تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك مدلول أسمائه وصفاته الذي يختص بها التي هي حقيقة لا يعلمها إلا هو ; ولهذا كان الأئمة كالإمام أحمد وغيره ينكرون على الجهمية وأمثالهم - من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه - تأويل ما تشابه عليهم من القرآن على غير تأويله كما قال أحمد : في كتابه الذي صنفه في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله وإنما ذمهم لكونهم تأولوه على غير تأويله وذكر في ذلك ما يشتبه عليهم معناه وإن كان لا يشتبه على غيرهم وذمهم على أنهم تأولوه على غير تأويله ولم ينف مطلق لفظ التأويل كما تقدم : من أن لفظ التأويل يراد به التفسير المبين لمراد الله به فذلك لا يعاب بل يحمد ويراد بالتأويل الحقيقة التي استأثر الله بعلمها فذاك لا يعلمه إلا هو وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع . ومن لم يعرف هذا : اضطربت أقواله مثل طائفة يقولون إن التأويل باطل وإنه يجب إجراء اللفظ على ظاهره ويحتجون بقوله تعالى : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) ويحتجون بهذه الآية على إبطال التأويل وهذا تناقض منهم ; لأن هذه الآية تقتضي أن هناك تأويلا لا يعلمه إلا الله وهم ينفون التأويل مطلقا وجهة الغلط أن التأويل الذي استأثر الله بعلمه هو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو . وأما التأويل المذموم والباطل : فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون أن في ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما أثبتوه بالعقل ويصرفونه إلى معان هي نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وإن كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله وهؤلاء الذين ينفون التأويل مطلقا ويحتجون بقوله تعالى : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) قد يظنون أنا خوطبنا في القرآن بما لا يفهمه أحد ; أو بما لا معنى له أو بما لا يفهم منه شيء . ". حفظ
الشيخ : طيب يقول المؤلف : " وَكَذَلِكَ مَدْلُولُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي " أو التي .؟
الطالب : الذي .
الشيخ : " الذي يَخْتَصُّ بِهَا الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُنْكِرُونَ عَلَى الجهمية وَأَمْثَالِهِمْ - مِنْ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ـ " ينكرون عليهم " تَأْوِيلَ مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " تَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، المراد تأويله الأول صرف لفظه عن ظاهره ، عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، وعلى غير تأويله تفسيره .
" كَمَا قَالَ أَحْمَدُ : فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ والجهمية فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَإِنَّمَا ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ مَعْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَذَمَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَلَمْ يَنْفِ مُطْلَقَ لَفْظِ التَّأْوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ التَّأْوِيلِ يُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ الْمُبَيِّنُ لِمُرَادِ اللَّهِ بِهِ ، فَذَلِكَ لَا يُعَابُ بَلْ يُحْمَدُ وَيُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ الْحَقِيقَةُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا فَذَاكَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " وهذا معروف لنا ، التأويل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، والتأويل بمعنى التفسير ، والتأويل بمعنى الحقيقة .
وذكرنا أن تأويل الأمر فعله ، وتأويل الخبر وقوع المخبر به .
" وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا : اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُ مِثْلُ طَائِفَةٍ يَقُولُونَ إنَّ التَّأْوِيلَ بَاطِلٌ وَإِنَّهُ يَجِبُ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) وَيَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إبْطَالِ التَّأْوِيلِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ تَأْوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَهُمْ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا ".
في الحقيقة إذا قال لك قائل : هل التأويل مذموم أو لا .؟
نقول : فيه تفصيل :
التأويل بمعنى التفسير لا يذم بل يحمد صاحبه .
التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره أو عن المعنى الراجح هذا هو المذموم إلا إذا قام عليه دليل .
والتأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها هذا لا أحد يتكلم فيه ، ومن حاول أن يتكلم فيه فهو مخطأ ، لأنه لا يمكن الوصول إلى ذلك.
قال : " وَجِهَةُ الْغَلَطِ " يعني في نفي التأويل مطلقا ، فالتأويل لا ينفى مطلقا ، جهة الغلط " أَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ ، وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمَذْمُومُ وَالْبَاطِلُ فَهُوَ تَأْوِيلُ أَهْل التَّحْرِيفِ وَالْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَيَدَّعُونَ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ " ترى هذا تكرار لما سبق في قوله : إن القول في بعض الصفات كالقول في بعض ، وأن الذي ينفي المحبة ويثبت الإرادة يلزمه فيما أثبت نظير ما يلزمه فيما نفى .
قال : " وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ ، وَيَصْرِفُونَهُ إلَى مَعَانٍ هِيَ نَظِيرُ الْمَعَانِي الَّتِي نَفَوْهَا عَنْهُ ، فَيَكُونُ مَا نَفَوْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَثْبَتُوهُ ، فَإِنْ كَانَ الثَّابِتُ حَقًّا مُمْكِنًا كَانَ الْمَنْفِيُّ مِثْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ بَاطِلًا مُمْتَنِعًا كَانَ الثَّابِتُ مِثْلَهُ " واضح هذا يا جماعة .؟ طيب : " وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّا خُوطِبْنَا فِي الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ ، أَوْ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ أَوْ بِمَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ " .
