تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما الأصل الثاني ( وهو التوحيد في العبادات ) المتضمن للإيمان بالشرع والقدر جميعا . فنقول : لا بد من الإيمان بخلق الله وأمره فيجب الإيمان بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله وقد علم ما سيكون قبل أن يكون وقدر المقادير وكتبها حيث شاء كما قال تعالى : (( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ) .". حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
قال رحمه الله تعالى : " وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي : وَهُوَ التَّوْحِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ " صفحة مائة وثمانية.
قوله : " الأصل الثاني " هذا معطوف على قوله في أول الكتاب : " الأصل الأول التوحيد في الصفات " وعلى هذا فيكون الأصلان والمثلان المضروبان والقواعد الست كلها تتعلق بالتوحيد في الصفات . هنا التوحيد في العبادات .
" الْمُتَضَمِّنُ لِلْإِيمَانِ بِالشَّرْعِ وَالْقَدَرِ جَمِيعًا " التَّوْحِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ يتضمن الإيمان بالشرع والقدر جميعاً ، الشرع وما شرعه الله تعالى على ألسنة رسله من العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج ... وما أشبهها .
والقدر هو ما يقضيه الله تعالى على عبادة مما تقتضيه الحكمة ، وذلك أن أحكام الله نوعان :
حكم شرعي : يجب على العبد الرضا به وتنفيذه .
حكم قدري : تنفيذه على الله ، ويجب على العبد الرضا بالله تبارك وتعالى وبما يقدره عليه .
" فَنَقُولُ : لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ " لا بد من الإيمان بهاذين الأمرين :
بخلق الله وهو يتعلق بالقدر .
وبأمره وهو الشرع .
" فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " .
هذا يتعلق بالقدر ، تعلم بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير . وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله . كل هذا يتعلق بالقدر .
كذلك قال : " وَقَدْ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَقَدَّرَ الْمَقَادِيرَ وَكَتَبَهَا حَيْثُ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) . ".
إلى هنا انتهى كلامه على القدر ، فصار يجب علينا بالنسبة للقدر الإيمان بما يلي :
أولاً : عموم علم الله . لقوله : "عَلِمَ مَا سَيَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ " كل ما سيكون فإن الله تعالى قد علمه . فيجب أن نؤمن بعموم علم الله تعالى .
ثانياً : أن نؤمن بأن الله كتب مقادير كل شيء لقوله : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) الآية هذه جمعت الدليل للأمرين جميعا ، وهما : العلم والكتابة .
الأمر الثالث مما يجب علينا في القدر : أن نؤمن بأن كل ما كان فهو بمشيئة الله لقول المؤلف : " مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ " فكل ما يوجد في الكون مما يفعله الله تعالى أو يفعله الخلق فإنه واقع بمشيئة الله . هذه ثلاثة أشياء .
الأمر الرابع : أن نؤمن بأن كل شيء مخلوق لله : " وأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ " إذا فكل ما وقع في الكون فهو مخلوق لله سبحانه وتعالى . هذه هي المراتب في القضاء والقدر ، أربع مراتب المرتبة الأولى ... والثانية ... والثالثة المشيئة والرابعة الخلق وإليه يشير القائل :
" علم كتابة مولانا مشيئته *** وخلقه وهو إيجاد وتكوين " .
فالمراتب في القضاء والقدر جمعت في هذا البيت ، من يقرأه لنا .؟
الطالب : " علم كتابة مولانا مشيئته *** وخلقه وهو إيجاد وتكوين " .
الشيخ : طيب هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقدر ، لا يتم الإيمان بالقدر إلا بهذه المراتب .
طيب خلق الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كتب سبحانه وتعالى مقادير كل شيء ، مقادير الخلق ، وهذه الكتابة في اللوح المحفوظ ، وثمة كتابات أخرى تكون بحسب ما تقتضيه حكمة الله . ففي ليلة القدر تكتب مقادير السنة . وإذا خلق الإنسان في بطن أمه بعث إليه الملك فكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد . إنما الكتابة الأولى العامة الشاملة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .
المؤلف ما بسط القول في هذا بذكر الأدلة والمعارضات والمناقشات لكن مادام اختصر نختصر ، وإن جاء شيء ذكرناه إن شاء الله .