تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال تعالى في التوكل : (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) وقال : (( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) وقال تعالى : (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون )). فقال في الإتيان : (( ما آتاهم الله ورسوله )) وقال في التوكل : (( وقالوا حسبنا الله )) ولم يقل : ورسوله ; لأن الإتيان هو الإعطاء الشرعي وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول فإن الحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه قال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وأما الحسب فهو الكافي والله وحده كاف عبده كما قال تعالى : (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) فهو وحده حسبهم كلهم , وقال تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله فهو كافيكم كلكم وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض الغالطين إذ هو وحده كاف نبيه وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول وهذا في اللغة كقول الشاعر : فحسبك والضحاك سيف مهند وتقول العرب : حسبك وزيدا درهم أي يكفيك وزيدا جميعا درهم وقال في الخوف والخشية والتقوى : (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) فأثبت الطاعة لله والرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام : (( إني لكم نذير مبين )) (( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون )) فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقد قال تعالى : ((فلا تخشوا الناس واخشون )) وقال تعالى : (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) وقال الخليل عليه السلام : (( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون )) (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو الشرك أولم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم )). وقال تعالى : (( فإياي فارهبون )) (( وإياي فاتقون )) ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا . ) وقال : ( ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ) ففي الطاعة : قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو , وفي المشيئة : أمر أن يجعل ذلك بحرف ( ثم ) وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله , وطاعة الله طاعة الرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله , ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس , وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله .". حفظ
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي التَّوَكُّلِ : (( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) (( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) وَقَالَ : (( قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ )) . فَقَالَ فِي الْإِتْيَانِ : (( مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) وَقَالَ فِي التَّوَكُّلِ : (( وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ )) وَلَمْ يَقُلْ : وَرَسُولُهُ ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ هُوَ الْإِعْطَاءُ الشَّرْعِيُّ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِبَاحَةَ وَالْإِحْلَالَ الَّذِي بَلَغَهُ الرَّسُولُ ، فَإِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّهُ وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ وَالدِّينَ مَا شَرَعَهُ قَالَ تَعَالَى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) وَأَمَّا الحسب فَهُوَ الْكَافِي ، وَاَللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ عَبْدَهُ .
الشيخ : كافي عبده وتقول كاف تقول عبده ، أنا عندي كاف عبده ... .
الطالب : كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) فَهُوَ وَحْدَهُ حَسْبُهُمْ كُلَهُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) أَيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِيكُمْ كُلُّكُمْ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الغالطين إذْ هُوَ وَحْدَهُ " .
الشيخ : ترى وحده ، دائما منصوبة على الحال .
الطالب : " إذْ هُوَ وَحْدَهُ كَافٍ نَبِيَّهُ وَهُوَ حَسْبُهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَكُونُ هُوَ وَإِيَّاهُ حسبا لِلرَّسُولِ ، وَهَذَا فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : فَحَسْبُك وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ : حَسْبُك وَزَيْدًا دِرْهَمٌ ، أَيْ يَكْفِيك وَزَيْدًا جَمِيعًا دِرْهَمٌ ، وَقَالَ فِي الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى : (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) فَأَثْبَتَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَأَثْبَتَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ، كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (( إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ )) فَجَعَلَ الْعِبَادَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلرَّسُولِ ، فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ : (( إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )). ) . وَقَالَ تَعَالَى : (( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ )) (( وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ )) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : ( مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا . ) وَقَالَ : ( وَلَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ ) فَفِي الطَّاعَةِ : قَرَنَ اسْمَ الرَّسُولِ بِاسْمِهِ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، وَفِي الْمَشِيئَةِ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِحَرْفِ ( ثُمَّ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ لِلَّهِ ، فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَطَاعَةُ اللَّهِ طَاعَةُ الرَّسُولِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ فَلَيْسَتْ مَشِيئَةُ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشِيئَةً لِلَّهِ ، وَلَا مَشِيئَةُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِمَشِيئَةِ الْعِبَادِ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ النَّاسُ ، وَمَا شَاءَ النَّاسُ لَمْ يَكُنْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ . ".
الشيخ : طيب المهم الآن هذا الأصل يتحقق بأن العبادة ما تكون إلا لله وحده ، وهذا توحيد العبادة والأول توحيد الأسماء والصفات ، وتوحيد الأسماء والصفات هو من تمام توحيد الربوبية ، وإن كان أهل العلم يقولون إن التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية .
تجدون الآن في الآيات التي ساقها المؤلف ، منها ما يجعله الله تعالى لنفسه خاصة ، ومنها ما يجعله لنفسه وللرسل ، فالطاعة والإتيان والشرع والعلم وما أشبه ذلك يكون لله وللرسل ، ولهذا نحن نقول : الله ورسوله أعلم ، ويقول : (( سيؤتينا الله من فضله ورسوله )) (( ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله )) وهذا إتيان شرعي لا إتيان قدري .
والإتيان الشرعي يكون للرسول كما يكون لله ، بل قد يكون لمن دون الرب (( وآتوهم من مال الله الذي أتاكم )) (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم )) وما أشبه ذلك ، المهم أن الأشياء التي لا تصلح إلا لله لا يجوز أن يشّرك مع الله فيها أحد لا على وجه الاستقلال ولا على وجه التبعية ، فلا يجوز أن أقول : اخش فلاناً خشية العبادة ، ولا اخش الله ثم اخش فلان لا يجوز لا هذا ولا هذا ، والشيء الذي يكون لله ولغيره لا يعد شريك غير الله معه فيه شركاً ، لأنه لله ولغيره مثل ما قلنا الطاعة (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) الإتيان الشرعي ما أتاهم الله ورسوله .
