كلمة حول طلب العلم وأنه ينقسم إلى فرض عيني وآخر كفائي حفظ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد فإن طلب العلم الشرعي فضلا عن غيره من العلوم ينقسم إلى قسمين فرض عين وفرض كفاية. أما فرض العين فهو الذي يتعلق وجوب تعلمه بكل فرد من أفراد المسلمين المكلّفين، وأمّا الفرض الآخر وهو الفرض الكفائي فهو الذي يتعلّق بالعلماء الذين ذكروا في القرآن الكريم في غير ما آية كمثل قوله تعالى (( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) وقوله (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) وقولي أخيرا (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) هؤلاء يجب عليهم وجوبا كفائيا أن يتعلموا ما لا يجب عليهم وجوبا عينيا أما الواجب العيني فيختلف من مكلف إلى آخر وذلك يتضح ببعض الأمثلة السهلة فهمها، مثلا الرجل الفقير الذي لا يملك النصاب الذي حال عليه الحول ويجب عليه بالتالي زكاة هذا الرجل لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة وبالتالي لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الحج إلى بيت الله الحرام لأنه بالنسبة للحج فهو غير واجب عليه وبالنسبة للزكاة فهو لا يملك النصاب، أما من كان يملك النصاب فيجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة كما يجب عليه أن يعرف أحكام الحج هذا مثال للفرض العيني الذي يجب على كل مسلم أن يتعلمه ولا شك أن أول أركان الإسلام بعد الشهادتين إنما هي الصلاة، فإذا معرفة أحكام الصلاة معرفة شروطها وأركانها وواجباتها وسننها وهيئاتها هو من الفروض العينية لأن كل مصلّ بغض النظر عن فقره وغناه يجب عليه أن يتعلم كيفية الصلاة، والتعلم له طريقتان بعد هذا البيان نقول التعلم له طريقتان الطريقة الغالبة والتي كانت في الأيام الماضية سائدة هي طريقة الحلقات العلمية حيث كان الرجل العالم يجلس في المسجد أو في مكان آخر ويجتمع حوله الراغبون في طلب العلم فيعلمهم مما علمه الله تبارك وتعالى، هذه الطريقة مع الأسف الشديد أصبحت في هذه الأيام الأخيرة التي نعيشها ونحياها أصبحت نسيا منسيا ولعلنا نستطيع أن نقول إنّ هناك سببا واضحا وقويا جدا في عدم تحقق هذه الحلقات العلمية ألا وهي قيام المدارس النظامية مكانها وأنها حلت محلها، ولكن هذه المدارس التي حلت محلّ الحلقات العلمية التي كانت قائمة في الأزمنة الماضية هذه المدارس مع الأسف الشديد لا تقوم بواجب تقديم العلم إلى طلاب العلم فضلا عمّن ليسوا من طلاب العلم، في الأثر الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنه قال " كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابعة فتهلك " فإذًا هنا ثلاث مراتب الأولى كن عالما، والثانية كن متعلما، والثالثة كن مستمعا فهذه المدارس خسّرت المجتمع الإسلامي القسم الثالث وهم المستمعون الذين لا هم علماء ولا هم من طلاب العلم ولنقل اليوم ولا هم من طلاب المدارس وإنما هم مستمعون فأين وفي أي مكان يتمكنون من الاستماع للعلم وقد يكون علما عينيا لا سبيل لهم إلا هذه الحلقات العلمية التي أصبحت اليوم كما قلت آنفا نسيا منسيا حل محّلها طريقة أخرى وهي بلا شك طريقة شرعية نابعة من مثل قوله تعالى في الآية الأخيرة التي ذكرتها الآية الثالثة التي وردت في حق العلماء ألا وهي قوله تبارك وتعالى (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))، هذه الآية قد سنت للمسلمين كافة أن يطلبوا العلم ليس بالطريقة التي أصبحت اليوم نسيا منسيا حلقات علمية ومجالس علمية منظمة، وإنما بطريقة السؤال والجواب (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ولما كانت الحلقات العلمية تتطلب شيئا من التنظيم للحلقات وللدروس فهذا التنظيم يتطلب استمرارا ومتابعة لإلقاء الحلقات لطلاب العلم، أما الوسيلة الثانية التي جاء ذكرها والإشارة إليها في الآية الكريمة (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) فهذه ما تحتاج إلى شيء من مثل هذا التنظيم وهذا الترتيب، لهذا نقول إذا كان لا سبيل لنا لتنظيم مجالس حلقات علم فلا أقلّ من أن نفتح باب توجيه الأسئلة من كل فرد من أفراد الحاضرين لأن لكلّ منهم معرفة تختص به قد لا يكون بحاجة إليها الآخر من الجالسين في الحلقة، وعلى هذا نقول كما قال عليه الصلاة والسلام في قصة معروفة الوقت الآن ضيق لا حاجة بنا أن نطيل الكلام بذكرها وإنما أقتبس منها قوله عليه الصلاة والسلام ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال ) فالآن اسألوا ومن كان له سؤال فليرفع يده وليس أصبعه.