تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك أيضا يقولون : إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز والأجسام متماثلة فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلا لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه وكذلك يقول : هذا كثير من الصفاتية الذين يثبتون الصفات وينفون علوه على العرش وقيام الأفعال الاختيارية به ونحو ذلك . ويقولون : الصفات قد تقوم بما ليس بجسم وأما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسما فلو أثبتنا علوه للزم أن يكون جسما وحينئذ فالأجسام متماثلة فيلزم التشبيه . فلهذا تجد هؤلاء يسمون من أثبت العلو ونحوه مشبها ولا يسمون من أثبت السمع والبصر والكلام ونحوه مشبها كما يقول صاحب الإرشاد وأمثاله .". حفظ
الشيخ : " وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَقُولُونَ : إنَّ الصِّفَاتِ لَا تَقُومُ إلَّا بِجِسْمِ مُتَحَيِّزٍ وَالْأَجْسَامُ مُتَمَاثِلَةٌ فَلَوْ قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِسَائِرِ الْأَجْسَامِ وَهَذَا هُوَ التَّشْبِيهُ " يعني تقرير المعتزلة بأن إثبات الصفات تشبيه ، يقول : الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز ، هذه مقدمة ، المقدمة الثانية : والأجسام متماثلة ، وش النتيجة .؟ فلو قامت به الصفات ، يعني بالله ، للزم أن يكون مماثلاً لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه ، حطوا بالكم لهذا القياس ، هل هذا القياس صحيح .؟ الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز، والأجسام متماثلة ، اضبطوا المقدمات حتى نشوف النتيجة ، وش النتيجة .؟ فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلاً لسائر الأجسام وهذا هو التشبيه ...
يقول المعتزلة إن الصفات لا تقوم إلا بجسم ، ما يمكن أن يكون سميعا إلا وهو جسم يسمع ، بصير إلا وهو جسم يبصر ، وهكذا . والأجسام متماثلة ، كل جسم فإنه يماثل الجسم الآخر ، وش النتيجة.؟ واحد زائد اثنين وش النتيجة .؟ ثلاثة . طيب الصفات لا تقوم إلا بجسم ، والأجسام متماثلة ، إذا إثبات الصفات يستلزم التشبيه ، هذه النتيجة ، هذه النتيجة مثل لو قلت واحد زائد اثنان يكون ثلاثة ، مثل نتيجة الجمع بالضبط .
وهنا نقول " فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلاً لسائر الأجسام " : هذه حجة المعطلة الذين منهم المعتزلة ، على أهل الإثبات الذين نسميهم هنا الصفاتية ، سواء أثبتوا الجميع أو البعض.
" وَكَذَلِكَ يَقُولُ هَذَا " ترى هذا مقول لقول " كَثِيرٌ مِنْ الصفاتية الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ وَيَنْفُونَ عُلُوَّهُ عَلَى الْعَرْشِ وَقِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ : الصِّفَاتُ قَدْ تَقُومُ بِمَا لَيْسَ بِجِسْمِ ، وَأَمَّا الْعُلُوُّ عَلَى الْعَالَمِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ جِسْمًا ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا عُلُوَّهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا وَحِينَئِذٍ فَالْأَجْسَامُ مُتَمَاثِلَةٌ فَيَلْزَمُ التَّشْبِيهُ ".
فيه أناس يثبتون الصفات ليس كلها أيضا ، وينفون علوه على العرش وقيام الأفعال الاختيارية به ، مثل الأشاعرة الآن يثبتون بعض الصفات وينكرون علوه على العرش ، يقولون : الله ما علا على العرش ، يعني ما استوى عليه ، ينكرون قيام الأفعال الاختيارية به ، كنزوله إلى السماء الدنيا مثلا ، نزوله إلى السماء الدنيا هذه فعل اختياري ، مجيئه للفصل بين العباد هذا فعل اختياري، هم يقولون : ما يمكن أن ينزل إلى السماء الدنيا ، ولا يمك ان تقوم به الأفعال الاختيارية ، لماذا .؟
قالوا : لأن هذه الصفات ما تقوم إلا بجسم والأجسام متماثلة .
أما السمع والبصر فإنه قد يقوم بما ليس بجسم ، وفي الحقيقة أن قولهم : إن الصفات لا تقوم إلا بجسم وتقوم بغير جسم ، هذا صحيح، ولهذا الآن أنا أريد أن أرد عليهم وعلى الأولين .
فنقول : قول الأولين إن الصفات لا تقوم إلا بجسم مردود بقول الآخرين إن الصفات قد تقوم بما ليس بجسم صح أو لا ، كيف تقوم بما ليس بجسم .؟
أنت الآن تقول : اليوم طويل ، بدأ يطول الليل ، بدأ يطول النهار ، وتقول ليل طويل ونهار قصير ، فتصف النهار بالقصر وتصف الليل بالطول ، الطول والقصر صفة ، والنهار والليل جسم أو غير جسم.؟ الطالب : غير جسم .
