تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ولا حقيقة له وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح , وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه . فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف عند الحقيقة الكونية : لم يميز بين العلم والجهل والصدق والكذب والبر والفجور والعدل والظلم والطاعة والمعصية والهدى والضلال والرشاد والغي وأولياء الله وأعدائه وأهل الجنة وأهل النار وهؤلاء مع أنهم مخالفون بالضرورة لكتب الله ودينه وشرائعه فهم مخالفون أيضا لضرورة الحس والذوق وضرورة العقل والقياس فإن أحدهم لا بد أن يلتذ بشيء ويتألم بشيء فيميز بين ما يأكل ويشرب وما لا يأكل ولا يشرب وبين ما يؤذيه من الحر والبرد وما ليس كذلك وهذا التمييز بين ما ينفعه ويضره هو الحقيقة الشرعية الدينية . ومن ظن أن البشر ينتهي إلى حد يستوي عنده الأمران دائما : فقد افترى وخالف ضرورة الحس ; ولكن قد يعرض للإنسان بعض الأوقات عارض كالسكر والإغماء ونحو ذلك مما يشغل عن الإحساس ببعض الأمور فأما أن يسقط إحساسه بالكلية مع وجود الحياة فيه فهذا ممتنع فإن النائم لم يفقد إحساس نفسه بل يرى في منامه ما يسوءه تارة وما يسره أخرى فالأحوال التي يعبر عنها بالاصطلام والفناء والسكر ونحو ذلك إنما تتضمن عدم الإحساس ببعض الأشياء دون بعض فهي مع نقص صاحبها - لضعف تمييزه - لا تنتهي إلى حد يسقط فيه التمييز مطلقا ومن نفى التمييز في هذا المقام مطلقا وعظم هذا المقام فقد غلط في الحقيقة الكونية والدينية : قدرا وشرعا وغلط في خلق الله وفي أمره حيث ظن أن وجود هذا ; لا وجود له وحيث ظن أنه ممدوح ولا مدح في عدم التمييز : العقل والمعرفة . وإذا سمعت بعض الشيوخ يقول : أريد أن لا أريد أو أن العارف لا حظ له وأنه يصير كالميت بين يدي الغاسل ونحو ذلك فهذا إنما يمدح منه سقوط إرادته التي يؤمر بها وعدم حظه الذي لا يؤمر بطلبه وأنه كالميت في طلب ما لم يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه ومن أراد بذلك أنه تبطل إرادته بالكلية وأنه لا يحس باللذة والألم ; والنافع والضار فهذا مكابر مخالف لضرورة الحس والعقل .". حفظ
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال رحمه الله تعالى : " والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ، ولا حقيقة له ، وسووه بخلقه فيما يحسن ويقبح ، وشبهوه بعباده فيما يأمر به وينهى عنه .
فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْقَدَرِ فَقَطْ وَعَظَّمَ الْفَنَاءَ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَوَقَفَ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ . ".
الشيخ : أظنه واضح السبب ... الذين ينظرون إلى الحقيقة الكونية فقط ما يمكن ... لأنهم يقولون : الكل من إرادة الله ونحن نفنى في توحيد الله توحيد الربوبية فلا نقول هذا حسن وهذا قبيح لأن الكل يعتبر حسنا عنده ، كله من تقدير الله فهو يفنى أن يشاهد الحسن والقبح فيما يقع من أفعال الله عزّ وجل ، ويقول : إن كل ما أوجده الله سبحانه وتعالى فإنه حسن ، لأنه يقف أمام القدر وقوف الميت بين يدي الغاسل ، لا يشعر بما يفعل فيه ، فهو يقول : نحن نعظم القدر غاية التعظيم بتوحيد الربوبية ونفنى بهذا التوحيد عما سواء . ومعنى الفناء فيه : الانغماس بحيث يضمحل وجود المرء في هذا الباب .
فتبين الآن أن هؤلاء الذين يعظمون الفناء في توحيد الربوبية ويقفون عند الحقيقة الكونية ، لا يميزون بين الضار والنافع لماذا .؟ لأن الكل بتقدير الله . فهم يقولون : كل ما قدر الله فلا فرق فيه ، يجب أن نستسلم للربوبية استلاما كاملا أعمى . فلا نفرق بين الضار والنافع ولا بين الحسن والقبيح ، ولا بين الظلم والعدل . لأن الكل من فعل الله . فهم يفنون في هذا التوحيد عن كلما يقع من جانب الربوبية . والإنسان الذي لا يحس بجانب الشيء طبعا لا يفرق بين أجزائه النافعة والضارة والملائمة وغير الملائمة ، هذا وجه كلام المؤلف أنه : " لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ ... " إلى آخره ، لماذا .؟ لأنهم يقولون : كل هذا بقدر الله ، فيجب أن نفنى في هذا القدر عن كل ما يصدر منه ، ومعنى الفناء هو ما نسمّيه بالذوبان ، الذوبان أمام هذا الشيء بحيث لا نحسّ ولا نفرق بين ما يكون من جانب الربوبية . واضح .؟
هذا معنى قول المؤلف : " فمن نظر إلى القدر فقط أعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف لم يميز ". لاحظوا يا جماعة لا تفوتكم هذه الأشياء معانيها ، لا تقولوا نمر عليها مر الكرام ، لأنها مهمة وهي من صميم الموضوع ، فيجب عليكم أن تعرفوا إذا مر مثل هذه الأشياء ... هذه الأخيرة مهمة .
