مناقشة الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال تعالى : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب )) وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم وروي عن ابن عباس أنه قال : التفسير على أربعة أوجه تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله من ادعى علمه فهو كاذب وقد روي عن مجاهد وطائفة : أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله وقد قال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها ولا منافاة بين القولين عند التحقيق . فإن لفظ التأويل قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملا في ثلاثة معان : - أحدها - وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله - أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ; لدليل يقترن به وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها ; وهل ذلك محمود أو مذموم أو حق أو باطل ؟ الثاني : أن التأويل بمعنى التفسير وهذا هو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله - من المصنفين في التفسير - واختلف علماء التأويل ومجاهد إمام المفسرين ; قال الثوري : " إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به " وعلى تفسيره يعتمد الشافعي وأحمد والبخاري وغيرهما فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره .الثالث من معاني التأويل : هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال الله تعالى : (( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق )). فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله به فيه مما يكون : من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار ونحو ذلك كما قال الله تعالى في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته قال : (( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل )) فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا الثاني : هو تفسير الكلام وهو الكلام الذي يفسر به اللفظ حتى يفهم معناه أو تعرف علته أو دليله وهذا التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج ومنه قول عائشة . { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي } يتأول القرآن يعني قوله : (( فسبح بحمد ربك واستغفره )) وقول سفيان بن عيينة : السنة هي تأويل الأمر والنهي فإن نفس الفعل المأمور به هو تأويل الأمر به ونفس الموجود المخبر عنه هو تأويل الخبر والكلام خبر وأمر . ". حفظ
الشيخ : علي يالله وش وجه أنه لا منافاة بين القولين .؟
الطالب : لا منافاة بين القولين لأنه إذا أريد بمعنى التأويل التفسير لا يكون الوقف واجبا ، وإذا أريد به حقيقة الشيء فهذا ... .
الشيخ : فهذا فيما أخبر الله به عن نفس عن اليوم الآخر ، لا يعلمه إلا الله، فيكون الوقف .؟
الطالب : ... .
الشيخ : طيب المؤلف يقول: لا منافاة بين القولين ، لماذا لم يكن بينهما منافاة .؟ لأن كل واحد محمول على جهة أخرى ، والتنافي إنما يكون فيما إذا اتفق المتنافيان في جهة واحدة ، أما إذا كان لكل واحد جهة فلا منافاة ولا تصادم بينهما ، وعلى هذا أرجو أن تكونوا فهمتم الآن ، أنه لا منافاة بين الوصل والوقف ، لماذا لا منافاة .؟
لأن للوصل معنى وللوقف معنى آخر ، ما هو معنى الوصل .؟
أن التأويل بمعنى التفسير ، فإننا إذا قلنا وما يعلم تفسيره إلا الله ، فإننا نعلم أن الراسخين في العلم يعلمون تفسيره ، ولهذا فسر القرآن من أوله إلى آخره مثل ما قال مجاهد : يسأل ابن عباس آية آية ، وإذا قلنا إن التأويل هو الحقيقة والعاقبة التي يؤول إليها الخبر أو الأمر فإن ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر لا يعلمه إلا الله.
طيب : استوى بمعنى استولى ، كيفية استواء الله على عرشه كذا وكذا ... استوى بمعنى علا واستقر ، استوى بمعنى على كيفية كذا وكذا ، أيهم الذي التأويل بمعنى التفسير ، وأيهم الذي التأويل بمعنى الحقيقة .؟ إذا قلت استوى بمعنى علا واستقر فهذا تفسير ، ويعلمه العلماء أو ما يعلمه .؟ يعلمونه .
إذا قلت استوى على كيفية كذا وكذا فهذا من التأويل بمعنى الحقيقة ، ولا يعلمه إلا الله . فتبين الآن أن للتأويل معنيين : إما التفسير وإما حقيقة المؤول ، فعلى الأول يكون الوصل .؟
الطالب : أولى .
الشيخ : لأن الراسخين في العلم يعلمون ، وعلى الثاني يكون القصر ، لأن ذلك لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى ، لا يكن لديكم إشكال يا جماعة ، لا تقولون ما عرفنا أو ما بين لنا ، لأني أنا أقول وأكرر ، أن مستواكم في التوحيد ضعيف إلى أبعد الحدود ، وأنه إن بقيتم على هذا فستحملون المادة أكثركم . فالحاصل أني أرجو أن تنتبهوا ، ليس المقصود حمل المادة أو عدم حملها ، المقصود الفهم ، إني ما أسمح لأي أحد يسكت وهو لم يفهم ، لازم تفهمون المعنى لأن المقصود التعليم ، وعدم النجاح يعني ثانوية ، ليس هاما لدينا ، المهم لدينا العلم .
فصار التأويل يطلق على ثلاثة اصطلاحات : الأول .؟
الطالب : ... .
الشيخ : عن المعنى الراجح إلى المعني المرجوح ، وهل يمكن أن تتنزل الآية : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) على هذا الاصطلاح .؟ لا، لأن هذا اصطلاح المتأخرين ، ما يعرف هذا في كلام الله ورسوله أبدا ، المعنى الثاني : التأويل بمعنى التفسير ، والمعنى الثالث : التأويل بمعنى الحقيقة التي عليها المؤول ، وهذان المعنيان هما اللذان يمكن أن تتنزل عليهم الآية ، أو لا فإن فسرت التأويل في الآية بمعنى التفسير ، فتقف أو تصل .؟
الطالب : تقف .
الشيخ : وإن فسرت التأويل بمعنى الحقيقة التي عليها الكلام فإن الوقف أولى ، ويكون هذا مما لا يعلمه إلا الله .
الطالب : ... .
الشيخ : نعم أولى أو يجب ، لكننا نقول الأولى لأنه قد يصل الإنسان قراءة ، وهو يريد المعنى التفسير .
الطالب : ... .
الشيخ : الأول المؤلف ما يريده ، ولهذا ما عرّج عليه ، قال : هذا اصطلاح كثير من المتأخرين ، ثم قال الثاني والثالث ، لأنه ما أراد التعويل على الأول .
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، الثاني يعني المعنى الثاني للتأويل ، والثالث يعني المعنى الثالث للتأويل ، وترك المعنى الأول لأنه لا يوافق الآية ، ترك المعنى الأول الذي هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح للمعنى المرجوح لأنه ما ينافي الآية .
الطالب : ... .
الشيخ : الثاني الذي سبق ، ليس الثاني في ضمن الثالث ، أفهمتم الآن أو لا .؟
الطالب : نعم .
الشيخ : زين ، أرجو إن شاء الله أن تكون أوراقكم جيدة .