تعليق الشيخ على قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن هذا الباب احتجاج آدم وموسى لما قال : ( يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ; لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه فبكم وجدت مكتوبا علي من قبل أن أخلق : (( وعصى آدم ربه فغوى )) .؟ قال : بكذا وكذا فحج آدم موسى . وذلك أن موسى لم يكن عتبه لآدم لأجل الذنب فإن آدم قد كان تاب منه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ; ولكن لأجل المصيبة التي لحقتهم من ذلك . وهم مأمورون أن ينظروا إلى القدر في المصائب وأن يستغفروا من المعائب كما قال تعالى : (( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك )) .". حفظ
الطالب : " ومنْ هَذَا الْبَابِ احْتِجَاجُ آدَمَ وَمُوسَى لَمَّا قَالَ موسى : يَا آدَمَ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ ، لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمَ : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِكَلَامِهِ فَبِكَمْ وَجَدْتَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ : (( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )) .؟ "
الشيخ : يعني هذا مكتوب عليه ، هذه المعصية مكتوبة علي قبل أن أخلق .
الطالب : " قَالَ : بِكَذَا وَكَذَا ، فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ عَتْبُهُ لِآدَمَ لِأَجْلِ الذَّنْبِ ، فَإِنَّ آدَمَ قَدْ كَانَ تَابَ مِنْهُ ، وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . وَهُمْ مَأْمُورُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى الْقَدَرِ فِي الْمَصَائِبِ ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرُوا مِنْ المعائب كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ )) .".
الشيخ : هذا الحديث كما تعرفون القصة فيه : هو أن آدم وموسى عليه الصلاة والسلام تحاجوا ، فموسى عليه الصلاة والسلام احتج على آدم قال : لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة .؟ ونسب الإخراج إليه لأنه هو سببه ، هو الذي عصى فأخرج بمعصيته من الجنة ، طيب لكن آدم قال له : غن هذا أمراً قد كتبه الله علي ، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن أخلق ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فحج آدم موسى ) بمعنى غلبه في الحجة .
هذا الحديث اختلف فيه الناس ، فالمعتزلة أنكروه وكذبوه مع أنه ثابت في الصحيحين ، لكن طريقة المعتزلة أنه إذا جاءت الأحاديث على خلاف رأيهم لا يبالون أن يطعنوا بها وينكروها ويكذبوها ويقولون أن الرواة كلهم كذابون لا يبالون به .
ومنهم من قبل هذا الحديث واحتج به على الجبر وهؤلاء الجبرية . شف الآن طائفتان : طائفة أنكرت الحديث وهم القدرية المعتزلة ، وطائفة قبلت الحديث واحتجت به على باطلها وهو الجبر .
وأهل السنة والجماعة قبلوا الحديث ولم يحتجوا به على الجبر ، قالوا : لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما أراد أن يحتج على آدم بفعل المعصية ، وآدم ما أراد أن يبرر المعصية بأنها كتبت عليه ، ولكن موسى احتج على آدم قال : لماذا أخرجتنا ، ولم يقل : لماذا عصيت ، والإخراج من الجنة مصيبة ، فهو عاتبه على المصيبة التي هو سببها لا على ذنبه ، لأن ذنبه تاب منه ، ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له ، وموسى عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يجهل أن آدم ليس عليه لوم بعد أن تاب ، ولهذا قال : (( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) .
خليكم معنا ، لأن هذا الحديث من المشكلات في الواقع ، لأنه إذا صححناه قد نذهب إلى القول بالجبر ، ولكننا عندما نسلك ما سلكه شيخ الإسلام ابن تيمية ، نقول : هنا لا جبر ، وموسى إنما احتج على آدم لا بالمعصية ولكن بالمصيبة ، كأنه يقول : كيف أخرجتنا كيف فعلت هذه المعصية التي أخرجتنا من الجنة ، لا التي كانت ذنبا لك ، فآدم عليه الصلاة والسلام قال : هذا أمر قد كتب ، الإخراج قد كتب قبل أن أخلق ، ولكن السبب مني ، والإخراج مكتوب من قبل وأنا سببه وسببه قد تبت منه فلا لوم عليّ فيه .
