تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك طوائف من أهل التصوف والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد : غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد وأن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا سيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده وبمشهوده عن شهوده وبمعروفه عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلما فضلا عن أن يكون وليا لله أو من سادات الأولياء وطائفة من أهل التصوف والمعرفة : يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات فيفنون في توحيد الربوبية مع إثبات الخالق للعالم المباين لمخلوقاته , وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات فيدخلون في التعطيل مع هذا , وهذا شر من حال كثير من المشركين .". حفظ
الطالب : " وَكَذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ غَايَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ التَّوْحِيدِ هُوَ شُهُودُ هَذَا التَّوْحِيدِ ، وَأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ لَا سِيَّمَا إذَا غَابَ الْعَارِفُ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وَجُودِهِ وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَدَخَلَ فِي فَنَاءِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بِحَيْثُ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي لَا غَايَةَ وَرَاءَهَا " .
الشيخ : حطوا بالكم لهذا ، العارف يطلقونه على الصوفية ، شيوخ الصوفية يسمونهم العارفون ، يقولون هو الذين عرف الله ، هؤلاء عندهم فناء في التوحيد في توحيد الربوبية ، بمعنى كما قال المؤلف أنه يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه ، لكنه يغيب بموجوده عن وجوده ، وبمشهوده عن شهوده ، وبمعروفه عن معرفته ، ما معنى أنه يأتي بهذه الأشياء .؟
يعني عندما يفكر ـ هو بزعمه ـ في الله سبحانه وتعالى يغيب حتى عن نفسه ، ينسى نفسه ، يقول إنه يغيب بموجوده عن وجوده ، موجوده هو الله ، عن وجوده عن كل الوجود ، ويصير ينسى كل شيء حتى نفسه ، ولا شك أن هذه حالة قد ترد للإنسان مع قوة العبادة والرغبة والمحبة ، لكنها قاصرة في الحقيقة ، لأنه إذا غاب بموجوده عن وجوده صار كأنه آلة لا تعمل بنية ، ويغيب حتى عن عبادته ما يدري ماذا يصنع في عبادته ، لأنه مثل ما لو قلنا إن الإنسان إذا لاقاه صديق له يحبه حبا شديداً ، لاقاه لأول مرة تجد أنه .؟ وش يكون حاله .؟ يندهش وينسى كل شيء كأن لا شيء أمامه سوى هذا الإنسان ، حتى إنه ربما يتصرف من شدة الفرح تصرفاً غير لائق ، لأنه اندهش ذهب ذهنه وفكره وقلبه لهذا الشيء الوارد على قلبه .
هؤلاء يغيبون بمعبودهم عن عبادتهم ، حتى عن العبادة ما يدري ماذا يصلي الآن هو يركع ويسجد ويقوم ويقعد ويسبح ويقرأ . يغيب عن هذا لأن ما في قلبه الآن مشاهد إلا المعبود ، فيغيب عن نفسه وعن فعله ، يرون أن هذه غاية الكمال ، والصواب أنها ليست غاية الكمال ، بل هذه نقص ، الرسول صلى الله عليه وسلم لاشك أنه أكمل العابدين وأول العابدين ، هل غاب بمعبوده عن عبادته !؟
أبداً ، كان يسمع بكاء الصبي وهو في الصلاة فيوجز مخافة أن تفتتن أمه ، أليس كذلك ، وكان صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه من وراءه، ويراهم إذا تأخروا في الصفوف ، وكان صلى الله عليه وسلم أيضا يبقى للحسن وهو ساجد حتى يقضي نهمته من ركوبه على ظهره ، فهل غاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمعبوده عن عبادته ؟!
لا ، وهل هؤلاء أكمل من الرسول !؟ لا ، ليسوا أكمل من الرسول صلى الله عليه وسلم بلا شك .
