تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " الرابع : أن سالكي هذه الطريقة متناقضون فكل من أثبت شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات كما أن كل من نفى شيئا منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي . فمثبتة الصفات - كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر - إذا قالت لهم النفاة كالمعتزلة : هذا تجسيم ; لأن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بالجسم أو لأنا لا نعرف موصوفا بالصفات إلا جسما . قالت لهم المثبتة : وأنتم قد قلتم : إنه حي عليم قدير . وقلتم : ليس بجسم ; وأنتم لا تعلمون موجودا حيا عالما قادرا إلا جسما فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم فكذلك نحن وقالوا لهم : أنتم أثبتم حيا عالما قادرا ; بلا حياة ولا علم ولا قدرة وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل ثم هؤلاء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى ويغضب ويحب ويبغض أو من وصفه بالاستواء والنزول والإتيان والمجيء أو بالوجه واليد ونحو ذلك إذا قالوا : هذا يقتضي التجسيم لأنا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم قالت لهم المثبتة : فأنتم قد وصفتموه بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وهذا هكذا ; فإذا كان هذا لا يوصف به إلا الجسم فالآخر كذلك , وإن أمكن أن يوصف بأحدهما ما ليس بجسم فالآخر كذلك ; فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين ولهذا لما كان الرد على من وصف الله تعالى بالنقائص بهذه الطريق طريقا فاسدا : لم يسلكه أحد من السلف والأئمة فلم ينطق أحد منهم في حق الله بالجسم لا نفيا ولا إثباتا ولا بالجوهر والتحيز ونحو ذلك لأنها عبارات مجملة لا تحق حقا ولا تبطل باطلا ولهذا لم يذكر الله في كتابه فيما أنكره على اليهود وغيرهم من الكفار ما هو من هذا النوع ; بل هذا هو من الكلام المبتدع الذي أنكره السلف والأئمة .". حفظ
الشيخ : نقرأ الآن : " الرَّابِعُ : أَنَّ سَالِكِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مُتَنَاقِضُونَ فَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا مِنْهُمْ أَلْزَمَهُ الْآخَرُ بِمَا يُوَافِقُهُ فِيهِ مِنْ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِنْهُمْ أَلْزَمَهُ الْآخَرُ بِمَا يُوَافِقُهُ فِيهِ مِنْ النَّفْيِ " مثال ذلك : " فَمُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ - كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ - إذَا قَالَتْ لَهُمْ النفاة كَالْمُعْتَزِلَةِ : هَذَا تَجْسِيمٌ ، لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ ، وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ إلَّا بِالْجِسْمِ أَوْ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ إلَّا جِسْمًا . قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ : وَأَنْتُمْ قَدْ قُلْتُمْ: إنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ . وَقُلْتُمْ : لَيْسَ بِجِسْمِ ، وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَوْجُودًا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إلَّا جِسْمًا فَقَدْ أَثْبَتُّمُوهُ عَلَى خِلَافِ مَا عَلِمْتُمْ فَكَذَلِكَ نَحْنُ ". واضح أظن ، طيب يقول الوجه الرابع : أن سالكي هذه الطريقة ، وهي الاعتماد فيما يوصف الله به أو ينفي عنه على التجسيم ، الاعتماد عليها نقول أن هؤلاء الذين اعتمدوا عليها متناقضون . وجه التناقض كما قال المؤلف : " كل من أثبت شيئاً منهم ألزمه الآخر بما يوفقه فيه من الإثبات . وكل من نفى شيئاً منهم ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي ".
المثال .؟ عندنا مثلا : " مثبتة الصفات كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر" هؤلاء ست صفات ، يعني وغيرها من الصفات .
" إذا قالت لهم النفاة كالمعتزلة هذا تجسيم " هذا : أي إثبات هذه الصفات تجسيم " لأن هذه الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بجسم" يعنى يقولون مثلاً : العلم والقدرة والكلام ... إلى آخره هذه أعراض يعنى معاني لا تقوم إلا بجسم . إذ لا حياة إلا بحي . ولا قدرة إلا بقادر وهكذا . أو يقولون أيضاً : لأنا لا نعرف موصوفاً بالصفات إلا بجسم . يعنى لهم في استلزام هذا الإثبات للتجسيم لهم طريقان :
تارة يقولون : هذه أعراض والأعراض لا يقوم إلا بجسم .
وتارة يقولون : لا نعرف موصوفا بالصفات إلا جسما . وقد مر علينا قبل كم من درس بيان أن هذا القول ليس بصحيح ، إذ أننا نرى ما يوصف بالصفات وليس بجسم . لكن نحن نتنزل معهم لنخاصمهم
" قالت لهم المثبتة " المثبتة هم مثبتة هذه الصفات : أنتم قد قلتم إنه حي عليم قدير وقلتم ليس بجسم . وأنتم لا تعلمون موجوداً حيا عالماً قادراً إلا جسما كذا أو لا ، وأيضا الحياة والعلم والقدرة أعراض والأعراض لا تكون إلا بجسم . فقد تناقضتم . أليس كذلك هذا تناقض .
فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم . ماذا أثبتموه ؟! يعنى أثبتم هذه الصفات وأنتم تعلمون أنه لا يتصف بها إلا ما هو جسم . فأثبتموها وقلتم ليس بجسم . أثبتم الأمر على خلاف ما علمتم .
طيب جواب آخر : " وَقَالُوا لَهُمْ : أَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا ، بِلَا حَيَاةٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا قُدْرَةٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ " صحيح .
