تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما في طرق الإثبات : فمعلوم أيضا أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه - مع نفي التشبيه وأن يوصف بالنقائص التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه كما لو وصفه مفتر عليه بالبكاء والحزن والجوع والعطش مع نفي التشبيه . وكما لو قال المفتري : يأكل لا كأكل العباد ويشرب لا كشربهم ويبكي ويحزن لا كبكائهم ولا حزنهم ; كما يقال يضحك لا كضحكهم ويفرح لا كفرحهم ويتكلم لا ككلامهم . ولجاز أن يقال : له أعضاء كثيرة لا كأعضائهم كما قيل : له وجه لا كوجوههم ويدان لا كأيديهم . حتى يذكر المعدة والأمعاء والذكر وغير ذلك مما يتعالى الله عز وجل عنه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . فإنه يقال لمن نفى ذلك مع إثبات الصفات الخبرية وغيرها من الصفات : ما الفرق بين هذا وما أثبته إذا نفيت التشبيه وجعلت مجرد نفي التشبيه كافيا في الإثبات فلا بد من إثبات فرق في نفس الأمر .". حفظ
الشيخ : " وَأَمَّا فِي طُرُقِ الْإِثْبَاتِ فَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ الْمُثْبَتَ لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ إذْ لَوْ كَفَى فِي إثْبَاتِهِ مُجَرَّدُ نَفْيِ التَّشْبِيهِ لَجَازَ أَنْ يُوصَفَ سُبْحَانَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَالْأَفْعَالِ بِمَا لَا يَكَادُ يُحْصَى مِمَّا هُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَأَنْ يُوصَفَ بِالنَّقَائِصِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ "
هذا أيضا واضح وقررناه من قبل ، لو قلنا إنه يكفي أن تعتمد في الإثبات على نفي التشبيه ، لو قلنا هكذا هل يصح هذا أم لا يصلح ؟
لا يصلح أن تقول : أنا أثبت لله الصفات بدون تشبيه ، ما يمكن هذا .
أولاً : لأنه سبق لنا ذكر القاعدة : أن صفات الله توقيفية ما يمكن أن نثبتها من عند أنفسنا .
والثاني : ثبت أن الله تعالى لا يمكن أن يوصف بالنقص لا على وجه التشبيه أو على غير وجه تشبيه .
لو قلت مثلاً ــ ولله المثل الأعلى وحاشاه أن يكون ـ لو قلت أن الله أعرج لكن ليس كعرج الإنسان ، يجوز أو ما يجوز .؟ ما يجوز . لو قلت : يأكل ولكن ليس كأكل الإنسان .؟ لا يجوز .
إذا فالاعتماد في الإثبات على نفي الشبيه غير جائز . ولهذا المؤلف أنظر ماذا يقول : " إذ لو كفي في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه مع نفي التشبيه ". صح أو لا .؟
أي نعم ، إنسان نقول مثلا .اليد اليد ثابثة كأن يقول له رأس وله أذن وله سرة وله كذا وله كذا ولكن بدون تشبيه . هذا لا يجوز ولا يصح .
وكأن نقول بالنسبة للأفعال أنه يفعل كذا ويفعل كذا مما يمتنع عليه ولكن بدون تشبيه ، هذا أيضا لا يجوز .
يقول كذلك أيضا : " وأن يوصف بالنقائض التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه " كأن يقال مثلا إنه أعور ولكن ليس كعور الناس أو أنه أصم ولكن ليس كصمم الإنسان مثلاً .
إذن لا يجوز أن نثبت له أن نعتمد في الإثبات على نفي التشبيه .
