تتمة تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد قال تعالى في التوكل : (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) وقال : (( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) وقال تعالى : (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون )). فقال في الإتيان : (( ما آتاهم الله ورسوله )) وقال في التوكل : (( وقالوا حسبنا الله )) ولم يقل : ورسوله ; لأن الإتيان هو الإعطاء الشرعي وذلك يتضمن الإباحة والإحلال الذي بلغه الرسول فإن الحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه قال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وأما الحسب فهو الكافي والله وحده كاف عبده كما قال تعالى : (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) فهو وحده حسبهم كلهم , وقال تعالى : (( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين )) أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله فهو كافيكم كلكم وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض الغالطين إذ هو وحده كاف نبيه وهو حسبه ليس معه من يكون هو وإياه حسبا للرسول وهذا في اللغة كقول الشاعر : فحسبك والضحاك سيف مهند وتقول العرب : حسبك وزيدا درهم أي يكفيك وزيدا جميعا درهم وقال في الخوف والخشية والتقوى : (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) فأثبت الطاعة لله والرسول وأثبت الخشية والتقوى لله وحده كما قال نوح عليه السلام : (( إني لكم نذير مبين )) (( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون )) فجعل العبادة والتقوى لله وحده وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقد قال تعالى : ((فلا تخشوا الناس واخشون )) وقال تعالى : (( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )) وقال الخليل عليه السلام : (( وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون )) (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هو الشرك أولم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم )). وقال تعالى : (( فإياي فارهبون )) (( وإياي فاتقون )) ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا . ) وقال : ( ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ) ففي الطاعة : قرن اسم الرسول باسمه بحرف الواو , وفي المشيئة : أمر أن يجعل ذلك بحرف ( ثم ) وذلك لأن طاعة الرسول طاعة لله فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله , وطاعة الله طاعة الرسول بخلاف المشيئة فليست مشيئة أحد من العباد مشيئة لله , ولا مشيئة الله مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس , وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ الله .". حفظ
الشيخ : ... وحسبك من اتبعك من المؤمنين ، وهو ليس كذلك ، لأنه لا يمكن أن يكون أحد كافياً مع الله ، بل الله وحده هو الكافي ، ثم على فرض أن يكون الكفاية تحصل بغير الله ، فإنه لا يمكن أن تشرك كفاية الله مع غيره بالواو . فقال الله : (( ومن اتبعك )) فالمعنى فاسد على كل تقدير ، أعني المعنى عند من يقول : حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين حسبك أيضا ، فالمعنى الصحيح إذا : حسبك الله ومن اتبعك ، الواو حرف عطف وهي معطوفة على الكاف في قوله : حسبك ، يعني وحسب من اتبعك من المؤمنين ، لأن الحسب وهو الكفاية لا تصح إلا لله ، واستشهد المؤلف لذلك بهذا البيت :
فحسبك والضحاك سيف مهند .
يعني حسبك أنت والضحاك جميعاً ، حسبكما السيف ، فالآية على ميزان هذا البيت ، بمعنى أن هذا البيت بيت لغة مشهور والآية تتنزل عليه . وليس المعنى أن المؤمنين حسب له مع الله ، أبدا ، هذا هو تقرير هذا الأصل ، وهو أن العبادة لا تكون إلا لله وحده ، أما الطاعة فإنها تكون لله ولرسله ولمن دون الرسل ، قال تعالى : (( وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا )) وفي غير ذلك أطعهما ولهذا يؤمر الإنسان بطاعة والديه ، وكذلك : (( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي )) وقال الرسول : ( اسمع وأطع ) .