تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله : (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) وهو الاختلاف المذكور في قوله : (( إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك )). فالتشابه هنا : هو تماثل الكلام وتناسبه : بحيث يصدق بعضه بعضا ; فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر ; بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته ; وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته إذا لم يكن هناك نسخ وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته بل ينفيه أو ينفي لوازمه بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضا فيثبت الشيء تارة وينفيه أخرى أو يأمر به وينهى عنه في وقت واحد ويفرق بين المتماثلين فيمدح أحدهما ويذم الآخر فالأقوال المختلفة هنا : هي المتضادة . والمتشابهة : هي المتوافقة وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ فإذا كانت المعاني يوافق بعضها بعضا ويعضد بعضها بعضا ويناسب بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض ويقتضي بعضها بعضا : كان الكلام متشابها ; بخلاف الكلام المتناقض الذي يضاد بعضه بعضا فهذا التشابه العام : لا ينافي الإحكام العام بل هو مصدق له فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضا لا يناقض بعضه بعضا بخلاف الإحكام الخاص ; فإنه ضد التشابه الخاص والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر بحيث يشتبه على بعض الناس إنه هو أو هو مثله وليس كذلك والإحكام هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما فيكون مشتبها عليه ومنهم من يهتدي إلى ذلك ; فالتشابه الذي لا يتميز معه قد يكون من الأمور النسبية الإضافية بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا فظن أنه مثله فعلم العلماء أنه ليس مثله وإن كان مشبها له من بعض الوجوه ومن هذا الباب الشبه التي يضل بها بعض الناس وهي ما يشتبه فيها الحق والباطل حتى تشتبه على بعض الناس ; ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبهه فيه فمن عرف الفصل بين الشيئين : اهتدى للفرق الذي يزول به الاشتباه والقياس الفاسد ; وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء ويفترقان في شيء فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه والقياس الفاسد لا ينضبط كما قال الإمام أحمد : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس ; فالتأويل : في الأدلة السمعية , والقياس : في الأدلة العقلية وهو كما قال والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة , والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة . ". حفظ
الشيخ : ثم قال : " وَأَمَّا التَّشَابُهُ الَّذِي يَعُمُّهُ فَهُوَ ضِدُّ الِاخْتِلَافِ الْمَنْفِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تعالى : (( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )) وَهُوَ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : (( إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ )) . فَالتَّشَابُهُ هُنَا " الإشارة إلى أي شيء هنا .؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، هنا التشابه العام الذي يعم القرآن .
" هُوَ تَمَاثُلُ الْكَلَامِ وَتَنَاسُبُهُ : بِحَيْثُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَإِذَا أَمَرَ بِأَمْرِ لَمْ يَأْمُرْ بِنَقِيضِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، بَلْ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ أَوْ بِمَلْزُومَاتِهِ ، وَإِذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَلْ يَنْهَى عَنْهُ أَوْ عَنْ نَظِيرِهِ أَوْ عَنْ مَلْزُومَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَسْخٌ " . فإذا كان هناك نسخ فقد يأمر بنقيضه لأن النسخ يرفع الحكم الأول ، لكن إذا لم يكن نسخ لا يمكن أن يتناقض .
" وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ بِثُبُوتِ شَيْءٍ لَمْ يُخْبِرْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ بَلْ يُخْبِرُ بِثُبُوتِهِ أَوْ بِثُبُوتِ مَلْزُومَاتِهِ ، وَإِذَا أَخْبَرَ بِنَفْيِ شَيْءٍ لَمْ يُثْبِتْهُ بَلْ يَنْفِيهِ أَوْ يَنْفِي لَوَازِمَهُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ الَّذِي يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَيُثْبِتُ الشَّيْءَ تَارَةً وَيَنْفِيهِ أُخْرَى أَوْ يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ، فَيَمْدَحُ أَحَدَهُمَا وَيَذُمُّ الْآخَرَ فَالْأَقْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ هُنَا : هِيَ الْمُتَضَادَّةُ . وَالْمُتَشَابِهَةُ : هِيَ الْمُتَوَافِقَةُ ، وَهَذَا التَّشَابُهُ " يعني الذي يعم القرآن كله " يَكُونُ فِي الْمَعَانِي وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ فَإِذَا كَانَتْ الْمَعَانِي يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضِ وَيَقْتَضِي بَعْضُهَا بَعْضًا كَانَ الْكَلَامُ مُتَشَابِهًا ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ الَّذِي يُضَادُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَهَذَا التَّشَابُهُ الْعَامُّ لَا يُنَافِي الْإِحْكَامَ الْعَامَّ بَلْ هُوَ مُصَدِّقٌ لَهُ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُحْكَمَ الْمُتْقَنَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا بِخِلَافِ الْإِحْكَامِ الْخَاصِّ ، فَإِنَّهُ ضِدُّ التَّشَابُهِ الْخَاصِّ ، وَالتَّشَابُهُ الْخَاصُّ هُوَ مُشَابَهَةُ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أنَّهُ هُوَ أَوْ هُوَ مِثْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْإِحْكَامُ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَهَذَا التَّشَابُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَدْرِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا " .
إذا التشابه الخاص واش معنى التشابه الخاص يعني الذي وصف به بعض القرآن ، لأن عندنا تشابها عاماً ، عاماً يعني أنه وصف به جميع القرآن ، وعندنا تشابه خاص وهو الذي وصف به بعض القرآن .
فالتشابه الخاص الذي وصف به بعض القرآن بعضهم يقول : هو ما أشكل معناه . وهذا التفسير بالتشابه الخاص واضح ولا يحتاج إلى تعب . أن نقول : إن الإحكام الخاص بمعنى وضوح المعنى ، والتشابه الخاص بمعنى اشتباه المعنى ، بحيث لا يعرفه إلا الراسخون في العلم . أرجوا الانتباه .
