تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وإنما المقصود هنا : أن مجرد الاعتماد في نفي ما ينفى على مجرد نفي التشبيه لا يفيد إذ ما من شيئين إلا يشتبهان من وجه ويفترقان من وجه بخلاف الاعتماد على نفي النقص والعيب ونحو ذلك مما هو سبحانه مقدس عنه فإن هذه طريقة صحيحة وكذلك إذا أثبت له صفات الكمال ونفى مماثلة غيره له فيها فإن هذا نفي المماثلة فيما هو مستحق له وهذا حقيقة التوحيد : وهو أن لا يشركه شيء من الأشياء فيما هو من خصائصه وكل صفة من صفات الكمال فهو متصف بها على وجه لا يماثله فيه أحد ; ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إثبات ما وصف به نفسه من الصفات ونفي مماثلته بشيء من المخلوقات . فإن قيل إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه ما يجوز عليه من ذلك الوجه ووجب له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع عليه . قيل : هب أن الأمر كذلك ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا قيل : إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمي بعض المخلوقات حيا سمعيا عليما بصيرا فإذا قيل : يلزم أنه يجوز عليه ما يجوز على ذلك من جهة كونه موجودا حيا عليما سميعا بصيرا قيل : لازم هذا القدر المشترك ليس ممتنعا على الرب تعالى فإن ذلك لا يقتضي حدوثا ولا إمكانا ولا نقصا ولا شيئا مما ينافي صفات الربوبية . ". حفظ
الشيخ : " وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِمَادِ فِي نَفْيِ مَا يُنْفَى عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ لَا يُفِيدُ ، إذْ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إلَّا يَشْتَبِهَانِ مِنْ وَجْهٍ وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ الِاعْتِمَادِ عَلَى نَفْيِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سُبْحَانَهُ مُقَدَّسٌ عَنْهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ طَرِيقَةٌ صَحِيحَةٌ " . واضح يا جماعة الآن .
يقول : " مُجَرَّدَ الِاعْتِمَادِ فِي نَفْيِ مَا يُنْفَى عَلَى مُجَرَّدِ نَفْيِ التَّشْبِيهِ لَا يُفِيدُ " معناه لو قلت : أنا أنفي عن الله كل ما يقتضي التشبيه ، فإن هذا الاعتماد لا يكفي ، لأنه يقول المؤلف : " ما من شيئين إلا ويشتبهان من وجه ويفترقان من وجه " مثل ما سبق ، أننا مثلا نجد أن الخالق سميع وبصير والإنسان سميع وبصير ، ونجد أن الله حي والإنسان حي ، وهل يلزم الاشتباه في الاسم الاشتباه في المسمى .؟
الطالب : لا يلزم .
الشيخ : لا يلزم وهذه أيضا سبقت لنا في أول الكتاب و لكن على أي شيء نعتمد .؟
نعتمد على المشابهة التي تقتضي النقص والعيب . أما المشابهة التي لا تقتضيه مثل أن يقال : إن الله حي لكن حياة لا تشبه حياة المخلوقين ، سميع لكن لا تشبه سمع المخلوقين ، وهكذا فلا بأس بذلك .
" وَكَذَلِكَ إذَا أَثْبَتَ لَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنَفَى مُمَاثَلَةَ غَيْرِهِ لَهُ فِيهَا فَإِنَّ هَذَا نَفْيُ الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ : وَهُوَ أَنْ لَا يَشْرَكُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ " .
الطالب : عندنا : يشاركه .
الشيخ : عندنا : يشركه ، والمعنى واحد ، طيب إذا أثبت له صفات الكمال ونفى مماثلة غيره له فيها ، يصح أو ما يصح .؟ يصح ، بل هذا حقيقة التوحيد " فَإِنَّ هَذَا نَفى الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ : وَهُوَ أَنْ لَا يَشْرَكُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَكُلُّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمَاثِلُهُ فِيهِ أَحَدٌ ، وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إثْبَاتُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَنَفْيُ مُمَاثَلَتِهِ بِشَيْءِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ "
بل سبق لنا أن من الصفات ما يكون كمالا في حق المخلوق ونقصاً في حق الخالق ، وما يكون نقصاً في حق المخلوق وكمالاً في حق الخالق ، وذلك لأن الخالق لا يشبه المخلوق ، فالنوم والأكل والشرب والنكاح بالنسبة للمخلوق كمال ، لأن الذي لا ينام مريض فيه عيب ، وكذلك الذي لا يأكل ولا يشرب ولا يتزوج كذلك فيه عيب ، وبالنسبة للخالق نقص كذا .
و التكبر والعظمة بالنسبة للخالق صفة الكمال ، وبالنسبة للمخلوق صفة نقص أي نعم .
ومنه ما يكون كمالا في المخلوق والخالق ، لكن للخالق ما هو أكمل، مثل السمع والبصر والقدرة والقوة ، وما أشبه ذلك .
ونقصا في الخالق والمخلوق ، ولكن الخالق أشد تنزهاً عنه مثل العجز والصمم والبكم والمرض ، وما أشبه ذلك ، هذا عيب في الخالق والمخلوق ، لكن تنزه الخالق عنه أعظم ، لأنه واجب أن يتنزه عنه بخلاف المخلوق .
قال : " فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الشَّيْءَ إذَا شَابَهَ غَيْرَهُ مِنْ وَجْهٍ جَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَوَجَبَ لَهُ مَا وَجَبَ لَهُ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ مَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ " .
الطالب : عندي " فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الشَّيْءَ إذَا شَابَهَ غَيْرَهُ مِنْ وَجْهٍ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَا جاز عَلَيْهِ ".