الحسب وهو الكفاية ، هل تكون لله وللرسول أم لله وحده .؟
الطالب : لله وحده .
الشيخ : نعم ، وأما قوله تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) فإن الواو حرف عطف لكنها ليست معطوفة على الله ، وذلك لفساد المعنى ، لأن المعنى يصير : حسبك الله وحسبك من اتبعك من المؤمنين ، وليس كذلك ، لأنه لا يمكن أن يكون أحد كافياً مع الله ، بل الله وحده هو الكافي ، ثم على فرض أن تكون الكفاية تحصل بغير الله ، فإنه لا يمكن أن تشرك كفاية الله مع غيره بالواو . فقال الله : (( ومن اتبعك )) فالمعنى فاسد على كل تقدير لأعني عند معنى من يقول إن المعنى ...
الشيخ : كافي عبده وتقول كاف تقول عبده ، أنا عندي كاف عبده ... .
الطالب : كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) فَهُوَ وَحْدَهُ حَسْبُهُمْ كُلَهُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) أَيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِيكُمْ كُلُّكُمْ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الغالطين إذْ هُوَ وَحْدَهُ " .
الشيخ : ترى وحده ، دائما منصوبة على الحال .
الطالب : " إذْ هُوَ وَحْدَهُ كَافٍ نَبِيَّهُ وَهُوَ حَسْبُهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَكُونُ هُوَ وَإِيَّاهُ حسبا لِلرَّسُولِ ، وَهَذَا فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : فَحَسْبُك وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ : حَسْبُك وَزَيْدًا دِرْهَمٌ ، أَيْ يَكْفِيك وَزَيْدًا جَمِيعًا دِرْهَمٌ ، وَقَالَ فِي الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى : (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) فَأَثْبَتَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَأَثْبَتَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ، كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (( إنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ )) فَجَعَلَ الْعِبَادَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلرَّسُولِ ، فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ : (( إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )). ) . وَقَالَ تَعَالَى : (( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ )) (( وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ )) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : ( مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا . ) وَقَالَ : ( وَلَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ ) فَفِي الطَّاعَةِ : قَرَنَ اسْمَ الرَّسُولِ بِاسْمِهِ بِحَرْفِ الْوَاوِ ، وَفِي الْمَشِيئَةِ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِحَرْفِ ( ثُمَّ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ لِلَّهِ ، فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَطَاعَةُ اللَّهِ طَاعَةُ الرَّسُولِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ فَلَيْسَتْ مَشِيئَةُ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشِيئَةً لِلَّهِ ، وَلَا مَشِيئَةُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِمَشِيئَةِ الْعِبَادِ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ النَّاسُ ، وَمَا شَاءَ النَّاسُ لَمْ يَكُنْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ . ".
الشيخ : طيب المهم الآن هذا الأصل يتحقق بأن العبادة ما تكون إلا لله وحده ، وهذا توحيد العبادة والأول توحيد الأسماء والصفات ، وتوحيد الأسماء والصفات هو من تمام توحيد الربوبية ، وإن كان أهل العلم يقولون إن التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية .
تجدون الآن في الآيات التي ساقها المؤلف ، منها ما يجعله الله تعالى لنفسه خاصة ، ومنها ما يجعله لنفسه وللرسل ، فالطاعة والإتيان والشرع والعلم وما أشبه ذلك يكون لله وللرسل ، ولهذا نحن نقول : الله ورسوله أعلم ، ويقول : (( سيؤتينا الله من فضله ورسوله )) (( ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله )) وهذا إتيان شرعي لا إتيان قدري .
والإتيان الشرعي يكون للرسول كما يكون لله ، بل قد يكون لمن دون الرب (( وآتوهم من مال الله الذي أتاكم )) (( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم )) وما أشبه ذلك ، المهم أن الأشياء التي لا تصلح إلا لله لا يجوز أن يشّرك مع الله فيها أحد لا على وجه الاستقلال ولا على وجه التبعية ، فلا يجوز أن أقول : اخش فلاناً خشية العبادة ، ولا اخش الله ثم اخش فلان لا يجوز لا هذا ولا هذا ، والشيء الذي يكون لله ولغيره لا يعد شريك غير الله معه فيه شركاً ، لأنه لله ولغيره مثل ما قلنا الطاعة (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) الإتيان الشرعي ما أتاهم الله ورسوله .
الحسب وهو الكفاية ، هل تكون لله وللرسول أم لله وحده .؟
الطالب : لله وحده .
الشيخ : نعم ، وأما قوله تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) فإن الواو حرف عطف لكنها ليست معطوفة على الله ، وذلك لفساد المعنى ، لأن المعنى يصير : حسبك الله وحسبك من اتبعك من المؤمنين ، وليس كذلك ، لأنه لا يمكن أن يكون أحد كافياً مع الله ، بل الله وحده هو الكافي ، ثم على فرض أن تكون الكفاية تحصل بغير الله ، فإنه لا يمكن أن تشرك كفاية الله مع غيره بالواو . فقال الله : (( ومن اتبعك )) فالمعنى فاسد على كل تقدير لأعني عند معنى من يقول إن المعنى ...