فيكون هنا من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب أو على المعائب .؟ على المصائب ، ولهذا يقول المؤلف رحمه الله : " وهم مأمورون أن ينظروا إلى القدر في المصائب " وليس هنا احتجاجاً بالقدر على العايب ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية .
وذهب تلميذه ابن القيم إلى مسلك آخر وقال : إن الحديث إذا حملناه على أنه احتجاج من موسى على آدم للإخراج فقط ، فإن في هذا تعسفاً ، ثم قد يكون مردوداً فيقال : الإخراج ما سببه .؟ المعصية ، فيكون الاحتجاج على الإخراج احتجاجاً على سبب الإخراج ، لأنه لولا السبب ما حصل الإخراج ، ولكن يقول ابن القيم : نذهب إلى القول بأن الاحتجاج بالقدر على المعاصي بعد الفعل هذا لا بأس به ، لأنه حقيقة ، ولكن ليس حجة للمرء على الاستمرار ، يحتج به أي بالقدر على المصيبة بعد فعلها مع أنه يجب أن يتوب ، وأيّد رأيه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى علي بن أبي طالب وفاطمة وهما نائمان لم يقوما في الليل ، فقال : ( ما منعكما أن تقوما ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فقال عليّ : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله لو شاء أن نقوم لقمنا ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذه ويقول : ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ).
فهنا احتج عليّ بالقدر لكن بعد وقوع الأمر ، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حقيقة قد نقول إنه لم يقرّه ، لأنه جعل هذا من باب الجدل ، بدليل قوله : (( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا )). ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه هذا الجدل بل جعله جدلا ولكنه لم ينكره .
فالمهم يا جماعة أن ما ذهب إليه ابن القيم جيد ، فصارت الآن المسالك في هذا الحديث للناس أربعة ، ويجب أن نعرفها يجب أ، نعرف مسالك الناس في هذا الحديث :
قوم قبلوه واحتجوا به على القدر أي على الجبر .
وقسم آخر أنكروه وقالوا هذا لا يصح ، لأنه يخالف مذهبهم وهم القدرية .
وآخرون قبلوه وجعلوه من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعايب ، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية .
وآخرون قبلوه وقالوا إنه من باب الاحتجاج بالقدر على المعايب بعد أن تفلت من الإنسان وأن تقع منه ، وهو حينئذ له أن يحتج بأن هذا أمر قد كتب عليه ، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه ، ويرجع إلى الله ، ففرق بين الذي يحتج بالقدر على معصيته ويستمر ، والذي يحتج بالقدر على معصية زالت منه مع استعتابه منها .
أظن بينهما فرق ، واحد مثلا قيل له : ليش فاتتك صلاة الفجر .؟ قال : والله هذا القضاء والقدر ولكني أستغفر الله ولن أعود ، ماذا نقول له ، نقول : هذا صحيح إذا كان فعل الأسباب التي تنبهه ، ولكنه فاته بغير اختياره ، لكن رجل يقول : والله هذا قدر وقدر ، ويجي الظهر ما صلى ، ليش قال : القدر ، العصر ما صلى ، قضى وقدر وامشي ، يصلح هذا .؟ هذا ما يصلح ، لأنه الآن تبين أن الرجل مبطل يريد أن يجعل القضاء والقدر حجة له على معاصي الله .
الطالب : ... القدرية .؟
الشيخ : القدرية يرون أن فعل العبد لا تعلق لله به ، وهنا آدم احتج بقدر الله على فعله .
الطالب : ... .
الشيخ : أنا أميل إلى رأي ابن القيم ، لأن تصور ما قاله شيخ الإسلام بالنسبة للحديث فيه صعوبة ، قد يكون تمحلا ، مثل ما قلت لكم أنه إذا كان سبب الإخراج هو فعل آدم ، ففاعل السبب فاعل للمسبب أي نعم .