تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ورأس الإسلام مطلقا شهادة أن لا إله إلا الله وبها بعث جميع الرسل كما قال تعالى : (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) وقال تعالى : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) وقال عن الخليل : (( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ))} وقال تعالى عنه : (( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )) وقال تعالى : (( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله )) وقال : (( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )) وذكر عن رسله : كنوح وهود وصالح وغيرهم أنهم قالوا لقومهم : (( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )) وقال عن أهل الكهف : (( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا )) إلى قوله : (( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا )) وقد قال سبحانه : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ذكر ذلك في موضعين من كتابه . وقد بين في كتابه الشرك بالملائكة , والشرك بالأنبياء , والشرك بالكواكب , والشرك بالأصنام - وأصل الشرك الشرك بالشيطان - فقال عن النصارى : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )) وقال تعالى : (( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم )) وقال تعالى : (( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله )) إلى قوله : (( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )) ؟ فبين أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر .". حفظ
قال : " وَرَأْسُ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " قوله : ورأس الإسلام مطلقاً . يعني به الإسلام الذي بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام والإسلام الذي قبله ، فإن رأس الرسالات التي جاءت بها الرسل هي شهادة ألا إله إلا الله .
" وَبِهَا بُعِثَ جَمِيعُ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) ".
قوله : (( واجتنبوا الطاغوت )) المراد بالطاغوت : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، هذا هو الطاغوت ، كل ما تجاوز الإنسان به حده من معبود فالأصنام نسميها طواغيت ، أو متبوع كالأحبار والرهبان المضلين . أو مطاع كالأمراء الفسقة ، فإن كلهم يسمون طواغيت ، لأنهم تجاوزوا الحد وطغوا ، والطغيان في الأصل مجاوزة الحد ، فأمر الله بعبادته وحده واجتناب الطاغوت، والطاغوت كما سمعت هو : كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع .
" وَقَالَ تَعَالَى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) وَقَالَ عَنْ الْخَلِيلِ : (( وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) ".
(( وجعلها )) أي هذه البراءة (( كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون )) شف (( إنني برئ مما تعبدون إلا الذي فطرني )) هذه في المعنى على وزان قول : لا إله إلا الله . لا إله تبرء من جميع العالم . إلا الله إثبات للألوهية لله عز وجل ، فقوله هنا (( إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي )) بمعنى لا إله إلا الله .
وقوله : (( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ )) أي هذه البراءة من عبادة غير الله جعلها كلمة باقية في عقبه أي عقب إبراهيم ، فيدخل فيهم اليهود والنصارى ، لأن اليهود والنصارى من بني إسرائيل وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .
" وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ )) " القائل من : (( أَفَرَأَيْتُمْ ... )) .؟ إبراهيم .
" وَقَالَ تَعَالَى : (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا )) " إلى متى .؟ " (( حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وحده )) وَقَالَ : (( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )) ".
تقدم الكلام على إشكال حول هذا ، ما هو الإشكال في هذه الآية الذي أوردناه أمس وأجبنا عنه .؟
الطالب : ... .
الشيخ : هو كيف يؤمر بأن يسأل من أرسل وقد مات ، وهل هذا إلا أمر بما لا يطاق .؟ وأجبنا عنه بأن المراد الرجوع إلى أتباعهم من العلماء والكتب التي بقيت في أيديهم .
" وَذَكَرَ عَنْ رُسُلِهِ : كَنُوحِ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ )) وَقَالَ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ : (( إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إذًا شَطَطًا )) " .
الطالب : ... .
الشيخ : أنت ظننت ندعوا ... نعم لو كان هذه الواو ضميرا لكن هذه الواو من الفعل ولهذا نصبت (( لن ندعوا )) ... القوم يدعون ثم تقول القوم لم يدع أحدا ... الألف تأتي بعد واو الضمير لا بعد واو الفعل (( إذًا شَطَطًا )) أي قولا بعيدا عن الصواب .
" إلَى قَوْلِهِ : (( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )) وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : (( إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ ". وكلا الموضعين في سورة النساء : (( إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) فدل هذا عظم الشرك . وهل يشمل الشرك الأصغر فيكون غير مغفور أو المراد الشرك الأكبر .؟
ننظر الآية : (( إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )) لا يغفر نفي . وأن يشرك به مؤول بمصدر . فيغفر إشراكاً به ، والمعروف أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر . فالذي يحلف بغير الله لا يغفر له هذا إلا إذا تاب منه .
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ أن أحلف بغيره صادقاً " لأن الحلف بغير الله كاذبا من الكبائر . والحلف بغيره صادقاً من الشرك ، وخطيئة الشرك أعظم من خطيئة الكبائر ، فالمهم أن هذا فيه دليل على عظم الشرك وأنه لا يغفر ، وظاهر الآية الكريمة ولو كان أصغر ، ولكن ليس معنى لا يغفر أنه إذا تاب الإنسان منه لا يغفر له ، لا ، لكنه إذا تاب منه غفر له .
الشيخ : " وَقَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ الشِّرْكَ بِالْمَلَائِكَةِ ، وَالشِّرْكَ بِالْأَنْبِيَاءِ ، وَالشِّرْكَ بِالْكَوَاكِبِ ، وَالشِّرْكَ بِالْأَصْنَامِ ، وَأَصْلُ الشِّرْكِ الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ " .
الطالب : ... .
الشيخ : " وَأَصْلُ الشِّرْكِ الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ " ليس موجودا ، حتى مشكلة العبارة هذه .
" فَقَالَ عَنْ النَّصَارَى : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) " هذا شرك بالمسيح ، الأحبار والرهبان والمسيح .
" وَقَالَ تَعَالَى : (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) ".
قول الله تعالى لعيسى هذا يكون يوم القيامة ، والغرض منه توبيخ عابديه . أما الله يعلم أنه ما قال لهم إلا ما أمر به . لكن المراد توبيخ عابدي عيسى ، مثل قوله تعالى : (( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ )) المؤودة تسأل توبيخاً لمن قتلها . وليس توبيخا لها هي ، لأنها هي مجترئ عليها ، إذا السؤال لتوبيخ من اتخذوه إله من دون الله .
" وَقَالَ تَعَالَى : (( ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ )) إلَى قَوْلِهِ : (( وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) فَبَيَّنَ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا كُفْرٌ " كيف بين ذلك .؟ بقوله : (( أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ )) .