تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ثم هؤلاء لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على نقيض قولهم لظنهم أن العقل عارض السمع - وهو أصله - فيجب تقديمه عليه والسمع : إما أن يؤول وإما أن يفوض وهم أيضا عند التحقيق لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على وفق قولهم لما تقدم , وهؤلاء يضلون من وجوه : - منها : ظنهم أن السمع بطريق الخبر تارة وليس الأمر كذلك بل القرآن بين من الدلائل العقلية التي تعلم بها المطالب الدينية ما لا يوجد مثله في كلام أئمة النظر فتكون هذه المطالب : شرعية عقلية .". حفظ
الشيخ : نقرأ الآن يا جماعة ونمشي عشان ما معنا وقت، بسم الله الرحمن الرحيم : " ثُمَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقْبَلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى نَقِيضِ قَوْلِهِمْ لِظَنِّهِمْ أَنَّ الْعَقْلَ عَارِضُ السَّمْعِ - وَهُوَ أَصْلُهُ - فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ ، وَالسَّمْعُ إمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ وَإِمَّا أَنْ يُفَوَّضَ وَهُمْ أَيْضًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَقْبَلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ " نعم .
يقول المؤلف : إن هؤلاء لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على نقيض قولهم ، يعني معناه أن الكتاب والسنة لا يقبلونه في الأمر الذي يخالف قولهم ، لماذا .؟
قال : لظنهم أن العقل عارض السمع وهو أصله فيجب تقديمه عليه ، يقولوا إن العقل عارض السمع في هذا، وهذا الأصل العقل أو السمع .؟ عندهم هم أن العقل هو الأصل . وإذا كان العقل هو الأصل وعارض الفرع فالواجب تقديم الأصل .
فيقولون مثلاً : إن هذه الصفات يمنعها العقل فهو معارض للسمع ، وإذا كان هو أصل السمع فإن الأصل يجب أن يقدم على الفرع وتنفى هذه الصفات .
يقول الشيخ رحمه الله تعالى ـ ما طريقتهم إذا جاء شيء يخالف العقل ـ : " إما أن يؤول وإما أن يفوض " .
يؤول : يصرف عن ظاهره .
يفوض : لا يتكلم في معناه إطلاقاً ، ويقال هذا ما ندري عنه .
مثال ذلك : استوى على العرش . له ثلاثة معان :
معنى صحيح . ومعنى مؤول . ومعنى مفوض .
المعنى الصحيح أن يقال : استوى على العرش أي علا عليه واستقر على الوجه الذي يليق به .
المعنى المؤول : استوى بمعنى استولى .
المعنى المفوض : استوى ما نقول في معناه شيئاً ، نقرأه ولا نتكلم في معناه ، فيكون عندنا بمنزلة اللغة الأجنبية التي لا نعرف معناها ، مثل لو جاء إنسان إنجليزي ورطن علينا ونحن لا نعرف رطانتهم ، لو قيل لنا ماذا يقول .؟ قلنا لا نعلم .
هم يقولون المفوضة : إن الصفات ـ كل آيات الصفات وأحاديثها ـ بمنزلة اللسان الأعجمي أمام اللسان العربي، وأننا لا نعرف معناها إطلاقاً هذا التفويض .
قال المؤلف : " وهم أيضا عند التحقيق لا يقبلون الاستدلال بالكتاب والسنة على وفق قولهم لما تقدم ".
يقول أنتم الآن حتى على طريقتكم لا تقبلون الكتاب والسنة . وهذا نحتج به على من .؟ على جميع النفاة . حتى من نفى جميع الصفات يمكن أن نحتج عليهم بمثل ما احتجوا به .
فإنه سبق لنا المجادلة مع هؤلاء : مع الذين ينفون بعض الصفات ويثبتون بعض ، ومع الذين يثبتون الأسماء وينكرون الصفات ، ومع الذين ينكرون الأسماء والصفات ، ومع الذين ينكرون الإثبات والنفي ، كلهم سبق أنه بطريقة عقلية يلزمهم أن يقبلوا ما جاء به الكتاب والسنة ، وهم بالطريقة العقلية كما قال المؤلف : لا يقبلون الكتاب والسنة ، مع أن العقل يلزمهم به ، فالذي ينكر الصفات مثل ما مر ، نقول له : لماذا أثبت الأسماء .؟ أو نقول أولا : لماذا أنكرت الصفات .؟
قال : لأني لا أجد في الشاهد ما يتصف بهذه الصفات إلا ما هو جسم والتجسيم ممتنع ، نقول له : ولا نجد في الشاهد ما يسمى بالحي والعليم والقادر إلا ما هو جسم والتجسيم عنك ممنوع ، فلماذا أنكرت هذا وأثبت هذا .؟ وسبق الكلام على هذه المسائل ، وبينا أن كل الذين ينكرون ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته يلزمهم أن يقولوا بها بطريق عقلي ، كما أنه يلزمهم بطريق السمع .
يقول : " وَهَؤُلَاءِ يَضِلُّونَ مِنْ وُجُوهٍ :
مِنْهَا : ظَنُّهُمْ أَنَّ السَّمْعَ بِطَرِيقِ الْخَبَرِ تَارَةً وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْقُرْآنُ بَيَّنَ مِنْ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ - الَّتِي تُعْلَمُ بِهَا الْمَطَالِبُ الدِّينِيَّةُ - مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ النَّظَرِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَطَالِبُ : شَرْعِيَّةً عَقْلِيَّةً "
.
يظنون هم أن السمع ما هو إلا خبر فقط ، وليس مبنيا على معقولات ودلائل عقلية ، والشيخ رحمة الله يقول: أبدا هذا ليس بصحيح . بل في القرآن من الأدلة العقلية ما لا يوجد مثله في كلام هؤلاء .
ولنضرب لذلك مثال بالبعث بعد الموت . هل البعث بعد الموت ثابت بالطريق السمعي الخبري فقط ؟! أو بطريق السمع الخبري والنظر العقلي .؟ !
والنظر العقلي أيضا ، والله تبارك وتعالى يضرب الأمثال دائما لإمكان البعث بأنه ينزل الماء على الأرض اليابسة الهامدة فإذا هي رابية تهتز : (( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى )) .
كذلك أيضا يضرب الله تعالى أمثالاً معقولة للمشركين به :
(( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً )) طبعا هذا مثل عقلي أنهما لا يستويان .
وضرب مثلاً أيضا بالذين يدعون من دون الله : (( لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ )) إنسان بسط كفيه إلى الماء في النهر، بسطهما بسطا ، يريد الماء يصل إلى الماء فمه ، وهل يصل .؟ ما يصل أبدا ، لأن اليدين مبسوطتين لم يضم بعضها إلى بعض ليمنع الماء من التسرب ، ما يمكن أن يبقى بها ماء .
فالحاصل أن في القرآن الكريم من الأدلة العقلية ما لا يوجد نظير في كلام هؤلاء ... .