وصحيح هذا الكلام أو لا .؟ هؤلاء الذين يقولون أنه لا يمكننا أن نعلم التأويل أبدا ، على رأيهم نقول خوطبنا إذا بشيء لا يفهمه أحد ، إذا قلتم : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) فإذا في القرآن أشياء لا يعلمها أحد ، أو أننا خوطبنا بما لا معنى له ، وهذا أيضا خطأ لا يمكن ، القرآن كل ما فيه فله معنى ، اللهم إلا الحروف الهجائية في أول بعض السور ، والصحيح أنه ليس لها معنى ، لأنها حروف هجائية ، ما ركبت ما هي كلمة ، وليست كلاماً أيضاً ، فهي ليست رموزا كما قيل ، وليست لها معاني الله أعلم بمراده بها ، بل إننا حسب ما فهمنا من اللغة العربية والقرآن باللغة العربية أنه ليس لها معنى، ولهذا ذهب بعض السلف منهم مجاهد إلى أنها حرف هجاء ما لها معنى ، مثل : ( ألم ) و ( ألر ) لكن لها مغزى ، أن هذا القرآن الذي نزل وأعجزكم هو من هذه الحروف التي هي مادة لغتكم ، ومع ذلك أعجزكم .
كذلك قد يظن الإنسان الذي ينفي التأويل مطلقاً أننا خوطبنا بما لا يفهم منه شيء ، وهذا لا شك أنه نقص في القرآن ، ولهذا قال شيخ الإسلام في كلامه له : إن أهل التفويض إن قولهم من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ، الذين يقولون : نقرأ آيات الصفات ونفوض . (( الرحمن على العرش استوى )) ما نقول شيء ، نفوض علمه إلى الله وهذا خطأ ، بل نقول الاستواء معلوم كما قال أئمة السلف .
الطالب : ... .
الشيخ : مثلا الإرادة ، هذا سبق ، قلنا إنه تكرار لما سبق ، الإرادة أثبتوها ، أليس الأشاعرة يثبتون سبع صفات ، أثبتوا الإرادة ونفوا المحبة ، نقول لهم إن كانت الإرادة التي أثبتموها حقا فالمحبة التي نفيتموها حق ، لأنه لا فرق بينهما ، وإن كان المنفي الذي نفيتموه باطلا وهو المحبة كانت الإرادة باطلة ، لأنهم يقولون : ما نثبت لله محبة إذ المحبة ميل الإنسان إلى ما يحب ، ولا يمكن أن الله يميل ، الرحمة هي ضعف وانكسار يكون في قلب الراحم ، والله تعالى منزه عن ذلك ، نقول والإرادة أيضا هي ميل المريد إلى ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة ، فإن كان ما أثبتموه من الإرادة حقا فما نفيتموه من الرحمة والمحبة ونحوها حق ، وإن كان ما نفيتموه باطلا فما أثبتموه فهو باطل . إذ لا فرق بينهما ... .
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، هو للمعظم نفسه ، معروف عند النحويين وفي اللغة العربية ، يكون للمعظم نفسه وللجماعة .
الطالب : الذي .
الشيخ : " الذي يَخْتَصُّ بِهَا الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُنْكِرُونَ عَلَى الجهمية وَأَمْثَالِهِمْ - مِنْ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ـ " ينكرون عليهم " تَأْوِيلَ مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " تَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، المراد تأويله الأول صرف لفظه عن ظاهره ، عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، وعلى غير تأويله تفسيره .
" كَمَا قَالَ أَحْمَدُ : فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ والجهمية فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَإِنَّمَا ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ مَعْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَذَمَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَلَمْ يَنْفِ مُطْلَقَ لَفْظِ التَّأْوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ التَّأْوِيلِ يُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ الْمُبَيِّنُ لِمُرَادِ اللَّهِ بِهِ ، فَذَلِكَ لَا يُعَابُ بَلْ يُحْمَدُ وَيُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ الْحَقِيقَةُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا فَذَاكَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ " وهذا معروف لنا ، التأويل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ، والتأويل بمعنى التفسير ، والتأويل بمعنى الحقيقة .
وذكرنا أن تأويل الأمر فعله ، وتأويل الخبر وقوع المخبر به .
" وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا : اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُ مِثْلُ طَائِفَةٍ يَقُولُونَ إنَّ التَّأْوِيلَ بَاطِلٌ وَإِنَّهُ يَجِبُ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) وَيَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إبْطَالِ التَّأْوِيلِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ تَأْوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَهُمْ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا ".