الشيخ : الليل والنهار جسم .؟ أجل معناه إذا جاء النهار نشوف شيء يمشي ، الليل والنهار ليس بجسم ، ومع ذلك نقول طويل ونقول قصير ، فنصفه بالطول والقصر مع أنه ليس بجسم ، فصار قولهم قول الأولين : إن الصفات لا تقوم إلا بجسم متحيز صحيح أو لا .؟ غير صحيح لأنه يرده الواقع .
ويصير قول الآخرين الذين بعدهم : إن الصفات قد تقوم بما ليس بجسم صحيحا أو لا .؟ نعم هذا صحيح ، أما قولهم الأجسام متماثلة، كلهم يقول الأجسام متماثلة ، الأولين قالوا الأجسام متماثلة وهؤلاء أيضا يقولون : " وأما العلو على العالم فلا يصح إلا إذا كان جسما فلو أثبتنا علوه للزم أن يكون جسما وحينئذ فالأجسام متماثلة " صحيح هذه المقدمة أو غير صحيحة .؟ صحيح أن الأجسام متماثلة .؟ الأجسام غير متماثلة ، كيف .؟ أي الأجسام غير متماثلة بلا شك . لا في الكبر ولا الصغر ، ولا في الحجم ولا في الوزن ، بعضها خفيف وبعضها ثقيل ، ولا في اللمس ولا في اللون ولا في الشكل .
المهم ليست متماثلة في أي شيء من الأشياء ، عندك حجر صلب غليظ وعندك زبدة ، متماثلات .؟ لا ، عندك مثلا شوك وعندك بساط لين ، واحد .؟ لا ، إذا القول بأن الأجسام متماثلة هذا من أبطل الأقوال ، ولا يمكن أن تتماثل الأجسام ، والذي يقول الأجسام متماثلة في الحقيقة يحسن أننا نعطيه أردافا على الرأس ، لأنه حقيقة الأمر أنها غير متماثلة ، وأنا أتعجب من هؤلاء الذين يدعون أنهم عقلاء ، كيف يقولون إن الأجسام متماثلة . إذا قالوا الأجسام متماثلة ، نقول بأي شيء تتماثل .؟ في الوجود صحيح ، ولابد لكل موجود أن يشارك غير في أصل الوجود ، إن أرادوا بالتسمية كل واحد منها جسم صحيح ، لكن إن أرادوا بالحقيقة ، هل يمكن أن تتماثل .؟ لا يمكن . طيب إذاً نمنع أي المقدمتين .؟
الطالب : كلاهما .
الشيخ : نعم نمنع المقدمة الأولى والثانية ، وإذا منعنا المقدمتين انتفت النتيجة ، لأن النتيجة مبنية على ثبوت المقدمتين . فإذا انتفت المقدمتان انتفت النتيجة .
إذا قلنا لهم : قولكم إن الصفات لا تقوم إلا بجسم هذا ممنوع ، عندنا برهان على منعه .؟
الطالب : نعم .
الشيخ : مثل .؟ الليل والنهار يوصفان بالطول والقصر ، ويوصفان بالشدة والرخاء (( وقال هذا يوم عسر )) طيب و (( على الكافرين غير يسير )) فعلى هذا الصفات تقوم بما ليس بجسم .
إذا قالوا الأجسام متماثلة صحيح المقدمة أو غير صحيح .؟
الطالب : غير صحيح .
الشيخ : وعندنا برهان .؟ عندنا برهان ، نقول لأي واحد منهم رح المس الجدار والمس الزر ، المس القطن والمس الحجر ، بينهما فرق .؟ بينهما فرق ، انظر مثلا إلى الشيء الأحمر والشيء الأصفر ، انظر إلى الطويل والقصير ، هل هي متماثلة .؟ لا ، غير متماثلة ، إذا امتنعت المقدمتان المبني عليهما التشبيه ، وش ينتفي .؟ تنتفي النتيجة وهي التشبيه ، تمام .
يقول المؤلف : " فَلِهَذَا تَجِدُ هَؤُلَاءِ يُسَمُّونَ مَنْ أَثْبَتَ الْعُلُوَّ وَنَحْوَهُ مُشَبِّهًا وَلَا يُسَمُّونَ مَنْ أَثْبَتَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلَامَ وَنَحْوَهُ مُشَبِّهًا كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَأَمْثَالُهُ "
يعني أن عندهم أن هذا يقتضي التشبيه وهذا ما يقتضي التشبيه ، الذي يثبت العلو يثبت أن له جسم ، والذي يثبت السمع والبصر لم يثبت أنه جسم ، هذا تحكم بالحقيقة وليس هناك فرق .