تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن تحقيق التوحيد : أن يعلم أن الله تعالى أثبت له حقا لا يشركه فيه مخلوق ; كالعبادة والتوكل والخوف والخشية والتقوى كما قال تعالى : (( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا )) وقال تعالى : (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين )) وقال تعالى : (( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين )) وقال تعالى : (( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )) إلى قوله : (( الشاكرين )) وَكُلٌّ مِنْ الرُّسُلِ يَقُولُ لِقَوْمِهِ : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ )) .". حفظ
الطالب : " وَمِنْ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا لَا يَشْرِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ ، كَالْعِبَادَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ))." .
الشيخ : لاحظوا هذه الأمور من العبادة ما تصلح لغير الله ولو بثم ، يعني مثلا لو واحد يريد أن يعبد غير الله بعد الله ، يصلح .؟ لا ، بخلاف الأمور القدرية فلا مانع أن تشرك مع الله غيره بحرف يقتضي الترتيب: ما شاء الله ثم شئت ، لولا الله ثم أنت مثلا ، هذا لا بأس به ، لكن تقول : أعبد الله ثم أعبدك ، يجوز أو لا .؟
الطالب : ما يجوز .
الشيخ : طيب ، قول الناس الآن ـ التوكل من العبادة ـ : أنا متوكل على الله ثم عليك ، أليس يقولون هكذا .؟ يقولون هكذا : أنا متوكل على الله ثم عليك ، طيب أليس التوكل عبادة ؟ التوكل عبادة مثل ما قال المؤلف ، لأن الله قال : (( فاعبده وتوكل عليه )) لكن يجب أن نعرف أن توكل العبادة هو الذي يقتضي الحب والتعظيم أو الذل والخشوع ، هذا هو توكل العبادة الذي لا يجوز إلا لله جل وعلا .
أما التوكل الذي هو الاعتماد المطلق ولو مع اعتقاد المتوكل أنه فوق المتوكل عليه فهذا يصلح لله ولغيره ، ولهذا فرق الله بينهم : (( فاعبده وتوكل عليه )) فليس التوكل بجميع أقسامه أو على وجه الإطلاق من العبادة .
خليكم معنا حتى تعرفوا الفرق لئلا يلتبس ، فالتوكل الذي هو مطلق الاعتماد هذا يصح لله ولغيره ، ولهذا تقول : هذا وكيل لي وأنا موكله ، وتوكلت عليه ، يعني : اعتمدت ، ،تقول : فوضت الأمر إلى فلان ، وتقول : أفوض أمري إلى الله . لأن التوكل الذي هو العبادة هو ما يقتضي الذل والخضوع والتعظيم ، لكن التوكل الذي هو مطلق الاعتماد ولو مع اعتقاد الموكل أنه فوق رتبة المتوكل هذا يجوز لغير الله .
ومثله أيضاً الخوف والخشية : الخوف أيضاً منقسم : (( فلا تخافوهم وخافون أن كنتم مؤمنين )) الخوف يكون عبادة ويكون غير عبادة ، فخوف الإنسان من المخلوق ، ما نقول إذا خفت من أحد فهذا حرام لأنك عبدت غير الله ، لأن الخوف يكون من كل ما يخاف ، لكن خوف العبادة الذي يقتضي الذل والخضوع هذا إلى الله وحده ، ولذلك تخافه فتطيع أمره حبا وتعظيما .
تخاف الملك أو القائد أو السلطان أو ما أشبه ذلك ، وتفعل أمره لكن لا محبة وتعظيماً إنما تمشياً مع أمر الله تعالى بقوله : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ولهذا لو فصل هذا كونه ضابطا أو كونه مديرا له ، تطيعه أو لا .؟ لا .
إذا الطاعة ليست لذاته ولكن لأمر الله تعالى بطاعته ، فأنا عندما أطيع أميري مثلا أو رئيسي أو مديري أو ما أشبه ذلك أو مدرسا ولو زعلتم أنتم ، عندما تطيعه لا تطيعه من أجله هو ، ولكن من أجل أمر الله (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )).
فتبين أن طاعته إنما هي طاعة لله عزّ وجل ، والخوف منه ليس تقربا إليه ، فهذه الفروق يجب أن نعرفها ، حتى لا يلتبس علينا الأمر ، ونظن كل شيء منها يكون عبادة فلا يجوز .
الطالب : في فرق بين الخشية والخوف .؟
الشيخ : الخشية تكون من قوة المخشي وعظمته ، والخوف يكون من ضعف الخائف ، فالخشية أعلى وأقوى ، حتى في غير الله إذا صار أقوى منك خشيته معناه أنك خفت منه ، لأن الله يقول : (( فلا تخشوا الناس واخشون )) .
الطالب : ... .
الشيخ : يكون من باب المباح ، وش قصدك ما يستحق الطاعة .؟
الطالب : ... .
