تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومعلوم أن هذه الصفات الثابتة لله لا تثبت له على حد ما يثبت لمخلوق أصلا وهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فلا فرق بين إثبات الذات وإثبات الصفات ; فإذا لم يكن في إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات : لم يكن في إثبات الصفات إثبات مماثلة له في ذلك فصار هؤلاء الجهمية المعطلة يجعلون هذا توحيدا ; ويجعلون مقابل ذلك التشبيه , ويسمون أنفسهم الموحدين وكذلك النوع الثالث وهو قولهم : هو واحد لا قسيم له في ذاته أو لا جزء له أو لا بعض له ; لفظ مجمل فإن الله سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ; فيمتنع عليه أن يتفرق أو يتجزأ أو يكون قد ركب من أجزاء ; لكنهم يدرجون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه ومباينته لخلقه وامتيازه عنهم ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله ويجعلون ذلك من التوحيد , فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا فيه ما هو حق , وفيه ما هو باطل ولو كان جميعه حقا ; فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم به في القرآن وقاتلهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ; بل لا بد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله .". حفظ
الطالب : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةَ لِلَّهِ لَا تَثْبُتُ لَهُ عَلَى حَدٍّ مَا يَثْبُتُ لِمَخْلُوقِ أَصْلًا ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إثْبَاتِ الذَّاتِ وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إثْبَاتِ الذَّاتِ إثْبَاتُ مُمَاثَلَةٍ لِلذَّوَاتِ لَمْ يَكُنْ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ إثْبَاتُ مُمَاثَلَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ الجهمية الْمُعَطِّلَةُ يَجْعَلُونَ هَذَا تَوْحِيدًا ، وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ تشبيها وَيُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ الْمُوَحِّدِينَ " .
الشيخ : نحن عندنا : " مُقَابِلَ ذَلِكَ التَّشْبِيهَ ". والصحيح أن تشبيها ، الذي قال أحسن من المثبت . يعني : " وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ التشبيه " وهي : تشبيها " وَيَجْعَلُونَ مُقَابِلَ ذَلِكَ تشبيها ".
الطالب : تحذف الألف واللام .
الشيخ : لو حذفتموها يكون طيب ، ويكون : تشبيها بالنصب .
الطالب : " وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُهُمْ : هُوَ وَاحِدٌ لَا قَسِيمَ لَهُ فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا جُزْءَ لَهُ " .
الشيخ : ترى المؤلف بدأهم من الآخر ، يعني رد أولا على قولهم واحد في أفعاله لا شريك له ، ثم رد على قولهم واحد في صفاته لا شبيه له ، ثم رد على قولهم واحد لا قسيم له في ذاته ، فجعل التوع الأول عند الرد جعله النوع الثالث . يسمون هذا لفا ونشرا مشوشا ، يعني غير مرتب .
الطالب : " وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُهُمْ : هُوَ وَاحِدٌ لَا قَسِيمَ لَهُ فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا جُزْءَ لَهُ أَوْ لَا بَعْضَ لَهُ ، لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ أَوْ يَتَجَزَّأَ " .
الطالب : " فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ أَوْ يتحيز " .
الشيخ : والله أحسن " أَوْ يتحيز " أحسن ، لأنه " أَوْ يَكُونَ قَدْ رُكِّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ " هذا يتجزأ ، يتفرق أو يتحيز . حطوا : أو يتحيز ، بدل: أو يتجزأ . " فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَرَّقَ أَوْ يتحيز أَوْ يَكُونَ قَدْ رُكِّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ " . نعم .
الطالب : " لَكِنَّهُمْ يُدْرِجُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَفْيَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَمُبَايَنَتَهُ لِخَلْقِهِ وَامْتِيَازَهُ عَنْهُمْ "
الشيخ : يعني يقول التحيز ممنوع فلا يمكن أن يصير فوق العالم ولا ينحاز عن المخلوقات وما أشبه ذلك .
الطالب : " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُسْتَلْزِمَةِ لِنَفْيِهِ وَتَعْطِيلِهِ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّوْحِيدِ ".
