تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات ويقاربون قول جهم لكنهم ينفون القدر ; فهم وإن عظموا الأمر والنهي والوعد والوعيد ; وغلوا فيه ; فهم يكذبون بالقدر ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب , والإقرار بالأمر والنهي والوعد والوعيد مع إنكار القدر خير من الإقرار بالقدر مع إنكار الأمر والنهي والوعد والوعيد ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين من ينفي الأمر والنهي والوعد والوعيد وكان قد نبغ فيهم القدرية كما نبغ فيهم الخوارج : الحرورية وإنما يظهر من البدع أولا ما كان أخفى وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي : شر من القدرية المعتزلة ونحوهم : أولئك يشبهون المجوس وهؤلاء يشبهون المشركين الذين قالوا : (( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء )) والمشركون شر من المجوس .". حفظ
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيُقَارِبُونَ قَوْلَ جَهْمٍ لَكِنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقَدَرَ ، فَهُمْ وَإِنْ عَظَّمُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ ، وَغَلَوْا فِيهِ ، فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ .".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، أظنكم تعرفون الفرق بين المعتزلة والجهمية والموافقة .؟ يوافقون الجهمية المعتزلة في نفي الصفات ، والمؤلف يقول : " يقاربون قول جهم " لأن جهماً ينكر جميع الصفات بدون تفصيل ، وأولئك يثبتون ثلاث صفات وهي : الحياة والعلم والقدرة . الذين هم المعتزلة ، وإن كانوا يفسرونها بغير تفسير أهل السنة والجماعة ، فهم في الصفات في الحقيقة مثل الجهمية أو مقاربون لهم ، في باب الإرجاء المعتزلة على العكس من الجهمية ، لأن الجهمية يقولون بالإرجاء والمعتزلة على العكس يقولون : في المنزلة بين المنزلتين ، مثال ذلك :
مثلاً فاعل الكبيرة عند الجهمية ما حكمه .؟ مؤمن كامل الإيمان ، وعند المعتزلة ليس بمؤمن ولا كافر أيضا ، لكنه مخلد في النار وهو في منزلة بين المنزلتين ، شف الفرق بينهم الآن واضح ، الجهمية يقولون إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار ، وأولئك يقولون : فاعل الكبيرة ليس عنده إيمان ليس بمؤمن ، لكن ليس بكافر بل في منزلة بين منزلتين ، أما في الآخرة فهو مخلد في النار ، فخالفوا الجهمية مخالفة تامة في أحكام الدنيا وأحكام الآخرة .
في باب القدر أيضا على العكس من الجهمية تماماً ، لأن المعتزلة ينكرون القدر والجهمية يثبتونه مع المغالاة فيثبتون الجبر ، وفرق بين الإنسان الذي يقول أن العبد يفعل فعله باختياره وإرادته وليس لله فيه إرادة ولا اختيار ، وبين الذي يقول : أن العبد يفعل بدون اختيار ولا إرادة وهو مجبر على فعله لأن ذلك تقدير الله . إذا فهمتم الآن الوجوه التي يتفق فيها الجهمية والمعتزلة ويختلفون فيها .
هم يعظمون الأمر والنهي والوعد والوعيد لأنهم مثل ما قلت لكم ، يقولون : الذي يفعل الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر أيضا في منزلة بين المنزلتين ، وهذا هو تعظيم الأمر والنهي لكنه مغال فيه ، يقولون أي مخالفة تقع من الإنسان في الكبائر يخرجه من الإيمان ، وهذا يكون تعظيماً للأمر والنهي .
أولئك لا يعظمون الأمر والنهي لأنهم يقولون : كل معصية من الإنسان لا تضره ، لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة .
الطالب : ... .
الشيخ : هذا كلامهم ، يقولون أنه لا يقدر أفعال العبد ، لأنه لو قدر أفعاله وعاقبه عليها صار ظلما .
الطالب : (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) .؟
الشيخ : وش فيه .؟ (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )) هذا هو معنى : (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) يعني أنت سببها ، هذا المعنى . فسروها الآية : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) الحسنة تفضلا من الله ما لك فيها حول ولا قوة ، وأما السيئات فأنت أسبابها .
الطالب : " فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ إنْكَارِ الْقَدَرِ خَيْرٌ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ مَعَ إنْكَارِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ".