أيضا قالوا لهم المثبتة لهؤلاء المعتزلة أنتم تقولون إن الله حي بلا حياة وعليم بلا علم ، وقدير بلا قدرة ، وهل هذا يمكن ؟!
المؤلف يقول هذا تناقض يعلم بضرورة العقل ، إذ كيف تقولون أن هذا حي وليس به حياة ، أو هذا قدير وليس به قدرة أو هذا عليم وليس فيه علم ، لو أنك قلت للصبى الذي خرج من بطن أمه لآن : هذا عليم يعرف الفقه ويعرف التدمرية ويعرف شرح الطحاوية ويعرف ... يصلح أو لا ؟! ما يصلح .
كذلك أيضا لو تقول لإنسان ميت هذا حي وهو ما فيه حياة ما صح . فكيف تقولون إن الله حي لكن بلا حياة . عليم لكن بلا علم . قدير لكن بلا قدرة ؟! هذا غير معقول . لأن كلمة قدير اسم مشتق من القدرة وعليم اسم مشتق من العلم . وكذلك الحي اسم من الحياة . فعلى هذا نقول هذا أيضا تناقض .
طيب هذه أربعة وجوه ، صارت الوجوه التي تدل على بطلان هذا الاعتماد أربعة .
" ثُمَّ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتُونَ إذَا قَالُوا لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ بِالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ أَوْ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا قَالُوا : هَذَا يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ : ... " إلى آخره .
الآن أنظر كلام المؤلف رحمه الله ، في الأول النزاع بين المعتزلة والأشاعرة . لأنه قال المثبتة كالحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر ما بقي إلا واحدة ، لعل المؤلف إما أنه سهى عنها أو سقطت من النساخ وهي الإرادة .
نأتي إلى النازع الآن بين أهل السنة والجماعة المثبتة إثباتا كاملاً وبين الأشعرية هؤلاء المثبتون للصفات السبع .
" إذَا قَالُوا لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ بِالِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ أَوْ بِالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا قَالُوا : هَذَا يَقْتَضِي التَّجْسِيمَ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ مَا يُوصَفُ بِذَلِكَ إلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ قَالَتْ لَهُمْ الْمُثْبِتَةُ " لأي شيء .؟ لجميع الصفات ، وهم أهل السنة " فَأَنْتُمْ قَدْ وَصَفْتُمُوهُ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَهَذَا هَكَذَا ، فَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ إلَّا الْجِسْمُ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوصَفَ بِأَحَدِهِمَا مَا لَيْسَ بِجِسْمِ فَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ " .
واضح أظن يا جماعة ، مع أن هذا قد تقدم لنا ، تقدم في أول الكتاب ، والكتاب كما قلنا سابقا فيه تكرار ، هو في الحقيقة يحتاج إلى أحد ينقحه ويحذف الشيء المكرر فيه لأجل يتضح ، لأنه قد يظن الطالب لاسيما إذا كان الطالب ما فهم الكتاب حق الفهم ، يظن أن هذا الكلام غير الكلام الأول ، إذا صار الواحد ما حذق هذا العلم حذقا كاملا يظن أن هذا غير الأول ، والحقيقة أنه هو الأول ، سوى تفضيل على أوجه متعددة فقط ، وإلا المعنى واحد .
الحاصل أننا نقول لهؤلاء المثبتة الذين يثبتون بعض الصفات وينكرون البعض نقول لهم أنتم متناقضون ، لأنه يلزمكم فيما نفيتموه نظير فيما يلزمكم فيما أثبتموه . نعم .
" وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ طَرِيقًا فَاسِدًا لَمْ يَسْلُكْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ ، فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَقِّ اللَّهِ بِالْجِسْمِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَا بِالْجَوْهَرِ وَالتَّحَيُّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَارَاتٌ مُجْمَلَةٌ لَا تُحِقُّ حَقًّا وَلَا تُبْطِلُ بَاطِلًا " .
وإنما إذا أرادوا نفي هذه النقائص عن الله ـ السلف ـ لا يقولون لأن هذا يقتضي التجسيم أو يقتضي التحيز ، يقولون لأن هذا نقص مثلا، عندما يقول اليهود إن الله رمد وبكى وما أشبه ذلك ، يقولون إن الله منزه عن ذلك لأنه يقتضي التجسيم .؟ لا ، ولكن لأنه نقص والله تعالى منزه عن النقص أليس هكذا الموضوع .
يقول إن السلف ما نطقوا بالجسم ، ولهذا الصحيح في مسألة الجسم أنه لا يجوز بالنسبة للفظه لا يجوز إثباته أو نفيه ، لا نقول إن الله جسم أو ليس بجسم ، لكن في معناه يجب أن تستفصل ، فإذا أردت بالجسم أنه سبحانه ذات قائم بنفسه متصف بما يجب له فهذا حق .
وإن أردت بذلك أنه جسم مركب من أعضاء وعظام وأعصاب فهذا ليس بجائز نعم .
" وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِيمَا أَنْكَرَهُ عَلَى الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ مَا هُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ ، بَلْ هَذَا هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ ."
الطالب : ... .
الشيخ : لأن أصل معتزلة يردون على اليهود ، في قولهم أن الله تعالى رمد يقولون لو قلتم بهذا لزم أن يكون جسما والجسم ممتنع .
الطالب : ... .
الشيخ :أي نعم في الأول بين المعتزلة واليهود ، ثم بين المعتزلة والأشاعرة ، ثم بين الأشاعرة وأهل السنة .