في الحقيقة إذا قال لك قائل : هل التأويل مذموم أو لا .؟
نقول : فيه تفصيل :
التأويل بمعنى التفسير لا يذم بل يحمد صاحبه .
التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره أو عن المعنى الراجح هذا هو المذموم إلا إذا قام عليه دليل .
والتأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها هذا لا أحد يتكلم فيه ، ومن حاول أن يتكلم فيه فهو مخطأ ، لأنه لا يمكن الوصول إلى ذلك.
قال : " وَجِهَةُ الْغَلَطِ " يعني في نفي التأويل مطلقا ، فالتأويل لا ينفى مطلقا ، جهة الغلط " أَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ ، وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمَذْمُومُ وَالْبَاطِلُ فَهُوَ تَأْوِيلُ أَهْل التَّحْرِيفِ وَالْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ ، وَيَدَّعُونَ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ " ترى هذا تكرار لما سبق في قوله : إن القول في بعض الصفات كالقول في بعض ، وأن الذي ينفي المحبة ويثبت الإرادة يلزمه فيما أثبت نظير ما يلزمه فيما نفى .
قال : " وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ ، وَيَصْرِفُونَهُ إلَى مَعَانٍ هِيَ نَظِيرُ الْمَعَانِي الَّتِي نَفَوْهَا عَنْهُ ، فَيَكُونُ مَا نَفَوْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَثْبَتُوهُ ، فَإِنْ كَانَ الثَّابِتُ حَقًّا مُمْكِنًا كَانَ الْمَنْفِيُّ مِثْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ بَاطِلًا مُمْتَنِعًا كَانَ الثَّابِتُ مِثْلَهُ " واضح هذا يا جماعة .؟ طيب : " وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّا خُوطِبْنَا فِي الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ ، أَوْ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ أَوْ بِمَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ " .
وصحيح هذا الكلام أو لا .؟ هؤلاء الذين يقولون أنه لا يمكننا أن نعلم التأويل أبدا ، على رأيهم نقول خوطبنا إذا بشيء لا يفهمه أحد ، إذا قلتم : (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ )) فإذا في القرآن أشياء لا يعلمها أحد ، أو أننا خوطبنا بما لا معنى له ، وهذا أيضا خطأ لا يمكن ، القرآن كل ما فيه فله معنى ، اللهم إلا الحروف الهجائية في أول بعض السور ، والصحيح أنه ليس لها معنى ، لأنها حروف هجائية ، ما ركبت ما هي كلمة ، وليست كلاماً أيضاً ، فهي ليست رموزا كما قيل ، وليست لها معاني الله أعلم بمراده بها ، بل إننا حسب ما فهمنا من اللغة العربية والقرآن باللغة العربية أنه ليس لها معنى، ولهذا ذهب بعض السلف منهم مجاهد إلى أنها حرف هجاء ما لها معنى ، مثل : ( ألم ) و ( ألر ) لكن لها مغزى ، أن هذا القرآن الذي نزل وأعجزكم هو من هذه الحروف التي هي مادة لغتكم ، ومع ذلك أعجزكم .
كذلك قد يظن الإنسان الذي ينفي التأويل مطلقاً أننا خوطبنا بما لا يفهم منه شيء ، وهذا لا شك أنه نقص في القرآن ، ولهذا قال شيخ الإسلام في كلامه له : إن أهل التفويض إن قولهم من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ، الذين يقولون : نقرأ آيات الصفات ونفوض . (( الرحمن على العرش استوى )) ما نقول شيء ، نفوض علمه إلى الله وهذا خطأ ، بل نقول الاستواء معلوم كما قال أئمة السلف .
الطالب : ... .
الشيخ : مثلا الإرادة ، هذا سبق ، قلنا إنه تكرار لما سبق ، الإرادة أثبتوها ، أليس الأشاعرة يثبتون سبع صفات ، أثبتوا الإرادة ونفوا المحبة ، نقول لهم إن كانت الإرادة التي أثبتموها حقا فالمحبة التي نفيتموها حق ، لأنه لا فرق بينهما ، وإن كان المنفي الذي نفيتموه باطلا وهو المحبة كانت الإرادة باطلة ، لأنهم يقولون : ما نثبت لله محبة إذ المحبة ميل الإنسان إلى ما يحب ، ولا يمكن أن الله يميل ، الرحمة هي ضعف وانكسار يكون في قلب الراحم ، والله تعالى منزه عن ذلك ، نقول والإرادة أيضا هي ميل المريد إلى ما يجلب له منفعة أو يدفع عنه مضرة ، فإن كان ما أثبتموه من الإرادة حقا فما نفيتموه من الرحمة والمحبة ونحوها حق ، وإن كان ما نفيتموه باطلا فما أثبتموه فهو باطل . إذ لا فرق بينهما ... .
الطالب : ... .
الشيخ : لا ، هو للمعظم نفسه ، معروف عند النحويين وفي اللغة العربية ، يكون للمعظم نفسه وللجماعة .