تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وهو سبحانه منزه عن الصاحبة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه وكذلك البكاء والحزن : هو مستلزم الضعف والعجز الذي ينزه عنه سبحانه ; بخلاف الفرح والغضب : فإنه من صفات الكمال فكما يوصف بالقدرة دون العجز وبالعلم دون الجهل وبالحياة دون الموت وبالسمع دون الصمم وبالبصر دون العمى وبالكلام دون البكم : فكذلك يوصف بالفرح دون الحزن وبالضحك دون البكاء ونحو ذلك . وأيضا فقد ثبت بالعقل ما أثبته السمع من أنه سبحانه لا كفؤ له ولا سمي له وليس كمثله شيء فلا يجوز أن تكون حقيقته كحقيقة شيء من المخلوقات ولا حقيقة شيء من صفاته كحقيقة شيء من صفات المخلوقات فيعلم قطعا أنه ليس من جنس المخلوقات لا الملائكة ولا السموات ولا الكواكب ولا الهواء ولا الماء ولا الأرض ولا الآدميين ولا أبدانهم ولا أنفسهم ولا غير ذلك بل يعلم أن حقيقته عن مماثلات شيء من الموجودات أبعد من سائر الحقائق وأن مماثلته لشيء منها أبعد من مماثلة حقيقة شيء من المخلوقات لحقيقة مخلوق آخر فإن الحقيقتين إذا تماثلتا : جاز على كل واحدة ما يجوز على الأخرى ووجب لها ما وجب لها . فيلزم أن يجوز على الخالق القديم الواجب بنفسه ما يجوز على المحدث المخلوق من العدم والحاجة وأن يثبت لهذا ما يثبت لذلك من الوجوب والفناء فيكون الشيء الواحد واجبا بنفسه غير واجب بنفسه موجودا معدوما وذلك جمع بين النقيضين وهذا مما يعلم به بطلان قول المشبهة الذين يقولون : بصر كبصري أو يد كيدي ونحو ذلك تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وليس المقصود هنا استيفاء ما يثبت له ولا ما ينزه عنه واستيفاء طرق ذلك ; لأن هذا مبسوط في غير هذا الموضع . وإنما المقصود هنا التنبيه على جوامع ذلك وطرقه وما سكت عنه السمع نفيا وإثباتا ولم يكن في العقل ما يثبته ولا ينفيه سكتنا عنه فلا نثبته ولا ننفيه . فنثبت ما علمنا ثبوته وننفي ما علمنا نفيه ونسكت عما لا نعلم نفيه ولا إثباته والله أعلم .". حفظ
الشيخ : يقول : " وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَعَنْ آلَاتِ ذَلِكَ وَأَسْبَابِهِ وَكَذَلِكَ الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ : هُوَ مُسْتَلْزِمٌ الضَّعْفَ وَالْعَجْزَ الَّذِي يُنَزَّهُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ، بِخِلَافِ الْفَرَحِ وَالْغَضَبِ : فَإِنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَكَمَا يُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ دُونَ الْعَجْزِ وَبِالْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ وَبِالْحَيَاةِ دُونَ الْمَوْتِ وَبِالسَّمْعِ دُونَ الصَّمَمِ وَبِالْبَصَرِ دُونَ الْعَمَى وَبِالْكَلَامِ دُونَ الْبُكْمِ ، فَكَذَلِكَ يُوصَفُ بِالْفَرَحِ دُونَ الْحُزْنِ وَبِالضَّحِكِ دُونَ الْبُكَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ مَا أَثْبَتَهُ السَّمْعُ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا كُفُؤَ لَهُ وَلَا سَمِيَّ لَهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَتُهُ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ لَا الْمَلَائِكَةِ وَلَا السَّمَوَاتِ وَلَا الْكَوَاكِبِ وَلَا الْهَوَاءِ وَلَا الْمَاءِ وَلَا الْأَرْضِ وَلَا الْآدَمِيِّينَ وَلَا أَبْدَانِهِمْ وَلَا أَنْفُسِهِمْ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَتَهُ عَنْ مُمَاثَلَاتِ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ أَبْعَدُ مِنْ سَائِرِ الْحَقَائِقِ ، وَأَنَّ مُمَاثَلَتَهُ لِشَيْءِ مِنْهَا أَبْعَدُ مِنْ مُمَاثَلَةِ حَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لِحَقِيقَةِ مَخْلُوقٍ آخَرَ ، فَإِنَّ الْحَقِيقَتَيْنِ إذَا تَمَاثَلَتَا جَازَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَجُوزُ عَلَى الْأُخْرَى وَوَجَبَ لَهَا مَا وَجَبَ لَهَا . فَيَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى الْخَالِقِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْعَدَمِ وَالْحَاجَةِ، وَأَنْ يُثْبَتَ لِهَذَا مَا يُثْبَتُ لِذَلِكَ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْفَنَاءِ ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنُ النَّقِيضَيْنِ ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ بُطْلَانُ قَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : بَصَرٌ كَبَصَرِي أَوْ يَدٌ كَيَدِي وَنَحْوِ ذَلِكَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا اسْتِيفَاءَ مَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ وَاسْتِيفَاءَ طُرُقِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى جَوَامِعِ ذَلِكَ وَطُرُقِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ السَّمْعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا يَنْفِيه سَكَتْنَا عَنْهُ فَلَا نُثْبِتُهُ وَلَا نَنْفِيه . فَنُثْبِتُ مَا عَلِمْنَا ثُبُوتَهُ وَنَنْفِي مَا عَلِمْنَا نَفْيَهُ وَنَسْكُتُ عَمَّا لَا نَعْلَمُ نَفْيَهُ وَلَا إثْبَاتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". طيب .