الطالب : " وَهَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ بِالضَّرُورَةِ لِكُتُبِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَشَرَائِعِهِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ أَيْضًا لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالذَّوْقِ وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَلْتَذَّ بِشَيْءِ وَيَتَأَلَّمَ بِشَيْءِ فَيُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَمَا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ ، وَبَيْنَ مَا يُؤْذِيه مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَهَذَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ .".
الشيخ : هذا صحيح ، كلام المؤلف رحمه الله واضح في الرد عليهم ، يقول : أنتم الآن تفرقون الذي يلائمكم وبين الذي لا يلائمكم والذي ينفعكم والذي يضركم ، فكيف تفنون في توحيد الربوبية ، والتفريق بين هذه الأشياء هو ما جاءت به الشريعة ، فكونكم تفنون في جانب الربوبية وتنسون ما جاءت به الشريعة هذا أمر مخالف للكتاب والسنة والفطرة وحتى القياس الصحيح .
الطالب : " وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَشَرَ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ دَائِمًا فَقَدْ افْتَرَى وَخَالَفَ ضَرُورَةَ الْحِسِّ ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ عَارِضٌ كَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُه عَنْ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ، فَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ إحْسَاسُهُ بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ ، فَإِنَّ النَّائِمَ لَمْ يَفْقِدْ إحْسَاسَ نَفْسِهِ بَلْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يَسُوءُهُ تَارَةً وَمَا يَسُرُّهُ أُخْرَى ، فَالْأَحْوَالُ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالِاصْطِلَامِ وَالْفَنَاءِ " .
الطالب : بالاصطلاح والفناء .
الشيخ : وش عنك أنت .؟ اكتبوها نسخة ، لأن الذي عند مستقيم .
الطالب : الاصطلام وش هو .؟
الشيخ : الاصطلام أن يصطلم شيء بشيء فيفنى به ويذوب فيه ، هذا معناه .
الطالب : " وَالسُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَهِيَ مَعَ نَقْصِ صَاحِبِهَا - لِضَعْفِ تَمْيِيزِهِ - لَا تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْقُطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا ، وَمَنْ نَفَى التَّمْيِيزَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُطْلَقًا وَعَظَّمَ هَذَا الْمَقَامَ فَقَدْ غَلِطَ فِي الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ قَدْرًا وَشَرْعًا ، وَغَلِطَ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَفِي أَمْرِهِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ وُجُودَ هَذَا ولَا وُجُودَ لَهُ ، وَحَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ مَمْدُوحٌ وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ .".
الشيخ : حطوا وفقدان " وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ وفقدان الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ .".
الطالب : " وَإِذَا سَمِعْت بَعْضَ الصوفية يَقُولُ " .
الشيخ : بَعْضَ الشُّيُوخِ في معنى : بَعْضَ الصوفية ، قولوا يعني الصوفية .
الطالب : " يَقُولُ : أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ أَوْ أَنَّ الْعَارِفَ لَا حَظَّ لَهُ وَأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْ الْغَاسِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَهَذَا إنَّمَا يُمْدَحُ مِنْهُ سُقُوطُ إرَادَتِهِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِهَا وَعَدَمُ حَظِّهِ الَّذِي لَا يُؤْمَرُ بِطَلَبِهِ ، وَأَنَّهُ كَالْمَيِّتِ فِي طَلَبِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِطَلَبِهِ وَتَرْكِ دَفْعِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِ ، وَمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَبْطُلُ إرَادَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ ، وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ فَهَذَا مكابر مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ " .
الشيخ : مكابر ليست عندنا ، حطوها : " مكابر مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ ".
الشيخ : أنتم تتصورون قضية الفناء هذه .؟ الذين ينفون في توحيد الربوبية يرون أنهم كالسّابح في البحر تتلاطمه الأمواج وهو لا إرادة له ولا شعور ولا قدرة . ماشي معها ، إن ارتفعت ارتفع . وإن انخفضت انخفض . فهو يقول : الكل حسن ولا أفرق بين الضار والنافع ولا بين الحسن والقبح . ولا بين الواجب والمحرم ، لماذا ؟ لأنني سائر في قدر الله وتحت إرادته وسيطرته الكاملة فأنا لا أفرق.