الشيخ : صحيح ، وهذا واضح أنه خير ، لأن الثاني يتضمن أن أمر الله ونهيه يكون عبثاً ، الذي يعظم القضاء والقدر وينكر الأمر والنهي والوعد والوعيد ، يصير أمر الله ونهيه من سبيل العبث ليس فيه فائدة ، ما دام أنك تأمره ثم تجبره ألا يفعل ، وتنهاه وتجبره أن يفعل ، فيكون هذا من باب العبث ، أدنى ما نقول إنه عبث قد نقول إنه ظلماً أيضا ، ولكن الذي يعظم الأمر والنهي ويقول إن الإنسان له اختيار وإرادة ، وإذا فعل المنهيات وترك المأمورات فهو يعاقب عليها ، هذا خير من الذي يقول إنه لا يعاقب ، لأنه إذا عوقب فهو مظلوم .
الطالب : " وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يَنْفِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ ، وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ الْقَدَرِيَّةُ كَمَا نَبَغَ فِيهِمْ الْخَوَارِجُ الحرورية " .
الشيخ : عندنا : " الْخَوَارِجُ والحرورية " ما تقتضي المغايرة ، لأن المعروف أن الخوارج يلقبون بالحرورية ، وإن كانوا أعم ، الخوارج أعم من الحرورية ، لأنه يشمل كل من خرج عن الإمام ، وأما الحرورية فهي خاصة بطائفة معينة منهم ، وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب .
الطالب : " وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ " العطف على ماذا .؟
الشيخ : " لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ من ينفي الأمر ... وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ " معطوفة على النفي في قوله : " لَمْ يَكُنْ " ، يعني : ما كان في زمن الصحابة من ينفي الأمر والنهي كما تقول الجبرية لكن فيهم القدرية ، ونبغ هنا بمعنى ظهر .
الطالب : في زمن التابعين .؟
الشيخ : لا ، في زمنهم ، المراد في زمنهم مثل ما قال : " لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ ... نَبَغَ فِيهِمْ " يعني في زمنهم .
الطالب : " وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبِدَعِ أَوَّلًا مَا كَانَ أَخْفَى ، وَكُلَّمَا ضَعُفَ مَنْ يَقُومُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ قَوِيَتْ الْبِدْعَةُ ، فَهَؤُلَاءِ الْمُتَصَوِّفُونَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ ، أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ وَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : (( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ )) وَالْمُشْرِكُونَ شَرٌّ مِنْ الْمَجُوسِ ".
الشيخ : صحيح ، المشركون شر من المجوس بلا شك ، ولهذا المجوس يقرون بالجزية بالنص ، والمشركون لا يقرون بالجزية عند أكثر أهل العلم ، وإن كان الصحيح أنهم يقرون لكنهم عند أكثر أهل العلم لا يقرون ، فصاروا أي المشركون شراً من المجوس ، وإن كان المجوس يطلق عليهم أنهم مشركون لأنهم يعبدون النار ، لكن المشركون المراد الذين يعبدون الأوثان ولا يدينون بدين المجوس .
طيب من الذين يشبهون المشركين من الجهمية والمعتزلة .؟ الجهمية هم الذين يشبهون المشركين ، والذي يشبه المجوس هم القدرية المعتزلة لأنهم يقولون إن الإنسان خالق أفعاله ، كما أن المجوس يقولون إن العالم له خالقان .
الطالب : " الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ " ما المقصود بالحقيقة الكونية .؟
الشيخ : المراد بشهود الحقيقة الكونية ما سبق أنهم يغيبون عن مشاهد الكون بالخالق سبحانه وتعالى ، ولا يعظمون الأمر والنهي حتى إن بعضهم ـ ربما يذكره المؤلف أو لا يذكره ـ يسقط الأمر والنهي ، إذا بلغ الإنسان منهم مرتبة معينة قالوا : خلاص هذا شهد الحقيقة فلا يؤمر ولا ينهى ، حتى فسروا قول الله تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) ... .
