تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فأمره مع الاستغفار بالصبر ; فإن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ( يا أيها الناس ! توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) وقال : ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة ). وكان يقول : ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ; اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي ; اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ) وقد ذكر عن آدم أبي البشر أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه ; وعن إبليس أبي الجن - لعنه الله - أنه أصر متعلقا بالقدر فلعنه وأقصاه فمن أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه ومن أشبه أباه فما ظلم قال الله تعالى : (( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما )) . ولهذا قرن الله سبحانه بين التوحيد والاستغفار في غير آية كما قال تعالى : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) وقال تعالى : (( فاستقيموا إليه واستغفروه )) وقال تعالى : (( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى )) وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره : ( يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ; فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) وقد ذكر سبحانه عن ذي النون أنه نادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال تعالى : (( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه ) . ". حفظ
الشيخ : " فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ ... ".
الطالب : " فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلَى رَبِّكُمْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةٍ ) وَقَالَ : ( إنَّهُ ليغان عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) ".
الشيخ : يغان عليه : معناه يضيق حتى يستغفر ، وهذه من نعمة الله على العباد أن الإنسان إذا لها عن العبادة حس بشيء في نفسه حتى يرجع إلى عبادة الله ، وانظر ما حصل حين سلم الرسول صلى الله عليه وسلم من إحدى صلاتي العشي ، سلم من ركعتين ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد وشبك بين أصابعه ، واتكأ عليها كأنه غضبان ، يعني أنه منقبض النفس محجم مثل الغضبان ، لماذا .؟ لأن عبادته لم تكمل ، وهذا إحساس نفسي لا يشعر به المرء ، لكنه من نعمة الله على العبد إذا حصل له مثل هذا يحصل هذا الانقباض ليعود إلى العبادة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يغان على قلبه وهو يستغفر في اليوم مئة مرة . أما الإنسان الذي لا يحس بهذه الأمور ويبقى على ضلاله وعلى معصيته ولا يحس بطاعة ولا بمعصية .
الطالب : " وَكَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي وَهَزْلِي وَجِدِّي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ) .".
الشيخ : في هذا الحديث دليل واضح على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يخطئ ، وأنه ليس معصوما من الذنوب ، خلافاً لمن قال إنه معصوم من الذنوب ، فالذين يقولون بأنه معصوم من الذنوب قولهم خطا جدا .
فالله في القرآن يقول : (( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )) (( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ )) (( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ )) والغريب أن الذين يقولون بأنه معصوم يحرفون القرآن تحريفاً بالغاً يقول : (( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ )) أي : ليغفر لأمتك ، طيب : (( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )) ما يقدرون يجيبون عليها ، لأنه ذكر لذنبك وللمؤمنين .
لكن الشيء الذي يجب أن نعرفه هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ ، وهذا هو الفرق بينه وبين غيره ، غير النبي يمكن يعمل بالخطأ ويمشي ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر لا شرعا ولا قدرا على معصية ، إما أن ينبهه الله عز وجل بالوحي مثل : (( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) وإما أن ييسر له ذلك قدراً فيقلع عنه ، مثل : ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله ) .
وهل إذا قلنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد يخطأ ولكنه معصوم من الإقرار على الخطأ ، هل في ذلك قدح فيه .؟ لا ، بل هذا غاية الكمال ، و كم من إنسان ابتلي بذنب وتاب منه ، وكان بعد التوبة أحسن حالا منه قبلها ، وهذا شيء مشاهد ، لأن النفس إذا عصت وعرفت قدرها ولجأ الإنسان إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار وكثرة الأعمال الصالحة ، كان في هذا مصلحة عظيمة وكبيرة ، بخلاف الإنسان المستمر على حالة واحدة فإنه قد لا يحصل له ...
الطالب : " وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ إلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ ، وَعَنْ إبْلِيسَ أَبِي الْجِنِّ أَنَّهُ أَصَرَّ مُتَعَلِّقًا بِالْقَدَرِ " .
الشيخ : عندكم : " لَعَنَهُ اللَّهُ " هذا خطأ اشطبوا عليه ، هذه دائما يقول الناس لعنه الله ما يصلح .
الطالب : ... .
الشيخ : خبر هذا ليس دعاء ، لو قال : عن إبليس أبي الجن اللعين ، لا بأس و أما لعنه الله فهو دعاء بتحصيل حاصل ، وال يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألعنك بلعنه الله ) لما تخلف عليه الشيطان وهو يصلي ، لأن هذا يقول : ألعنك أنت ، يعني أطردك وأبعدك ، وليس يدعو عليه بأن يلعنه الله ، فالمشهور لنا عندما يذكر إبليس ، المشهور لنا : أعاذنا الله منه ، أو نحو هذا ، وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب زاد المعاد ، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول لعن الله إبليس أو أخزى الله إبليس أو ما أشبه ذلك ، وأن ذلك مما يزيده كبرا ، يقول هذا ابن آدم يدعو عليّ بهذا الدعاء ، لكن أنت إذا استجرت بالله منه وقلت : أعوذ بالله منه ، فهذا هو المشروع ، المهم أن النسخ الصحيحة ما هي موجودة ، التي عندنا أصح من النسخة التي عندكم .
الطالب : " فَلَعَنَهُ وَأَقْصَاهُ ، فَمَنْ أَذْنَبَ وَتَابَ وَنَدِمَ فَقَدْ أَشْبَهَ أَبَاهُ ، وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) وَلِهَذَا قَرَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ آيَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ )) وَقَالَ تَعَالَى : (( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )) وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرُهُ : ( يَقُولُ الشَّيْطَانُ أَهْلَكْت النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ ، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ بَثَثْت فِيهِمْ الْأَهْوَاءَ ، فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلَا يَتُوبُونَ ، لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) .".
الشيخ : ما هو الاستغفار .؟ الاستغفار هو طلب المغفرة ، والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه ، يدل على ذلك :
أولاً : الاشتقاق لأنه مشتق من المغفر ، والمغفر يستر الرأس ويقيه ، فالاستغفار هو ستر الذنب والتجاوز عنه ، أن يوقى الإنسان عقوبته ، وليس مجرد الستر كما قيل ، لأن مجرد الستر ليس فيه غفر ، ويدل لذلك أيضاً مع دلالة اللغة التي أشرت إليه قوله تبارك وتعالى في الحديث : أن الله تعالى يخلو بعبده المؤمن ويقرره بذنوبه فيقول : ( عملت كذا يوم كذا وكذا فإذا أقر قال : قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) ففرق بين الستر وبين الغفر ، ففي الدنيا ستر وفي الآخرة مغفرة ، يعني أنه لا يؤاخذ عليها ، فأنت إذا قلت : أستغفر الله ، يعني أسأله تعالى أن يستر علي ذنوبي وأن يقيني عذابها ، ليس مجرد الستر أي نعم .
الطالب : " وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ ذِي النُّونِ أَنَّهُ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ : (( أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ )) وقَالَ تَعَالَى : (( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )) وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كَرْبَهُ ) .".
الشيخ : ذي النون وش معناه .؟ يعني صاحب الحوت ، فالنون الحوت ، وليس منه قوله تعالى : (( ن والقلم وما يسطرون )) فإن : (( ن )) هذه حرف هجاء ، وليست اسما للحوت كما قيل به ، لأن النون للحوت كيف يكتب ؟ يكتب بحسب لفظه النون ثم الواو ثم النون .