ كان له دليل ، ولا يكون صحيحاً إذا لم يذكر له دليل .
فمثلا الذي يقول استوى بمعنى استولى هم يزعمون أن لهم دليلا على ذلك ، وهو أن العقل يحيل أن يكون الله تعالى مستوياً أي مرتفعاً وعالياً على العرش ، إذا هذا الدليل العقلي ، ونحن نرى أن هذا غير دليل ، ولهذا قلنا أن هذا التأويل فاسد ، المهم يا جماعة الآن المعنى الأول للتأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، وهل نحتاج إلى كلمة : بدليل يقترن به .؟ لا ، ما نحتاج ، إنما نحتاج إليها إذا كنا نريد التأويل الصحيح ، أما مجرد صرف اللفظ سواء دليل أو بغير دليل يسمى تأويلا ، لكن إن كان بدليل فهو تأويل صحيح إذا كان هذا الدليل صحيحا ، وإن لم يكن بدليل يصير ليس صحيحا و يصير تأويل غير مقبول .
المهم تعريف التأويل : صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ، هذا التعريف ، ثم إن كان بدليل فهو صحيح ، وإن لم يكن بدليل فهو فاسد .
" وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ وَتَرْكِ تَأْوِيلِهَا " يعني أنهم يريدون في تأويل آيات الصفات وصرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح " وَهَلْ ذَلِكَ مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ أَوْ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ ؟ "
نقول أما إذا دل عليه الدليل فهو محمود وهو حق ، وإذا لم يدل عليه الدليل فليس محمودا وليس بحق وهو باطل ، والله أعلم .
هذه الآية تدل على أننا نعلم ما في القرآن من وجه دون وجه ، لكن بينت أن القرآن ينقسم إلى قسمين : محكم ومتشابه .
فالمحكم : ما علمنا معناه وحقيقته ، مثل : (( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ )) هذا محكم لأننا نعرف معنى إقامة الصلاة ونعرف الصلاة ونقيمها .
(( َآتُواْ الزَّكَاةَ )) محكم أو لا .؟ محكم .
لكن صفات الله سبحانه وتعالى هذا محكم أو متشابه ؟ من حيث المعنى محكم ، لأنه واضح ، ومن حيث الحقيقة متشابه . ولهذا يقول الله عز وجل : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ )) .
(( إِلاَّ اللّهُ )) قف ، وتعرب الله فاعل و (( تَأْوِيلَهُ )) مفعول ، وتعرب (( والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) الرَّاسِخُونَ : مبتدأ و (( يقولون )) الجملة خبر المبتدأ . (( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كل من عند ربنا )) .
الطالب : ... .
الشيخ : ... الواو للاستئناف ، والراسخون مبتدأ ، وجملة يقولون خبره .
وقوله تعالى : (( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ )) يعني ما يتعظ إلا أصحاب العقول .
" وجمهور وسلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ )) ". هذا الوقف لازم أو جائز ؟
لازم ، لأنه لو وصلت لاختلف المعنى المقصود ، فيجب الوقف لزوماً على قوله : (( إِلاَّ اللّهُ )) على رأي سلف الأمة وخلفها .
" وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم . وروي عن ابن عباس أنه قال : التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها . وتفسير لا يعذر أحد بجهالته . وتفسير تعلمه العلماء . وتفسير لا يعلمه إلا الله . من ادّعى علمه فهو كاذب " .
نعم قسمه على أربعة أوجه :
تفسير تعرفه العرب من كلامها ، مثل أي شيء .؟
الطالب : ... .
الشيخ : هذا معناه في اللغة ، تعرفه العرب من كلامها مثل معرفة الكأس والنمارق والسرر والأكواب وما أشبه ذلك ، كل هذا نرجع فيه إلى اللغة العربية .
وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، يعني ما يعرف لكن لابد أن يعلم ، وذلك مثل الأمور التي تلزم العبد مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وما أشبه ذلك ، هذا ما كل واحد يعرفه ولكن لا يعذر أحد بجهله ويجب أن يتعلمه الإنسان .
وتفسير تعلمه العلماء ، مثل الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والآيات التي ظاهرها التعارض تحتاج إلى جمع وما أشبه ذلك ، هذا ما كل واحد يعلمه ولكن يعلمه العلماء .
وتفسير لا يعلمه إلا الله ، مثل حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الأخر ، هذا ما يعلمه إلا الله ، ما أحد يقدر يقول أنا أعرف حقيقة يد الله وأعرف حقيقة الجنة أو أعرف حقيقة النار ما أحد يعرف ، ولو ادعى العلم فهو كاذب .
" وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَائِفَةٍ : أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ : عَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إلَى خَاتِمَتِهِ أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْ تَفْسِيرِهَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ " فيه رأي آخر :
يرون أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، وهؤلاء هم الأقل ، لأن ما دام يقول جمهور سلفها الأمة وخلفها على الوقف على : (( إلا الله )) وش يصير الراسخين في العلم يعلمون تأويله أو لا .؟ لا يعلمون ، إذا قلنا قف على : (( إلا الله )) فمعنى ذلك أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله .
لكن روي عن مجاهد وطائفة من أهل العلم حتى عن ابن عباس نفسه أنه قال : أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله . وما روي عن مجاهد بأنه عرض المصحف من فاتحته إلى خاتمته على ابن عباس يقفه عند كل آية ويسأله يدل على أن الراسخين في العلم أيضا يعلمون التأويل ، وعلى هذا يدل الرأي لا يلزم الوقف على : (( إِلاَّ اللّهُ )) بها تصل وتقول : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) ونعربها الآن على هذا الوجه فنقول :
الواو حرف عطف ، والراسخون معطوفة على الله فتكون فاعلاً فالراسخون إذا يعلمون تأويله (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )) ويكون جملة يقولون حالاً من الراسخين في العلم ، يعني أنهم يعلمون بقلوبهم هذا المعنى ، ويقولون بألسنتهم (( آمنا به كل من عند ربنا )) وبسبب إيمانهم أمكنهم الوصول إلى معرفة هذا المتشابه ، لأن الذي لا يؤمن إذا عرضت عليه الآيات المتشابهات يزداد نفوراً ، والمؤمن الذي يعرف أنه من عند الله وأنه لا يمكن أن يتناقض ، يتنعم فيتدبر فيزداد إيماناً ، ولهذا قال : (( آمنا به كل من عند ربنا )).
هل بين القولين خلاف وتعارض ؟ قول من يقول إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ، وقول من يقول إن المتشابه يعلم تأويله الله والراسخون في العلم ، هل بينهما تعارض ؟
يقول المؤلف لا تعارض بينهما : " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ " القولين : الذي يقول إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله ، وهو الذي عليه سلف الأمة ، جمهور سلف الأمة وخلفها ، والقول الثاني الذي يقول إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل أيضا ، يعني ليس الله فقط الذي يعلم ، الله والراسخون في العلم ، أو ما فهمتم الآن .؟
الآن المؤلف تكلم عن الآية : (( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) في قوله : (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) فيها رأيان :
الرأي الأول يقول : قف على قوله : (( إلا الله )) فلا يكون الراسخون في العلم عالمين بتأويله ، ما يعلم تأويله إلا الله فقط ، ووظيفة الراسخين في العلم أنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.
الرأي الثاني : يقول لا تقف على : (( إلا الله )) بل صل الكلام وقل : (( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم )) يعلمون كذلك تأويله . فهمت الفرق الآن أو لا .؟
رأي يقول المتشابه ما يعلم تأويله إلا الله ، ورأي يقول المتشابه ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، واضح الفرق بين القولين الآن .؟ المؤلف يقول لا منافاة بينهما عند التحقيق .
الطالب : ... .
الشيخ : يعني إذا وقفت : (( إلا الله )) صارت الراسخون مبتدأ والواو للاستئناف وجملة يقولون خبر ، وإذا وصلت صارت الواو حرف عطف والراسخون معطوفة على الله ، والمعطوف على المرفوع مرفوع فهي فاعل وجملة يقولون في محل نصب على الحال .
طيب أرجو الانتباه يا جماعة ، ما تقولوا ما فهمنا ، فصار عندنا في الآية رأيان . لا منافاة بينهما ، فإن وجه الجمع بين الرأيين :
" فَإِنَّ لَفْظَ ( التَّأْوِيلِ ) قَدْ صَارَ بِتَعَدُّدِ الِاصْطِلَاحَاتِ مُسْتَعْمَلًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ :
- أَحَدُهَا : وَهُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ أَنَّ ( التَّأْوِيلَ ) هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ، لِدَلِيلِ يَقْتَرِنُ بِهِ " صَرْفُ اللَّفْظِ من المعنى الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ ، لِدَلِيلِ يَقْتَرِنُ بِهِ . يعني معناه أنك تأوّل الكلام إلى كلام .
(( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ )) وش ظاهر اللفظ .؟ إذا قرأت أي فرغت مع أن المراد إذا ابتدأت ، صرف : (( فإذا قرأت )) إلى معنى : إذا ابتدأت ، يعتبر تأويلاً ، ليش .؟ لأننا صرفنا الكلام عن ظاهره عن الاحتمال الراجح للاحتمال المرجوح . بدليل يقترن به وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يستعذ إذا انتهى من القراءة ، ولكنه يستعذ إذا ابتدأ القراءة .
واش نسمي هذا التفسير على هذا الاصطلاح ، نسميه تأويلاً .
طيب : (( استوى على العرش )) استولى على العرش ، هذا تأويل لأنه صُرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، لكن هل هناك دليل .؟ كلمة بدليل ليست من تمام التعريف ، ولكنها من تمام صحة التأويل ، أي يكون التأويل صحيحاً إذ كان له دليل ، ولا يكون صحيحاً إذا لم يذكر له دليل .
فمثلا الذي يقول استوى بمعنى استولى هم يزعمون أن لهم دليلا على ذلك ، وهو أن العقل يحيل أن يكون الله تعالى مستوياً أي مرتفعاً وعالياً على العرش ، إذا هذا الدليل العقلي ، ونحن نرى أن هذا غير دليل ، ولهذا قلنا أن هذا التأويل فاسد ، المهم يا جماعة الآن المعنى الأول للتأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، وهل نحتاج إلى كلمة : بدليل يقترن به .؟ لا ، ما نحتاج ، إنما نحتاج إليها إذا كنا نريد التأويل الصحيح ، أما مجرد صرف اللفظ سواء دليل أو بغير دليل يسمى تأويلا ، لكن إن كان بدليل فهو تأويل صحيح إذا كان هذا الدليل صحيحا ، وإن لم يكن بدليل يصير ليس صحيحا و يصير تأويل غير مقبول .
المهم تعريف التأويل : صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ، هذا التعريف ، ثم إن كان بدليل فهو صحيح ، وإن لم يكن بدليل فهو فاسد .
" وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ وَتَرْكِ تَأْوِيلِهَا " يعني أنهم يريدون في تأويل آيات الصفات وصرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح " وَهَلْ ذَلِكَ مَحْمُودٌ أَوْ مَذْمُومٌ أَوْ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ ؟ "
نقول أما إذا دل عليه الدليل فهو محمود وهو حق ، وإذا لم يدل عليه الدليل فليس محمودا وليس بحق وهو باطل ، والله أعلم .