تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولكثرة الاشتباه في هذا المقام وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته أو زائد على ماهيته ؟ وهل لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك ؟ كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا ؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا ؟ .". حفظ
الشيخ : يقول : " وَلِكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِي أَنَّ وُجُودَ الرَّبِّ هَلْ هُوَ عَيْنُ مَاهِيَّتِهِ أَوْ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهِ ؟ "
الله سبحانه ذات مقدسة قائم بنفسه ، إذا قلت وجود الله هل وجوده هو نفسه أو هل هو أمر زائد على نفسه ؟!
هذا هو الذي اختلف فيه الناس ، وفي الحقيقة أن هذا الاختلاف أشبه أن يكون أمراً جدلياً فقط ، لأنه ما دمنا أثبتنا أنه إله فلابد أن نثبت أنه موجود ، وإذا أثبتنا أنه موجود فلابد فيه من الوجود ، إذ لا يوصف الشيء بأنه موجود إلا حيث تحقق الوجود . إذا لم يتحقق وجوده كيف يكون موجوداً ، ولكن مع ذلك نقول إن الوجود صفة زائدة على الذات لكنها لازمة للذات الموجودة .
دعنا نضرب بنا المثل نحن لأجل أن نتكلم على ما نشاء ، عندما أقول : وجودي أنا ، هل وجودي هو نفس ذاتي أو شيء زائد عليها.؟! شيء زائد عليها لأنه صفة . لكنه في الحقيقة صفة لازمة . إذا مجرد كوني إنساناً وأوجدت في هذا الوجود ، فماذا يلزم منه ؟ !
الطالب : الحياة .
الشيخ : لسنا نتكلم عن الحياة ، يلزم منه الوجود . مجرد خروجي لهذا الكون معناه أنني وجدت ، فوجودي إذاً لازم ، الوجود إذا لازم. كوننا نبحث هل هو عين ماهيته أو هو أمر زائد على ماهيته ، هذا في الحقيقة جدل محض .
الآن وجودي صحيح ليس هو هذا الجسم المكون من لحم ودم وعظم وعصب ، لا ، ليس فيه شك أنه ليس هو أو ليس إياه على الأصح، لكنه لازم لهذا ، ما دام أمامكم الآن شخص قائم فلا بدأن يكون موجوداً . ولابد أن يكون صفته الوجود . فالبحث في هذه الأمور هو من الأمور الجدلية المحضة ، ما الذي ينفعنا إذا أذهبنا أعمارنا وأفكارنا في مثل هذا البحث .؟
شيء موجود ، من ضرورة الوجود أن يكون له وجود ، وانتهينا ، نحن بدل ما نكتب ثلاث صفحات أربع صفحات على هذه الكلمة، نقول : كل موجود فلا بد أن يكون الوجود صفته .
طيب كذلك أيضا : " وَهَلْ لَفْظُ الْوُجُودِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ التَّوَاطُؤِ أَوْ التَّشْكِيكِ ؟ ". هذه مرت علينا أيضا :
المشترك اللفظي : ما اتفق لفظه واختلف معناه . مثل : العين بالنسبة للعين الباصرة بالنسبة للماء النابع .
المتواطئ : ما اتفق لفظه ومعناه .
المشكك : ما اتفق في أصله واختلف في وصفه ، يعني فيه اشتراك وفيه تواطئ ، ولهذا يسميه بعض الناس مشكك .
وقد تقدم أن المؤلف ، نقلنا لكم وإلا هو ما ذكره في هذا الكتاب ذكره في الحموية ، أن المؤلف يرى أنه من المتواطئ ، ولكنه نوع خاص منه ، نظراً إلى أن العبرة بالأصل لا بالوصف ، فمثلاً المعية تقال لله وتقال لغيره . يقال إن الله معنا . ويقال فلان معي . هل المعية هنا من باب المشرك . يعني أن كلمة ( مع ) أطلقت على معية لله وهي مستقلة . ومعية للمخلوق مستقلة . أو هي من المتواطئ لأنها كلها بمعنى المصاحبة ؟ ! أومن باب المشكك لأنها اتفقت في أصل المعنى وهو المصاحبة ، لكن تختلف في الإضافة ، فمعية الخالق ليس كمعية المخلوق .
فعلى هذا نقول مشككة معناها أنها تشكك الإنسان هل هي من المتواطئ أو من المشترك ، فلذلك نقول أن الصحيح أنها من المتواطئ .