ولا شك أن هذا كما قال المؤلف مخالف للشرع ومخالف للحسّ والعقل وللفطرة وللقدر أيضاً ، حتى القدر فيه أشياء ما ألزمنا بأن نرضى بها . هل يجوز لنا مثلاً أن نرضى بالمعاصي مع أنها بقدر الله .؟ لا يجوز أن نرضى بها وإن كانت من قدر الله ، بل يجب علينا مدافعتها وإزالة المنكر ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسناه فإن لم يستطع فبقلبه ) والحاصل أن هذه الطريقة من الفناء والتي يزعم هؤلاء الشيوخ ـ الذين يسمون أنفسهم بالعارفين بالله ـ يزعمون أن هذه هي حقيقة توحيد الربوبية .
نقول هذه حقيقة الجنون ، فإن من لا يميز لا فرق بينه وبين المجنون ، والبهيمة خير منه لأن البهيمة تميز بين ما ينفعها ويضرها ، فتأكل ما ينفعها وتترك ما يضرها .
فَمَنْ نَظَرَ إلَى الْقَدَرِ فَقَطْ وَعَظَّمَ الْفَنَاءَ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَوَقَفَ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ . ".
الشيخ : أظنه واضح السبب ... الذين ينظرون إلى الحقيقة الكونية فقط ما يمكن ... لأنهم يقولون : الكل من إرادة الله ونحن نفنى في توحيد الله توحيد الربوبية فلا نقول هذا حسن وهذا قبيح لأن الكل يعتبر حسنا عنده ، كله من تقدير الله فهو يفنى أن يشاهد الحسن والقبح فيما يقع من أفعال الله عزّ وجل ، ويقول : إن كل ما أوجده الله سبحانه وتعالى فإنه حسن ، لأنه يقف أمام القدر وقوف الميت بين يدي الغاسل ، لا يشعر بما يفعل فيه ، فهو يقول : نحن نعظم القدر غاية التعظيم بتوحيد الربوبية ونفنى بهذا التوحيد عما سواء . ومعنى الفناء فيه : الانغماس بحيث يضمحل وجود المرء في هذا الباب .
فتبين الآن أن هؤلاء الذين يعظمون الفناء في توحيد الربوبية ويقفون عند الحقيقة الكونية ، لا يميزون بين الضار والنافع لماذا .؟ لأن الكل بتقدير الله . فهم يقولون : كل ما قدر الله فلا فرق فيه ، يجب أن نستسلم للربوبية استلاما كاملا أعمى . فلا نفرق بين الضار والنافع ولا بين الحسن والقبيح ، ولا بين الظلم والعدل . لأن الكل من فعل الله . فهم يفنون في هذا التوحيد عن كلما يقع من جانب الربوبية . والإنسان الذي لا يحس بجانب الشيء طبعا لا يفرق بين أجزائه النافعة والضارة والملائمة وغير الملائمة ، هذا وجه كلام المؤلف أنه : " لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَالْعَدْلِ وَالظُّلْمِ ... " إلى آخره ، لماذا .؟ لأنهم يقولون : كل هذا بقدر الله ، فيجب أن نفنى في هذا القدر عن كل ما يصدر منه ، ومعنى الفناء هو ما نسمّيه بالذوبان ، الذوبان أمام هذا الشيء بحيث لا نحسّ ولا نفرق بين ما يكون من جانب الربوبية . واضح .؟
هذا معنى قول المؤلف : " فمن نظر إلى القدر فقط أعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف لم يميز ". لاحظوا يا جماعة لا تفوتكم هذه الأشياء معانيها ، لا تقولوا نمر عليها مر الكرام ، لأنها مهمة وهي من صميم الموضوع ، فيجب عليكم أن تعرفوا إذا مر مثل هذه الأشياء ... هذه الأخيرة مهمة .
الطالب : " وَهَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ بِالضَّرُورَةِ لِكُتُبِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَشَرَائِعِهِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ أَيْضًا لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالذَّوْقِ وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَلْتَذَّ بِشَيْءِ وَيَتَأَلَّمَ بِشَيْءِ فَيُمَيِّزَ بَيْنَ مَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَمَا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ ، وَبَيْنَ مَا يُؤْذِيه مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَهَذَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ .".
الشيخ : هذا صحيح ، كلام المؤلف رحمه الله واضح في الرد عليهم ، يقول : أنتم الآن تفرقون الذي يلائمكم وبين الذي لا يلائمكم والذي ينفعكم والذي يضركم ، فكيف تفنون في توحيد الربوبية ، والتفريق بين هذه الأشياء هو ما جاءت به الشريعة ، فكونكم تفنون في جانب الربوبية وتنسون ما جاءت به الشريعة هذا أمر مخالف للكتاب والسنة والفطرة وحتى القياس الصحيح .