عندي : وإنك لتجد في شرح العقيدة الطحاوية التفصيل ما أجمله شيخ الإسلام في هذه الرسالة ، فانظر الطبعة الجديدة من هذا الشرح القيم ، وقد جرى تحقيقها على مخطوطات نادرة ، وخرّج أحاديثها محدث الديار الشامية ، الشيخ ناصر الدين الألباني .
المؤلف رحمه الله تعالى أطال في هذه القاعدة السادسة ، ولكنّ خلاصتها كما قلنا وسبق لنا ، أخذت منا أربع محاضرات ، هي أن نقول :
إنه لا يجوز الاعتماد في نفي أو إثبات صفات الله على مجرد نفي التشبيه أو الإثبات بلا تشبيه ، ما يجوز أن نعتمد على هذا ، وذلك لأن كل من هاتين القاعدتين مثلاً يرد عليها ما يرد مما ذكره المؤلف ، لأنك إذا قلت أعتمد على مجرد نفي التشبيه . ادّعى أحد من الذين ينكرون الصفات بأن هذا تشبيه فنفوه .
وأيضا إذا قلت : أعتمد على مجرد نفي التشبيه . فإنك تقول : الله ليس له حياة لأن الإنسان له حياة ، وليس بصر لأن الإنسان له بصر ، كذلك إذا اعتمدت على مجرد الإثبات بدون تشبيه يلزمك على هذا أن تثبت بأن الله .؟ إذا قلت أعتمد على مجرد الإثبات بدون تشبيه يلزمك .؟
أن تصفه بصفات النقص بدون تشبيه ، فتقول : يأكل لا كأكل المخلوقين وينام لا كنوم المخلوقين وهكذا . وهذا أيضاً ممتنع .
إذا ما هو الاعتماد الصحيح على ما يجب إثباته ونفيه ، أن نقول هو الكمال والنقص ، وقد ورد في السمع في آيات كثيرة بإثبات الكمال له وورد أيضاً بنفي النقائض عنه .
ثم العقل ـ كما قال المؤلف في الأخير ـ يثبت الكمال لله على سبيل الإطلاق لا على سبيل التفضيل ، وينفي النقص على سبيل الإطلاق أيضاً لا على سبيل التفصيل.
طيب ما ورد إثباته من صفات الكمال فإننا نقول يجب نفي ضده من صفات النقص ، فإذا ورد السمع بأنه سميع، يجب نفي الصمم . بصير يجب نفي العمى .
يعني ليس في القرآن ولا في السنة أن الله ليس بأعمى، لكنه ورد أنه بصير والبصر صفة كمال وضده العمى صفة النقص ، إذا فالعمى منتفي عن الله بدلالة السمع وبدلالة العقل ، دلالة السمع لأن الله أثبت لنفسه البصر، ودلالة العقل لأن العمى نقص ، والله تعالى منزه عنه .
عندي : وإنك لتجد في شرح العقيدة الطحاوية التفصيل ما أجمله شيخ الإسلام في هذه الرسالة ، فانظر الطبعة الجديدة من هذا الشرح القيم ، وقد جرى تحقيقها على مخطوطات نادرة ، وخرّج أحاديثها محدث الديار الشامية ، الشيخ ناصر الدين الألباني .
المؤلف رحمه الله تعالى أطال في هذه القاعدة السادسة ، ولكنّ خلاصتها كما قلنا وسبق لنا ، أخذت منا أربع محاضرات ، هي أن نقول :
إنه لا يجوز الاعتماد في نفي أو إثبات صفات الله على مجرد نفي التشبيه أو الإثبات بلا تشبيه ، ما يجوز أن نعتمد على هذا ، وذلك لأن كل من هاتين القاعدتين مثلاً يرد عليها ما يرد مما ذكره المؤلف ، لأنك إذا قلت أعتمد على مجرد نفي التشبيه . ادّعى أحد من الذين ينكرون الصفات بأن هذا تشبيه فنفوه .
وأيضا إذا قلت : أعتمد على مجرد نفي التشبيه . فإنك تقول : الله ليس له حياة لأن الإنسان له حياة ، وليس بصر لأن الإنسان له بصر ، كذلك إذا اعتمدت على مجرد الإثبات بدون تشبيه يلزمك على هذا أن تثبت بأن الله .؟ إذا قلت أعتمد على مجرد الإثبات بدون تشبيه يلزمك .؟
أن تصفه بصفات النقص بدون تشبيه ، فتقول : يأكل لا كأكل المخلوقين وينام لا كنوم المخلوقين وهكذا . وهذا أيضاً ممتنع .
إذا ما هو الاعتماد الصحيح على ما يجب إثباته ونفيه ، أن نقول هو الكمال والنقص ، وقد ورد في السمع في آيات كثيرة بإثبات الكمال له وورد أيضاً بنفي النقائض عنه .
ثم العقل ـ كما قال المؤلف في الأخير ـ يثبت الكمال لله على سبيل الإطلاق لا على سبيل التفضيل ، وينفي النقص على سبيل الإطلاق أيضاً لا على سبيل التفصيل.
طيب ما ورد إثباته من صفات الكمال فإننا نقول يجب نفي ضده من صفات النقص ، فإذا ورد السمع بأنه سميع، يجب نفي الصمم . بصير يجب نفي العمى .
يعني ليس في القرآن ولا في السنة أن الله ليس بأعمى، لكنه ورد أنه بصير والبصر صفة كمال وضده العمى صفة النقص ، إذا فالعمى منتفي عن الله بدلالة السمع وبدلالة العقل ، دلالة السمع لأن الله أثبت لنفسه البصر، ودلالة العقل لأن العمى نقص ، والله تعالى منزه عنه .