كلمة الوجود الآن . الله له وجود . والإنسان له وجود . فكلمة الوجود مقولة للخالق والمخلوق . يوصف بها الخالق والمخلوق ، هل إن هذا اللفظ وجود مشترك بحيث نجعل وجود الخالق معناً مستقلاً لا يشاركه المخلوق في شيء .؟
أو من المتواطئ بحيث نجعل حقيقة الوجود في الله وفي الإنسان شيء واحد ؟! أو من المشكك لأنها اشتركت في أصل المعنى وهو الوجود واختلفت في وصفه ، لأن وجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن أو جائز .؟
طيب أما القول بأنه من المتواطئ نظراً إلى أصل المعنى ، والوجود مشترك كلي ، يرونه أنه من المتواطئ ويقولون أن الاختلاف في الوصف لا يخرج عن كونه متواطئاً .
والذين يقولون إنه مشترك لفظي يعتبرونه وصفاً ، ويقولون ما دام أن الخالق نقول وجوده واجب والمخلوق وجوده ممكن فقد اختلف الوجودان اختلافا متبايناً ، فهو كما لو قلت ( عين ) للعين الباصرة وللعين النابعة فهذان متباينان ، كذلك وجود الخالق مباين لوجود المخلوق فهما من المشترك .
طيب الآن صار من نظر إلى أصل معنى الوجود يرونه من متواطئ ، ومن نظر إلى اختلاف معنى الوجود . يعني وصف الوجود بالنسبة للخالق والمخلوق جعله من المشترك ، لهذا قال بعض العلماء أنا أتوسط أقول مثل هذه الأشياء اسميها مشككة ، ونحن قدمنا فيما سبق الكلمات إلى أربع أقسام :
متباينة ومتواطئة ومترادفة ومشتركة . هذا متفق عليه عند العلماء ، لكن يبقى القسم الخامس المشكك الذي اتفق في أصل المعنى واختلف في وصفه . فمنهم من يراه مشتركا . ومنهم من يراه . ومنهم من يراه قسم مستقلاً ويسميه مشككا .
" كَمَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي إثْبَاتِ الْأَحْوَالِ وَنَفْيِهَا وَفِي أَنَّ الْمَعْدُومَ هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَمْ لَا .؟ " الأحوال : يقولون مثلا القدرة صفة والقادر موصوف .
فالذين ينكرون الصفات يثبتون الأحوال ، بعضهم يثبت الأحوال . يقول : ما أقول إن الله قادر بمعنى أنه له قدرة فأثبت الصفة . ولكني أقول قادر حاله القدرة . ولا أقول صفته القدرة . يعنى معنى قادر ذو قدرة ، ولكن ليس له قدرة .
طبعا هذا الكلام غير صحيح . لأنك إذا قلت ذو قدرة أو حاله القدرة، وش معنى هذا .؟ أنه قدر أو لا .؟ نعم له قدرة .
ولهذا يقولون : " إن الأحوال من الأمور التي لا حقيقة لها . مما يقال ولا حقيقة تحته تبدو إلى الأذهان الأفهام ، الكسب عند الأشعري والحال عند الهاشمي وطفرة النظام " .
هذه ثلاثة أشياء كل واحد عليهما طائفة . وما هي حقيقة ، الكسب عند الأشعري . والحال عند الهاشمي ، هذه الأحوال التي قال المؤلف ، وطفرة النظام ، النظام معروف من المعتزلة ، يقول : إن الخلق لا نقول أنه وجد من العدم ولكن وجد طفرة ...
يقول : كذلك المعدوم هل هو شيء أو ليس شيئا .؟
الطالب : ليس بشيء .
الشيخ : أي نعم ، ما دام معدوما فليس بشيء .
اختلفوا أيضا : " وَفِي وُجُودِ الْمَوْجُودَاتِ هَلْ هُوَ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهَا أَمْ لَا ؟ " والصحيح أن وجود الموجودات وصف . ولكن لا بد لكل موجود من الاتصاف به ، وإلا لما صح أن نقول أنه موجود .
الطالب : ... .
الشيخ : الماهية هي حقيقة الشيء ، لأن الماهية هي التي يعبر عنها بما هو .؟
الطالب : ... .
الشيخ : ... ومن نظر إلى أصل المعنى ... مشكك معناه يشكك الناظر فيه ... .