" كَمَا لَوْ وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ " يجوز هذا أو ما يجوز .؟ ما يجوز " وَكَمَا لَوْ قَالَ الْمُفْتَرِي: يَأْكُلُ لَا كَأَكْلِ الْعِبَادِ وَيَشْرَبُ لَا كَشُرْبِهِمْ وَيَبْكِي وَيَحْزَنُ لَا كَبُكَائِهِمْ وَلَا حُزْنِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ : يَضْحَكُ لَا كَضَحِكِهِمْ وَيَفْرَحُ لَا كَفَرَحِهِمْ وَيَتَكَلَّمُ لَا كَكَلَامِهِمْ . "
يضحك ويفرح ويتكلم يقال هكذا أو ما يقال ؟! يقال ، لأن الفرج والضحك والكلام صفات كمال ، ولهذا يقول الرسول عليه السلام : ( لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم براحلته ... ) إلى آخر الحديث ويقول : ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الأخر كلاهما يدخل الجنة ) ويقول : ( لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ) .
الحاصل أننا نقول هذه الأمثلة يجوز لأن الله أثبتها لنفسه ، لكن الأكل والنوم والشرب وما أشبه لا يجوز لأن الله نفاها عن نفسه .
" وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ : لَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ لَا كَأَعْضَائِهِمْ كَمَا قِيلَ : لَهُ وَجْهٌ لَا كَوُجُوهِهِمْ " يجوز أن نقول له وجه لا كوجوههم .؟ نعم يجوز .
" وَيَدَانِ لَا كَأَيْدِيهِمْ . حَتَّى يَذْكُرَ الْمَعِدَةَ وَالْأَمْعَاءَ وَالذَّكَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ".
ولهذا قال بعض المشبهة : سلوني عما شئتم وأعفوني من ذكر اللحية والفرج ـ أعوذ بالله ـ يعني كل شيء تريدون أن أعلمكم عن الله أنا أعلمكم ، إلا مسألتين اللحية والفرج ، أنا ما أقدر أن أقول أن الله له لحية ولا أقدر أن قول أن الله له فرج . والباقي كل الذي تريدون أعلمكم به ـ والعياذ بالله ـ وهذا من الافتراء على الله والجرأة على الله سبحانه وتعالى .
والحاصل أننا نقول الاعتماد في الإثبات على نفي التشبيه لا يجوز وهذا الذي ذكره المؤلف أمثلة فقط .
الطالب : ... ما حدد .
الشيخ : لا حدد ، كيف ما حدد .؟!
الطالب : فواصل .
الشيخ : لا ليس بفواصل : " كَمَا لَوْ وَصَفَهُ مُفْتَرٍ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ الْمُفْتَرِي: يَأْكُلُ لَا كَأَكْلِ الْعِبَادِ وَيَشْرَبُ لَا كَشُرْبِهِمْ وَيَبْكِي وَيَحْزَنُ لَا كَبُكَائِهِمْ وَلَا حُزْنِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ " يعني كما أنه يقال حقا " يَضْحَكُ لَا كَضَحِكِهِمْ وَيَفْرَحُ لَا كَفَرَحِهِمْ . " وكذلك في الأخير : " وَلَجَازَ أَنْ يُقَالَ : لَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ لَا كَأَعْضَائِهِمْ كَمَا قِيلَ : لَهُ وَجْهٌ " وهذا القول الأخير حق ، يعني أنه يقيس هذا على هذا ، يريد أن يقول له أعضاء كالوجه ، وأنه يحزن كما يفرح ، مفهوم .؟ طيب .
" فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ مَعَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا أَثْبَتَّهُ إذَا نَفَيْت التَّشْبِيهَ وَجَعَلْت مُجَرَّدَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ كَافِيًا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا بُدُّ مِنْ إثْبَاتِ فَرْقٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ " . المهم أن المؤلف أصّل هذه القاعدة المهمة العظمية .
وهي أنه لا يكفى في صفات الله الاعتماد على إثبات بدون تشبيه ، ولا على مجرد نفي التشبيه .
أما الأول : الاعتماد على مجرد نفي التشبيه فقد سبق بيان بطلانه . لأنه ما من أحد ينفي شيئا إلا ويدعي أنه تشبيه . فلا يمكن الاعتماد عليه .
كذلك الإثبات بدون تشبيه لو اعتمدنا عليه لقلنا إن كل إنسان يجوز أن يصف الله بكل وصف ويقول بلا تشبيه وهذا ممتنع .