الشيخ : كذلك أيضاً ينكرون اليد والوجه والعين بحجة أن هذه أجزاء ، وأن التوحيد هو أن توحد الله في ذاته فتقول لا قسيم له ، ويجعلون هذا من التقسيم ، فصاروا في الحقيقة يريدون بهذه الكلمات المجملة معنى باطلاً ، ويجب هنا أن نلاحظ أنهم يدسون السم في الدسم ، يقولون مثلاً ـ وهذه ليست من الدرس لكن على سبيل التمثيل ـ : ( سبحان من تنزه عن الفحشاء ) زينة أو لا .؟ سبحان من تنزه عن الفحشاء الله يقول : (( إن الله لا يأمر بالفحشاء ))
فأنت عندما تقول هذا الكلمة تقول هذه طيبة ، لكن هم يريدون بقولهم : ( سبحان من تنزه عن الفحشاء ) أن فعال العباد ليست مخلوقه لله لأن أفعال العباد تتضمن الفحشاء ، ويقولون : ( سبحان من تنزه عن الأبعاض والأعراض والأغراض ) بالغين ، هذه كلمات مجملة وزينه ظاهرا ، لكن يريدون بمن تنزه عن الأبعاض يعني أنه ليس له وجه ولا يد ولا عين ، والأعراض يعني : ما يغضب ولا يحب ولا يرضى ولا يكره لأن هذه أعراض صفات عرضيه ، والأغراض يعني الحكمة ، أن الله ليس بحكيم ، فمن يسمع هذه الكلمات يقول إنها طيبة .
نحن عندما قرأنا التوحيد أمس بأقسامه قلنا ما فيه إلا نقص ، توحيد الألوهية ، تبين الآن أنه كله نقص ، تبين من مناقشة المؤلف رحمه الله تعالى له بأنه يعرف خباياهم ، تبين أنه كله نقص . لأنهم يريدون بهذا اللفظ المجمل معاني باطل .
ولاحظ يا جماعة ما يترتب أو ما يعارض به كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة لأن هذا مهم جدا ، يعني الأسئلة والاعتراض الذي يمكن أن يورد على كل قسم من هذه الأقسام ، أنتم فاهمين الحين .؟ فهمتن ما يورد على قولهم : في أفعاله لا شريك له .؟ وما يورد على قولهم في صفاته لا شبيه له ، وأن منهم من جعل إنكار الصفات من التوحيد ، وما يرد على قولهم : واحد في ذاته لا قسيم له و فيجب هنا أن تنتبهوا لهذا الأمر ، نعم .
الطالب : " فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُسَمُّونَهُ تَوْحِيدًا فِيهِ مَا هُوَ حَقٌّ ، وَفِيهِ مَا هُوَ بَاطِلٌ ، وَلَوْ كَانَ جَمِيعُهُ حَقًّا "
الشيخ : يعني لو قدر أنهم أرادوا بظاهره معناه الحقيقي مع أنهم ما يريدون هذا كما سبق ، لكن لو فرض أنهم أرادوا المعنى الحقيقي المتبادر من هذا اللفظ هو حق ، فإن المشركين إذا أقروه بهذه الأشياء هل يكونوا موحدين .؟ لا ، وينقصهم توحيد الألوهية .
الطالب : " فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ فِي الْقُرْآنِ " .
الشيخ : " لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمْ الله بِهِ " .
الطالب : " لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُمْ الله بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفُوا أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ".
الطالب : " لَا بُدَّ أَنْ تؤمنوا بأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ".
الشيخ : لا ، يعترفوا أحسن .
طيب يا جماعة فهمنا أن هذا التعريف للتوحيد الذي زعمه المتكلمون أنه غاية التوحيد عليه مناقشات :
أولاً : من جهة قصوره حيث أسقط توحيد الألوهية ، وعلى هذا فليس بصالح إطلاقاً .
ثانياً : من جهة إجماله حيث أن هذا الكلام الذي قالوه يدخل فيه أشياء هم أنكروها والله تعالى أثبتها ، فهذه المناقشة يعني : إذا قيل لك ناقش هذه العبارة من جميع الوجوه ،
تناقشها أولاً : من حيث معناها الذي فيه حق وباطل .
وتناقشها أيضاً من حيث قصورها حيث سقط منها توحيد الألوهية ، يعني حتى لو قدر أن هذه الكلمات الثلاث حق فإنه قد سقط منها توحيد الألوهية الذي قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين عليه .