الشيخ : هو ولي أمر لك .؟ ولي الأمر العاصي تجب طاعته ، ما لم يكن كافرا ، إن كفر عند كفر صريح عندنا فيه من الله برهان ما نطيعه ، وإما إذا كان يشرب الخمر ويزني ويتلوط ويقتل النفس بغير الحق ، فإنه يجب طاعته ، حتى لو ضربك ، قال أعطني مالك الذي في الصندوق ، وقام يضربك ضربا ، يجب عليك أن تطيعه .
الطالب : أليس في هذا مفسدة .؟
الشيخ : ما فيها مفسدة .
الطالب : تسلط العصيان ويستمرون .؟
الشيخ : هذا على الله ، المفسدة أنك تنابذهم ، لأنك إذا نابذتهم حصل ردة فعل منهم عليك وعلى غيرك ، ولو استمر ، لأن مجابهتهم ما تزيد الأمر إلا شدة ، ما الذي أفسد الأمة الإسلامية إلا خروج والعصيان ، الرسول يقول : ( اسمع وأطع وإن ضرب ضهرك وأخذ مالك ) هذا لفظ الحديث صحيح ، ما ضر الأمة إلا العصيان والتمرد ، هذا يتمرد وهذا يتمرد ثم يزداد الولاة شدة عليهم بسبب ظلمهم : (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون )) لكن لو أنهم استسلموا للأمر فربما هؤلاء يخجلون ، الذين هم الولاة المسلطون ، يخجلون ويمتنعون ، أو ربما يأتيهم ناصح بأسلوب هادئ ويحصل الخير .
الطالب : " وَقَالَ تَعَالَى : (( إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ )) إلَى قَوْلِهِ : (( الشَّاكِرِينَ )) وَكُلٌّ مِنْ الرُّسُلِ يَقُولُ لِقَوْمِهِ : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ )) . " .
الشيخ : في هذا دليل على أن كل من أمر بالشرك فهو جاهل ولو كان عالما ، وكل من أشرك أيضا فهو سفيه ولو كان عاقلا ، لقوله تعالى : (( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ )) وقال تعالى : (( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ )) فالذين الآن يصفون الغرب وغير الغرب ممن أعطوا علم الكون يصفونهم بالعلم ، وإذا حصل أقل شيء قال هذا العلم وهؤلاء العلماء ، وتجده يثني على هؤلاء بالعلم أكثر مما يثني على علماء الشريعة بالعلم ، هذا في الحقيقة يدل على جهله ، لأن العلم بطبائع الكون هو كعلم البهائم بأن هذا العلف ملائم لها فتأكله وغير ملائم فلا تأكله ، وهو علم يدرك أي إنسان يضع باله لهذا الشيء يدركه ، لكن علم الشريعة الذي لا يتلقى إلا من الوحي هذا ما يدركه إلا من وفقه الله عز وجل .
فهؤلاء الذين يعظمون العلم إنما يعظمونه لجهلهم ، وفي الحقيقة هو لا يحتاج إلى تعظيم ، لأنه كما أشرت إنما هو علم بشيء محسوس يشترك في علمه حتى البهائم ، البهيمة تعرف إذا قدمت لها علفين ، تعرف من يكون صالحا ومن يكون غير صالح ، بل أحيانا بعض البهائم تأكل من هذا إذا صار ما يصلح العلف المختلط ، تأكل من هذا لقمة ومن هذا لقمة ، لتخلط هذا بهذا ، أو تأكل من هذا ما تظن أنه لا يضرها ثم تأكل من الثاني ما تظن أنه ينفعها .
فالحاصل ما ينبغي أن يكون محط المدح والعلم بما في الكون أو علم ما في طبيعة الكون ، هذا في الحقيقة ليس بعلم . هو علم إن استعان به الإنسان على معرفة الخالق والاطلاع على حكمته فهذا يكون خيراً ، لكن لا خيراً ذاتياً ولكنه خير لغيره ، وأما إذا كان إنما ينتفع به لمجرد الدنيا فهذا لا ينفعه إلا في الدنيا ، وما لا ينفع إلا في الدنيا فكأنه ليس بشيء .
ثم هذه المعلومات أيضا كما قلت لكم ، لو أن أي واحد من الناس عنده تجربة يستطيع أن يدركها ، وهم في الحقيقة ما سبقوا بموهبة وهبهم الله تعالى على وجه يمدحون عليه ، إنما هي موهبة صالحة لكل إنسان يستطيع أن يعمل مثل هذه الأعمال .
الطالب : ... .
الشيخ : يمكن ، لكن لا على أساس أنه ممدوح . لأنه مشكلة العقل المعيشي الآن أصبح يقال للناس الذين إذا قيل لهم : (( لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون )) يقول : خل عندك عقل معيشي داهن الكفار والفساق وامش مع المطاوعة ، هذا ليس بصحيح ، هذا معناه النفاق ، لكن إن أريد بالعقل المعيشي الذي يتوصل الإنسان به إلى أن يعيش عيشة حميدة ، طيب هذا .