حتى قالوا في قوله تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) إن المراد باليقين مشاهدة مقام الربوبية ، أي أنك تعبد الله إلى أن تصل إلى هذه الدرجة فإذا وصلت سقطت عنك العبادة ، وهذا بلا شك تحريف للقرآن ، وأن المراد حتى يأتيك الموت ، لأن الموت يتيقن به الإنسان ما وعد ويشاهد أمور الآخرة ، الحاصل أن هؤلاء المتصوفة الذين يشهدون الحقيقة الكونية يغفلون عن الشرع والقدر ، يغيبون بمشهودهم عن شهادتهم وبمعبودهم عن عبادتهم ، وبموجودهم عن وجودهم كما سبق .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، أظنكم تعرفون الفرق بين المعتزلة والجهمية والموافقة .؟ يوافقون الجهمية المعتزلة في نفي الصفات ، والمؤلف يقول : " يقاربون قول جهم " لأن جهماً ينكر جميع الصفات بدون تفصيل ، وأولئك يثبتون ثلاث صفات وهي : الحياة والعلم والقدرة . الذين هم المعتزلة ، وإن كانوا يفسرونها بغير تفسير أهل السنة والجماعة ، فهم في الصفات في الحقيقة مثل الجهمية أو مقاربون لهم ، في باب الإرجاء المعتزلة على العكس من الجهمية ، لأن الجهمية يقولون بالإرجاء والمعتزلة على العكس يقولون : في المنزلة بين المنزلتين ، مثال ذلك :
مثلاً فاعل الكبيرة عند الجهمية ما حكمه .؟ مؤمن كامل الإيمان ، وعند المعتزلة ليس بمؤمن ولا كافر أيضا ، لكنه مخلد في النار وهو في منزلة بين المنزلتين ، شف الفرق بينهم الآن واضح ، الجهمية يقولون إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار ، وأولئك يقولون : فاعل الكبيرة ليس عنده إيمان ليس بمؤمن ، لكن ليس بكافر بل في منزلة بين منزلتين ، أما في الآخرة فهو مخلد في النار ، فخالفوا الجهمية مخالفة تامة في أحكام الدنيا وأحكام الآخرة .
في باب القدر أيضا على العكس من الجهمية تماماً ، لأن المعتزلة ينكرون القدر والجهمية يثبتونه مع المغالاة فيثبتون الجبر ، وفرق بين الإنسان الذي يقول أن العبد يفعل فعله باختياره وإرادته وليس لله فيه إرادة ولا اختيار ، وبين الذي يقول : أن العبد يفعل بدون اختيار ولا إرادة وهو مجبر على فعله لأن ذلك تقدير الله . إذا فهمتم الآن الوجوه التي يتفق فيها الجهمية والمعتزلة ويختلفون فيها .
هم يعظمون الأمر والنهي والوعد والوعيد لأنهم مثل ما قلت لكم ، يقولون : الذي يفعل الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر أيضا في منزلة بين المنزلتين ، وهذا هو تعظيم الأمر والنهي لكنه مغال فيه ، يقولون أي مخالفة تقع من الإنسان في الكبائر يخرجه من الإيمان ، وهذا يكون تعظيماً للأمر والنهي .
أولئك لا يعظمون الأمر والنهي لأنهم يقولون : كل معصية من الإنسان لا تضره ، لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة .
الطالب : ... .
الشيخ : هذا كلامهم ، يقولون أنه لا يقدر أفعال العبد ، لأنه لو قدر أفعاله وعاقبه عليها صار ظلما .
الطالب : (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) .؟
الشيخ : وش فيه .؟ (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )) هذا هو معنى : (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) يعني أنت سببها ، هذا المعنى . فسروها الآية : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) الحسنة تفضلا من الله ما لك فيها حول ولا قوة ، وأما السيئات فأنت أسبابها .
الطالب : " فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ إنْكَارِ الْقَدَرِ خَيْرٌ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ مَعَ إنْكَارِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ".
الشيخ : صحيح ، وهذا واضح أنه خير ، لأن الثاني يتضمن أن أمر الله ونهيه يكون عبثاً ، الذي يعظم القضاء والقدر وينكر الأمر والنهي والوعد والوعيد ، يصير أمر الله ونهيه من سبيل العبث ليس فيه فائدة ، ما دام أنك تأمره ثم تجبره ألا يفعل ، وتنهاه وتجبره أن يفعل ، فيكون هذا من باب العبث ، أدنى ما نقول إنه عبث قد نقول إنه ظلماً أيضا ، ولكن الذي يعظم الأمر والنهي ويقول إن الإنسان له اختيار وإرادة ، وإذا فعل المنهيات وترك المأمورات فهو يعاقب عليها ، هذا خير من الذي يقول إنه لا يعاقب ، لأنه إذا عوقب فهو مظلوم .
