تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولكن توهمت طائفة أن للحسن والقبح معنى غير هذا وأنه يعلم بالعقل وقابلتهم طائفة أخرى ظنت أن ما جاء به الشرع من الحسن والقبح : يخرج عن هذا فكلا الطائفتين اللتين أثبتتا الحسن والقبح العقليين أو الشرعيين وأخرجتاه عن هذا القسم غلطت ثم إن كلتا الطائفتين لما كانتا تنكر أن يوصف الله بالمحبة والرضا والسخط والفرح ونحو ذلك مما جاءت به النصوص الإلهية ودلت عليه الشواهد العقلية : تنازعوا بعد اتفاقهم على أن الله لا يفعل ما هو منه قبيح هل ذلك ممتنع لذاته وأنه لا يتصور قدرته على ما هو قبيح وأنه سبحانه منزه عن ذلك لا يفعله لمجرد القبح العقلي الذي أثبتوه ؟ على قولين والقولان في الانحراف من جنس القولين المتقدمين أولئك لم يفرقوا في خلقه وأمره بين الهدى والضلال والطاعة والمعصية والأبرار والفجار وأهل الجنة وأهل النار والرحمة والعذاب ; فلا جعلوه محمودا على ما فعله من العدل أو ما تركه من الظلم ولا ما فعله من الإحسان والنعمة وما تركه من التعذيب والنقمة والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ولا حقيقة له وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح , وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه .". حفظ
الطالب : " وَلَكِنْ تَوَهَّمَتْ طَائِفَةٌ أَنَّ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا وَأَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ ، وَقَابَلَتْهُمْ طَائِفَةٌ أُخْرَى ظَنَّتْ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا ، فَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَثْبَتَتَا الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْعَقْلِيَّيْنِ أَوْ الشَّرْعِيَّيْنِ وَأَخْرَجَتَاهُ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ غَلِطَتْ ، ثُمَّ إنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا تُنْكِرُ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالْفَرَحِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْإِلَهِيَّةُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّوَاهِدُ الْعَقْلِيَّةُ ، تَنَازَعُوا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ مِنْهُ قَبِيحٌ هَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ لِمُجَرَّدِ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ".
الشيخ : اصبر : " وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ أو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ لِمُجَرَّدِ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ ؟ " لأنه يقول : " تَنَازَعُوا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ مِنْهُ قَبِيحٌ هَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قُدْرَتُهُ عَلَى مَا هُوَ قَبِيحٌ أو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ " وإن كان يقدر ، حطوا " أو" لأجل يصير قولين ، لأنك لو ما جعلت " أو " صار قولا واحدا " أو أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ " .
نضرب لكم مثالا في الظلم ، الظلم قبيح شرعاً وعقلاً ، هل هو ممتنع عن الله لذاته ، بمعنى أنه ما يتصور أن يقدر على الظلم .؟ أو أن الله منزه عن الظلم مع قدرته عليه .؟ نعم منزه عن الظلم مع قدرته عليه ، وهذا في الحقيقة هو وجه المدح والكمال أنه يكون قادرا لكنه منزه عنه ، لأننا لو قلنا إنه مستحيل الظلم وأن كل قبيح فهو مستحيل على الله لذاته ، هل يمدح على هذا أو لا .؟
الذي لا يقدر على أنه يسرق ونقول السرقة مستحيلة عليه لذاته ، لأنه ما له يدان ولا رجلان ... هل يمدح على ترك السرقة .؟ ما يمدح على ترك السرقة ، لأنه عاجز ، لكن رجل نشيط وقوي وسبوق يقضي الشيء ويسرقه وينفر ولا أحد يلحقه ، ولكنه يترك السرقة ، يمدح أو ما يمدح .؟
الطالب : يمدح .
الشيخ : أي نعم ، إذا فهم يقولون : هل هذا القبيح الذي يرون أنه قبيح ، هل هو ممتنع على الله لذاته ، بمعنى أن الله لا يقدر عليه ، أو أن الله منزه عنه وإن كان قادرا عليه .؟ الصواب أن نقول منزه عنه وإن كان قادرا عليه ، لكن يجب أن نعرف أنه ليست عقولنا هي الميزان للعقل القبيح والحسن ، لو كانت عقولنا هي الميزان لكنا مثلا نحسن أن يكون الناس كلهم أمة واحدة على الحق ، أحسن من كون بعضهم بالنار وبعضهم بالجنة ، مثلا قد يحسن عقلنا هذا ، لكن هل هذا صحيح أن الحسن أن يكون الناس كلهم أمة واحدة على الحق حتى لا يعذب أحد .؟ لا ، ليس هذا هو الحسن ، الحسن ما اقتضته حكمة الله عز وجل ، لهذا يجب عليك أن تعرف أنك وإن أثبت الحسن والقبح العقليين فليس معنى ذلك أن عقلك هو الميزان للحسن والقبح باعتبار فعل الله ، لأننا نحن لا نحيط بقدرة الله وحكمته حتى نحكم عليه بعقولنا ، ونقول هذا حسن لماذا لم يفعله الله وهذا قبيح لماذا فعله ؟! لا ، هذا ما يمكن .
الطالب : " وَالْقَوْلَانِ فِي الِانْحِرَافِ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أُولَئِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ ، فَلَا جَعَلُوهُ مَحْمُودًا عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ العذاب " .
الشيخ : " مَا فَعَلَهُ مِنْ الْعَدْلِ ".
الطالب : " أَوْ مَا تَرَكَهُ مِنْ الظُّلْمِ ، وَلَا مَا فَعَلَهُ مِنْ الْإِحْسَانِ وَالنِّعْمَةِ وَمَا تَرَكَهُ مِنْ التَّعْذِيبِ وَالنِّقْمَةِ ، وَالْآخَرُونَ نَزَّهُوهُ بِنَاءً عَلَى الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَثْبَتُوهُ وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ ، وَسَوَّوْهُ بِخَلْقِهِ فِيمَا يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ ، وَشَبَّهُوهُ بِعِبَادِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ .".
الشيخ : قصده : " وَالْقَوْلَانِ فِي الِانْحِرَافِ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ " يعني في القضاء والقدر ، الذي هو قول الجبرية وقول القدرية ، فالجبرية عظموا الأمر والنهي ، ولكنهم عطلوا القضاء والقدر ، والقدرية على العكس ، وقد مر علينا هذا ، الجبرية يقولون إنه يجب على الإنسان أن يكون طائعا لله تعالى في ترك المعاصي وفي فعل العبادات ، لكنهم يقولون إنه خاضع للقدر ، فعظموا القدر وغلوا فيه وتهاونوا في الأمر والنهي حتى إننا سبق أن قلنا إن الجبرية مرجئة ، ويقولون : إن العاصي الفاسق مؤمن كامل الإيمان ، والقدرية بالعكس .
الطالب : لماذا ما ذكر قول الأشاعرة ... .
الشيخ : لأن قول الأشاعرة من جنس قول القدرية ، بل قريب من قول الجبرية ، فهو داخل فيه .