الشيخ : يعني تقديم وتأخير عندك ، الذي عندك أحسن والذي عندنا لا بأس به ... الآن الشيء هذا شابه غيره من كل وجه ، فإنه يجوز على هذا المشابه ما يجوز على المشابه ، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ، ويجب له ما يجب له .
هذا إذا شابهه من كل وجه ، وهذا بالنسبة للخالق والمخلوق ممتنع ، طيب إذا شابه غيره من وجه دون وجه ، وهذا بالنسبة للخالق والمخلوق ممكن يشابهه في أصل وجود الحياة ، ولكن لا يشابهه في حقيقتها .
يشابهه في أصل وجود القدرة ولكن لا يشابهه في حقيقتها ، وهكذا ، أفلا يجوز أن نقول : إذا كان يشبهه من هذا الوجه أفلا نقول إنه يجوز عليه من هذا الوجه ما يجوز على الخالق ويمتنع عليه ما يمتنع على الخالق ويجب له ما يجب للخالق ، هذا السؤال الذي أورده المؤلف وسيجيب عنه . أنت فاهمين يا جماعة الآن فاهمين السؤال .؟
يقول المؤلف : " قِيلَ هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَلَا نَفْيُ مَا يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا ". قوله : " قِيلَ هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ " يعني قدر أن الأمر كذلك ، وكيف الأمر كذلك .؟
يعني أنه إذا شابهه من وجه وجب له في ذلك الوجه ما يجب للآخر، وامتنع عليه ما يمتنع على الآخر ، وجاز له ما يجوز على الآخر ، يقول : قدّر إذا شابه المخلوق الخالق من هذا الوجه جاز للخالق ما يجوز للمخلوق ، وامتنع عليه ما يمتنع على المخلوق ، ووجب له ما يجب للمخلوق .
" هب أن الأمر كذلك " كلمة " هب أن الأمر كذلك " ، واش يدل عليه على أنه مسلم أو غير مسلم على أنه غير مسلم ، لكن على سبيل التقدير ، ولكنه في الواقع غير مسلم ، اشترك الخالق والمخلوق في أصل السمع والبصر ، واختلف في حقيقتهما ، هل نقول إن هذا الأصل لما تشاركا فيه يجب للمخلوق ما يجب للخالق.؟ لا ، لأن المخلوق يجوز أن يعدم هذا الأصل ، يجوز أن يكون غير بصير وغير سميع ، والخالق يمتنع عليه ذلك ، أليس هكذا ، الخالق يجب أن يكون سميعاً بصيراً ، والمخلوق لا يجب أن يكون سميعاً بصيراً . إنما سمعه وبصره من باب الجواز الذي يمكن وجوده ويمكن عدمه.
فتبين الآن أننا إذا قلنا أنه يشبه هذا من وجه لا يلزم أن يتفقا في هذا الوجه في الوجوب والجواز والامتناع ، لا يلزم ، وبينا لكم الآن وجه عدم اللزوم ، لكن إذا قدّرنا هب أنه يلزم .؟ فما هو الجواب .؟
يقول : " وَلَكِنْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَلَا نَفْيُ مَا يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا ". يقول هب أنه يجب ويجوز ويمتنع ، لكن إذا كان هذا القدر المشترك لا يستلزم إثبات ما يمتنع على الرب ، سمع لله سمع للإنسان اشتركا في أصل السمع ، إذا قلت إن هذا الاشتراك يلزم منه إثبات ما يمتنع على الرب ، وهو إمكان عدم السّمع مثلا ، هل هو ممكن بالنسبة للخالق.؟ لا ، فإذا قلت إنهما اشتركا في أصل السمع لكن لا يجوز في حق الله أن يفقد هذا السمع و قلنا ما المضرة .؟ هل في هذا مضرة إذا اشتركا في هذا القدر .؟ لا .
" كَمَا إذَا قِيلَ : إنَّهُ مَوْجُودٌ حَيٌّ عَلِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَقَدْ سمي بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ حَيًّا سَمْعِيًّا عَلِيمًا بَصِيرًا ، فَإِذَا قِيلَ : يَلْزَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا حَيًّا عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا ، قِيلَ : لَازِمُ هَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَلَى الرَّبِّ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُدُوثًا وَلَا إمْكَانًا وَلَا نَقْصًا وَلَا شَيْئًا مِمَّا يُنَافِي صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ " .
الطالب : عندنا " وَقَدْ سمي بَعْضُ الْمَخْلُوقَاتِ حَيًّا سَمْعِيًّا عَلِيمًا بَصِيرًا ، قِيلَ : لَازِمُ هَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَلَى الرَّبِّ تَعَالَى ".
الشيخ : الظاهر أن الذي عندك أحسن من الذي عندنا : قيل يلزم منه، ليست واضحة ، ولهذا حطوا عليها قوسين " وَقَدْ سمى بَعْض الْمَخْلُوقَاتِ حَيًّا سَمْعِيًّا عَلِيمًا بَصِيرًا " حط قوس مفتوح " فَإِذَا قِيلَ: يَلْزَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا حَيًّا عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا " اقفل القول " قِيلَ : لَازِمُ هَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَلَى الرَّبِّ تبارك وتعالى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُدُوثًا وَلَا إمْكَانًا وَلَا نَقْصًا وَلَا شَيْئًا مِمَّا يُنَافِي صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ " صح .
الله يعيننا وإيكم ، الآن أنا أظن أن التوحيد لازم تعطونه ثلاثة أرباع طاقتكم .