الطالب : " وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يَنْفِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ ، وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ الْقَدَرِيَّةُ كَمَا نَبَغَ فِيهِمْ الْخَوَارِجُ الحرورية " .
الشيخ : عندنا : " الْخَوَارِجُ والحرورية " ما تقتضي المغايرة ، لأن المعروف أن الخوارج يلقبون بالحرورية ، وإن كانوا أعم ، الخوارج أعم من الحرورية ، لأنه يشمل كل من خرج عن الإمام ، وأما الحرورية فهي خاصة بطائفة معينة منهم ، وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب .
الطالب : " وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ " العطف على ماذا .؟
الشيخ : " لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ من ينفي الأمر ... وَكَانَ قَدْ نَبَغَ فِيهِمْ " معطوفة على النفي في قوله : " لَمْ يَكُنْ " ، يعني : ما كان في زمن الصحابة من ينفي الأمر والنهي كما تقول الجبرية لكن فيهم القدرية ، ونبغ هنا بمعنى ظهر .
الطالب : في زمن التابعين .؟
الشيخ : لا ، في زمنهم ، المراد في زمنهم مثل ما قال : " لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ ... نَبَغَ فِيهِمْ " يعني في زمنهم .
الطالب : " وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ الْبِدَعِ أَوَّلًا مَا كَانَ أَخْفَى ، وَكُلَّمَا ضَعُفَ مَنْ يَقُومُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ قَوِيَتْ الْبِدْعَةُ ، فَهَؤُلَاءِ الْمُتَصَوِّفُونَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ ، أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ وَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : (( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ )) وَالْمُشْرِكُونَ شَرٌّ مِنْ الْمَجُوسِ ".
الشيخ : صحيح ، المشركون شر من المجوس بلا شك ، ولهذا المجوس يقرون بالجزية بالنص ، والمشركون لا يقرون بالجزية عند أكثر أهل العلم ، وإن كان الصحيح أنهم يقرون لكنهم عند أكثر أهل العلم لا يقرون ، فصاروا أي المشركون شراً من المجوس ، وإن كان المجوس يطلق عليهم أنهم مشركون لأنهم يعبدون النار ، لكن المشركون المراد الذين يعبدون الأوثان ولا يدينون بدين المجوس .
طيب من الذين يشبهون المشركين من الجهمية والمعتزلة .؟ الجهمية هم الذين يشبهون المشركين ، والذي يشبه المجوس هم القدرية المعتزلة لأنهم يقولون إن الإنسان خالق أفعاله ، كما أن المجوس يقولون إن العالم له خالقان .
الطالب : " الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ " ما المقصود بالحقيقة الكونية .؟
الشيخ : المراد بشهود الحقيقة الكونية ما سبق أنهم يغيبون عن مشاهد الكون بالخالق سبحانه وتعالى ، ولا يعظمون الأمر والنهي حتى إن بعضهم ـ ربما يذكره المؤلف أو لا يذكره ـ يسقط الأمر والنهي ، إذا بلغ الإنسان منهم مرتبة معينة قالوا : خلاص هذا شهد الحقيقة فلا يؤمر ولا ينهى ، حتى فسروا قول الله تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) ... .
حتى قالوا في قوله تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) إن المراد باليقين مشاهدة مقام الربوبية ، أي أنك تعبد الله إلى أن تصل إلى هذه الدرجة فإذا وصلت سقطت عنك العبادة ، وهذا بلا شك تحريف للقرآن ، وأن المراد حتى يأتيك الموت ، لأن الموت يتيقن به الإنسان ما وعد ويشاهد أمور الآخرة ، الحاصل أن هؤلاء المتصوفة الذين يشهدون الحقيقة الكونية يغفلون عن الشرع والقدر ، يغيبون بمشهودهم عن شهادتهم وبمعبودهم عن عبادتهم ، وبموجودهم عن وجودهم كما سبق .