الإحكام العام هو بمعنى الإتقان في أخباره وأحكامه ، والتشابه العام بمعنى التماثل والتناسب بحيث لا يناقض بعضه بعض . هذا التشابه العام الذي يعم جميع القرآن ، والإحكام العام الذي يعم جميع القرآن.
الإحكام الخاص هو ما اتضح معناه ، يعني وضوح المعنى بحيث لا يشتبه ، والتشابه الخاص هو اشتباه المعنى بحيث يخفى على بعض الناس ، ويقول المؤلف إنه بأن يشابه الشيء لغيره من وجه ويخالفه من وجه آخر ، فإذا كان يشابهه ويخالفه من وجه صار يخفى على بعض الناس ويقول كيف يصير كذا وهو كذا ، يخالف ويشابه ، فيعجز بعض الناس عن معرفة معناه ، ومن الذي يعرف معنى التشابه الخاص .؟ هم الراسخون في العلم .
نأتي الآن ، التشابه الخاص ما هو دواءه .؟ دواءه أن نرده إلى الإحكام ، ولهذا قال : " والإحكام هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر ، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما ".
فصار التشابه الخاص على رأي المؤلف هو أن يشبه الشيء بعضه بعضا مع مخالفته في بعض الوجوه ، يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه آخر ، فيحتاج حينئذ إلى محكم يفصل بينهما ، والمحكم الذي يفصل بينهما هو الذي يرد إليه المتشابه لقوله تعالى : ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه )) (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) .
فبعد هذا الإيضاح من المؤلف يقول : " ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَهْتَدِي لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ ، فَالتَّشَابُهُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ مَعَهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ ، وَمِثْلُ هَذَا يَعْرِفُ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مَا يُزِيلُ عَنْهُمْ هَذَا الِاشْتِبَاهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الْآخِرَةِ بِمَا يَشْهَدُونَهُ فِي الدُّنْيَا فَظَنَّ أَنَّهُ مِثْلُهُ ، فَعَلِمَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ مُشْبِهًا لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ".
إذاً على رأي المؤلف يمكن أن نمثل التشابه الخاص بما وعدنا به في الآخرة من الثواب . هل الرمان الذي في الآخرة مثل الذي في الدنيا.؟ الجواب لا ، لكن بعض الناس قد يظن أنه مثله ، فيشبه عليه هذا بهذا .
وكذلك أيضا : " وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الشُّبَهُ الَّتِي يَضِلُّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ وَهِيَ مَا يَشْتَبِهُ فِيهَا الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ حَتَّى تَشْتَبِهَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ ، وَمَنْ أُوتِيَ الْعِلْمَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الشُّبُهَاتِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِلشَّيْءِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ بِمَا لَا يُشْبِهُهُ فِيهِ ، فَمَنْ عَرَفَ الْفَصْلَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ اهْتَدَى لِلْفَرْقِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الِاشْتِبَاهُ وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ ، وَمَا مِنْ شَيْئَيْنِ إلَّا وَيَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ ، فَبَيْنَهُمَا اشْتِبَاهٌ مِنْ وَجْهٍ وَافْتِرَاقٌ مِنْ وَجْهٍ ، فَلِهَذَا كَانَ ضَلَالُ بَنِي آدَمَ مِنْ قِبَلِ التَّشَابُهِ، وَالْقِيَاسِ الْفَاسِدِ لَا يَنْضَبِطُ " يعني أنه ضلال كثير ما يمكن ضبطه .
" كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ مَا يُخْطِئُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ ، فَالتَّأْوِيلُ : فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ ، وَالْقِيَاسُ : فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَالتَّأْوِيلُ الْخَطَأُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ ، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة " .
في الحقيقة هذا الكلام جيد ومتين ، وفصل المؤلف فيه رحمه الله تعالى ، أن هذا الاشتباه الذي يقع في مثل هذا الأمور من الذي يعرفه من الناس يعرفه أهل العلم ، الراسخون في العلم بحيث لا يكون عندهم اشتباه في اللفظ فيؤولون تأويلاً فاسداً ، ولا في المعنى فيثبون قياساً فاسداً ، لأن القياس هو إلحاق غير المنصوص عليه بالمنصوص عليه لعلة ، هذا الإلحاق قد يكون بعض الناس يشبه عليه المعنى فيظنه أن المعنى الذي في المقيس عليه موجود في المقيس ، فيلحقه به وليس كذلك ، كذلك أيضاً في الألفاظ ، الاشتباه في اللفظ قد يظن بعض الناس أن معنى اللفظ كذا وكذا وهو ليس كذلك فيظل .
فصار كما قال الإمام أحمد : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل، وهذا باعتبار الألفاظ الأدلة السمعية ، والقياس وهذا باعتبار المعاني وهي الأدلة العقلية .
الطالب : ... .
الشيخ : هو المؤلف يتكلم على الإحكام الخاص والتشابه الخاص ، ويقول إن التشابه الخاص كون الشيء مشتبها ، بحيث إنه يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه آخر ، فيظن بعض الناس أنه مثله من أجل موافقته له في الوجه ، أو أنه غيره من حيث المفارقة له في الوجه ، فيأتي أهل العلم ويبينون أن هذا ليس هو هذا ، باعتبار الوجه المفارق ، وأنه مثله باعتبار الوجه الموافق ، فهمت .؟
ثم إن الناس يظنون في هذا الباب في باب التشابه الخاص ، هو الذي يقع فيه الضلال ، لأن من الناس من يشتبه عليه اللفظ فيؤوله بتأويل ليس مقصودا ، ومنهم من يشتبه عليه المعنى فيلحق به ما ليس مثله، وهذا القياس الفاسد .