فالحاصل أن هؤلاء يجعلون غاية المعرفة والحقيقة أن يصل المرء إلى هذه الغاية ، نقول : لا ، الغاية أن يكون الإنسان متزناً قائماً بهذا وبهذا ، يعبد الله حقاً لكنه لا يغيب بمعبوده عن عبادته ، ولا بموجوده عن وجوده . ولا بمعروفه عن معرفته ـ المعروف الله سبحانه وتعالى ـ يغيب بالمعروف عن معرفته حتى كأنه لا يعلم شيئاً ، ولا كأن شيئاً أمامه من الدنيا ، كل هذا في الحقيقة وإن كانوا يعدونها كمالاً فهي في الواقع نقص بلا شك .
الطالب : هل أن تقول : يا موجودي ... .
الشيخ : لا ، أبدا ، هذه بدعة وأيضا ربما تؤدي إلى وحدة الوجود ، إذا قال : أنت وجودي ، معناه يجعل نفسه هو الله ..
لا هذه منكر عظيمة جدا ، أولا : لأنه لم يرد الشرع (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) وهل من أسماء الله : موجود .؟ لا ، ليس من أسمائه الموجود ، يصح أن تخبر بأن الله موجود ، لكن لا يجوز أن تسمي الله بأنه موجود ، لأن الموجود اسم مطلق يشمل الناقص والكامل والخبيث والطيب ، وما كان منقسماً لا يمكن أن يقال بإطلاقه على الله سبحانه وتعالى ، لكن هذه من العبارات المبتدعة التي يجب النهي عنها وإنكارها .
يقول كذلك أيضا: " وَدَخَلَ فِي فَنَاءِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ بِحَيْثُ يَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ " ما هو الذي يفنى من لم يكن .؟ كل شيء يفنى إلا الله ، يفنى من لم يكن ، كل الكائنات لك تكن من قبل ، ويبقى من لم يزل ، من هو .؟ الله ، لم يزل ول يزال موجودا ، المعنى أنه يغيب عن كل شيء ، إلا عن الله ، ولا شك أن هذه حالة قاصرة وأنها لا تكمل بها لا دنيا ولا دين ، حتى الدين لا يكمل بها فضلا عن الدنيا ، الدنيا بلا شك ليست بكاملة في هذه الحالة ، وكذلك الدين لا يكمل بها ، وهذا مما يدخله الشيطان على بعض الناس ، وأقول لكم أن هذه مسائل خطيرة ، لأن حقيقة العبادة الاتباع ، العبادة مبنية على أمرين هامين : الحب ، والثاني : التعظيم ، فبالحب يكون الإخلاص ، لأنك إذا أحببت الله أخلصت له ، وبالتعظيم تكون المتابعة وعدم الخروج عن شرعه ، كل إنسان يعبد الله بغير هذين الأصلين فليس بعابد ، فلا بد من إخلاص منشأه الحب ، وهذه مرت علينا قبل ، ولا بد من متابعة ، متابعة الشرع منشأها التعظيم.
الطالب : ... .
الشيخ : سيذكره المؤلف ، كل الفناء سيأتينا أنه أقسامه ثلاثة ، ويذكره المؤلف إن شاء الله .
الطالب : " وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ التَّوْحِيدِ وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ بِمُجَرَّدِ هَذَا التَّوْحِيدِ مُسْلِمًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ مِنْ سَادَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالْمَعْرِفَةِ : يُقَرِّرُونَ هَذَا التَّوْحِيدَ مَعَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ فَيَفْنَوْنَ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْخَالِقِ لِلْعَالَمِ الْمُبَايِنِ لِمَخْلُوقَاتِهِ ، وَآخَرُونَ يَضُمُّونَ هَذَا إلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ فَيُدْخُلُونَ فِي التَّعْطِيلِ مَعَ هَذَا ، وَهَذَا شَرٌّ مِنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ".
الشيخ : نعم ، لأن بعض المشركين يقرون بالصفات وينكرون البعض ، وهؤلاء ينكرون جميع الصفات ، فما رأيكم في توحيد يكون كثير من المشركين خيرا منه ؟! ... هذا التوحيد ليس بتوحيد .