الطالب : " وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَشَرَ يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ دَائِمًا فَقَدْ افْتَرَى وَخَالَفَ ضَرُورَةَ الْحِسِّ ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ عَارِضٌ كَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُه عَنْ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ، فَأَمَّا أَنْ يَسْقُطَ إحْسَاسُهُ بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ ، فَإِنَّ النَّائِمَ لَمْ يَفْقِدْ إحْسَاسَ نَفْسِهِ بَلْ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يَسُوءُهُ تَارَةً وَمَا يَسُرُّهُ أُخْرَى ، فَالْأَحْوَالُ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالِاصْطِلَامِ وَالْفَنَاءِ " .
الطالب : بالاصطلاح والفناء .
الشيخ : وش عنك أنت .؟ اكتبوها نسخة ، لأن الذي عند مستقيم .
الطالب : الاصطلام وش هو .؟
الشيخ : الاصطلام أن يصطلم شيء بشيء فيفنى به ويذوب فيه ، هذا معناه .
الطالب : " وَالسُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْإِحْسَاسِ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَهِيَ مَعَ نَقْصِ صَاحِبِهَا - لِضَعْفِ تَمْيِيزِهِ - لَا تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ يَسْقُطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا ، وَمَنْ نَفَى التَّمْيِيزَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُطْلَقًا وَعَظَّمَ هَذَا الْمَقَامَ فَقَدْ غَلِطَ فِي الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ قَدْرًا وَشَرْعًا ، وَغَلِطَ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَفِي أَمْرِهِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ وُجُودَ هَذَا ولَا وُجُودَ لَهُ ، وَحَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ مَمْدُوحٌ وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ .".
الشيخ : حطوا وفقدان " وَلَا مَدْحَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ وفقدان الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ .".
الطالب : " وَإِذَا سَمِعْت بَعْضَ الصوفية يَقُولُ " .
الشيخ : بَعْضَ الشُّيُوخِ في معنى : بَعْضَ الصوفية ، قولوا يعني الصوفية .
الطالب : " يَقُولُ : أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ أَوْ أَنَّ الْعَارِفَ لَا حَظَّ لَهُ وَأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْ الْغَاسِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَهَذَا إنَّمَا يُمْدَحُ مِنْهُ سُقُوطُ إرَادَتِهِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِهَا وَعَدَمُ حَظِّهِ الَّذِي لَا يُؤْمَرُ بِطَلَبِهِ ، وَأَنَّهُ كَالْمَيِّتِ فِي طَلَبِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِطَلَبِهِ وَتَرْكِ دَفْعِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِ ، وَمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَبْطُلُ إرَادَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ ، وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ فَهَذَا مكابر مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ " .
الشيخ : مكابر ليست عندنا ، حطوها : " مكابر مُخَالِفٌ لِضَرُورَةِ ".
الشيخ : أنتم تتصورون قضية الفناء هذه .؟ الذين ينفون في توحيد الربوبية يرون أنهم كالسّابح في البحر تتلاطمه الأمواج وهو لا إرادة له ولا شعور ولا قدرة . ماشي معها ، إن ارتفعت ارتفع . وإن انخفضت انخفض . فهو يقول : الكل حسن ولا أفرق بين الضار والنافع ولا بين الحسن والقبح . ولا بين الواجب والمحرم ، لماذا ؟ لأنني سائر في قدر الله وتحت إرادته وسيطرته الكاملة فأنا لا أفرق.
ولا شك أن هذا كما قال المؤلف مخالف للشرع ومخالف للحسّ والعقل وللفطرة وللقدر أيضاً ، حتى القدر فيه أشياء ما ألزمنا بأن نرضى بها . هل يجوز لنا مثلاً أن نرضى بالمعاصي مع أنها بقدر الله .؟ لا يجوز أن نرضى بها وإن كانت من قدر الله ، بل يجب علينا مدافعتها وإزالة المنكر ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسناه فإن لم يستطع فبقلبه ) والحاصل أن هذه الطريقة من الفناء والتي يزعم هؤلاء الشيوخ ـ الذين يسمون أنفسهم بالعارفين بالله ـ يزعمون أن هذه هي حقيقة توحيد الربوبية .
نقول هذه حقيقة الجنون ، فإن من لا يميز لا فرق بينه وبين المجنون ، والبهيمة خير منه لأن البهيمة تميز بين ما ينفعها ويضرها ، فتأكل ما ينفعها وتترك ما يضرها .