ذكر مثال آخر على السنة التقريرية على مسألة خروج الدم هل ينق الوضوء أو لا حفظ
الشيخ : مثال آخر نؤكد لكم هذه القاعدة وهي أيضا مسألة إختلف العلماء فيها كالمسألة الأولى، إختلف العلماء في خروج الدم من المتوضئ هل ينقض الوضوء أم لا؟ في المسألة الأولى كان فيها قولان أما في المسألة الأخرى ففيها ثلاثة أقوال ينقض مطلقا ولا ينقض مطلقا وينقض بالكثير منه لا القليل ثلاثة أقوال - وعليكم السلام - بادئ ذي بدء أقول لا يوجد نص أيضا صريح من قوله عليه السلام الصحيح أنه ينقض أو لا ينقض من قوله كذلك لا يوجد لدينا نص من فعله لكن عندنا قصة تشبه قصة معاذ مع قومه لكن فيها روعة وفيها رهبة وخشية يخشع لها قلب المسلم حينما يسمعها بسياقها كما جاء ذكره في * سنن الدراقطني و سنن البيهقي * بل و* مستدرك أبي عبد الله الحاكم النيسابوري * أيضا من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال: ( غزونا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبنا فيها امرأة من المشركين - أي قتلنا في جملة من قتلوا من الكفار الذين هجم المسلمون عليهم في ديارهم قتلوا امرأة - قال: جابر وكان زوجها غائبا فلما رجع وأخبر الخبر حلف ألا يدخل القرية حتى يثأر ثأرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتتبع آثار القوم ) وتعرفون العرب كانوا قديما لهم علم خاص بتتبع آثار الأقدام في سيرهم في الصحراء ( تتبع ذلك المشرك آثار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى وصل به الأمر إلى واد كان قد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الليل وهم في هذا الوادي فنزلوا فيه وقال لأصحابه من يكلؤنا الليلة - من يحرسنا الليلة - فقام رجلان شابان من الأنصار أحدهما أوسي والآخر خزرجي فقالا نحن يا رسول الله - أي نقوم بواجب الحراسة - قال: كونا على فم الشعب - طريق في الجبل - فانطلقا للقيام بواجب الحراسة هناك اتفقا على أن يتناوبا الحراسة ) يحرس أحدهما نصف الليل الأول بينما ينامه الآخر والعكس بالعكس فوضع أحدهما جبنه ونام فقام الآخر يحرس ولكن هنا تبدأ الروعة في القصة والخشية لم يرد هذا الصحابي الجليل أن يضيع تلك الليلة الهادئة لوظيفة واحدة وهي الحراسة وهي في الواقع تكفيه فضلا لكن الرغية في عمل الخير قد صور له أن يقوم بعبادة أخرى بالإضافة إلى الحراسة التي جاء فيها قوله عليه السلام في بعض الأحاديث في غير هذه القصة ( عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين حرست في سبيل الله ) فهو إذا حارس في سبيل الله فقد أخذ هذه البشارة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما تعاهدا للنبي عليه السلام أن يقوما بحراسة الجيش لم يقنع بهذه العبادة فقط بل أراد أن يضم إليها عبادة أخرى وهي أن يصلي لله والناس نيام، قام إذا يصلي وهو يحرس يراقب بعينه لعل عدوا يباغت الجيش النائم - وعليكم السلام - وكان المشرك يراقب الوضع بدقة متناهية لينفذ يمينه ألا يدخل القرية حتى يأثر ثأرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا به يرى ذلك الصحابي ينتصب غير بعيد منه يقوم يصلي فما كان منه إلا أن أخرج حرية من كنانته فوضعها في قوسه فرماه بها يقول جابر وهذه كناية عن دقة الرماية ( فوضعها في ساقه ) ما بيقول أصابه في ساقه وضعها في ساقه كأنما الرماية كانت بالوضع باليد ماذا فعل هذا الصحابي؟ إنه رمى هذه الحربة أرضا والدماء تنضح منه نضحا وهو قائم يصلي فلما رأى المشرك أن هدفه لا يزال قائما عرف أنه لم يصب منه مقتلا فرماه بالحربة الثانية فوضعها في ساقه لكنه استمر ومضى هكذا ثلاث حراب في كل حربة يضعها في ساقه يقول جابر رضي الله تعالى عنه ( فإما استيقظ صاحبه وإما صاحبه أيقظه فلما رأى ما بصاحبه من دماء هاله الأمر وسأله الخبر فقال: ) وهنا الشاهد من حيث الخشية أما المثال فهو قد وضح لكم قال سائلا عما أصابه قال: ( لقد كنت في سورة أقرأها ) هناك عبارة يستعملها الصوفية ويضعونها في غير موضعها يقولون فلان في الذكر " أخذه الحال " تفهمون هذه الكلمة أظن يعني بيكون عم يذكر وإذا به يقع يطيح في الأرض شو بو " أخذه الحال " أكثرهم كاذبون كما جاء عن بعض السلف قيل لأحدهم وهو من فقهاءهم ولا شك أن هؤلاء الناس حينما يقع أحدهم يقولون هذا كيف وقع؟ قال من خشية الله قال ذلك الفقيه العالم قال إن كان صادقا فنحن نضعه على هذا الجدار ثم نقرأ عليه ما شاء الله من كلام الله القرآن فإن أخذه الحال يكون صادقا طبعا هذه الصورة لا تقع لكن حقيقة أن هذا الصحابي الجليل أخذه الحال غاب عن وجوده لم يعد يشعر بألم جراحاته لذلك عبر عن ذلك بقوله ( لقد كنت في سورة أقرأها فوالذي نفسي بيده لو لا أني خشيت أن أضيع ثغرا وضعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حراسته لكانت نفسي فيها ) يعني كان هلاكي فيها لكنه عاقل غاب عن ألمه لكنه سبحان الله ما غاب عن عقله وفكره إنه فكر هو الآن في طاعة الله وفي عبادة الله فلو أنه صبر على ما هو من الشعور بهذا التجلي الإلهي لاستمر المشرك في رميه ثم لا بد أن يأتيه اليقين فإن هو فعل ذلك وصبر على رمي المشرك حتى الموت ضيع وظيفة أمره الرسول عليه السلام بالقيام بها ألا وهي حراسة الصحابة إذا أنا لا أوثر هواي ولو كانت في طاعة الله عز وجل على إضاعة مصلحة حراسة المسلمين لأنه إن آثر هواه فقد يأتي جيش من المشركين فيقضي على هؤلاء الصحابة النائمبن وبكون هو السبب في ذلك لأنه تجاوب مع هواه طاعة للشيطان كلا طاعة للرحمن لكن هناك مصلحة أعظم من مصلحته الشخصية التي هي الاستمرار في تلك العبادة لله عز وجل لذلك هو اقتصر على ركعتين فقط ليس خوفا من الموت وإنما خوفا لنقل من عندي من الموت المعنوي وهو الإخلال بواجبه بالقيام بوظيفة حراسته لأصحابه إلى هنا تنتهي هذه القصة الرائعة كما تشعرون معي الشاهد منها هذا رجل صحابي كمعاذ وأنصاري أيضا كمعاذ لو كان قد تلقى من مدرسته التي تخرج منها وهي مدرسة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لو كان تلقى منها أن الدم ينقض الوضوء مجرد أن شعر بالرمية الأولى وبالمسيلة الأولى من دماءه من بدنه لقطع الصلاة لأنه انتقض وضوءه على دعوى أن خروج الدم ينقض وبانتقاض وضوءه بطلت صلاته، لكن لم يكن شيئا من ذلك بل صبر على كل جراح الرمية الثانية والثالثة حتى صلى ركعتين إذا هذا الصحابي لم يتلق من مدرسته النبوية أن الوضوء ينتقض بخروج الدم مهما كان كثيرا، هنا أيضا يجري النقاش بين المذهبين مذهب الشافعي رحمه الله الذي يقول الدم لا ينقض الوضوء وهذا من حججه ومذهب الحنفية الذين يقولون أن الدم ينقض الوضوء مهما كان قليلا مجرد أن يخرج من مكان الجرح ولو بمقدار الألف هؤلاء ماذا يجيبون عن حديث الأنصاري هذا الجريح قالوا ليس أيضا كما قالوا في قصة معاذ ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ما وقع لهذا الصحابي فأقره لا يوجد شيء من هذا الجواب هو نفس الجواب المتعلق بقصة معاذ لكن هنا الأمر أقوى ذلك أن هذه القصة فيها غرابة متناهية وهذه الغرابة تبعد إبعادا كليا احتمال أن تخفى هذه القصة ليس على محمد عليه السلام باعتباره نبيا رسولا وإنما باعتباره رئيس جيش يلأمر الناس بالنزول في مكان ويأمر الرجلين بالقيام بواجب الحراسة إلى آخره فيصاب أحد الحارسين برمية الأولى وثانية وثالثة ويستمر في صلاته ثم ذلك يعلمه جابر ولا يعلمه نبي جابر هذا أبعد ما يكون عن العقل السليم مع ذلك فجوابنا هو أيضا الجواب السابق إن كان لم يعلم رسول الله هذه الحادثة العجيبة الغريبة فلا شك أن الله عز وجل قد علم ذلك فلو كان خروج الدم ناقضا للوضوء لأوحى الله عز وجل إلى نبيه عليه الصلاة والسلام بأن فلانا وقع له كذا وكذا واستمر في صلاته وهذا لا يجوز لأن خروج الدم ناقض للوضوء إذا كان من قواعد علماء أصول الفقه أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة هذا يقولونه بالنسبة للرسول الذي هو لا يخرج عن كونه بشرا بنص القرآن الكريم لكنه اصطفاه رب العالمين على البشر برسالته كما قال في القرآن الكريم: (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي )) فهو إذا شر مثلنا لكن يوحى إليه فإذا قلنا إنه من المحتمل كما قلنا في القصة الأولى أن يخفى ذلك عن رسول الله وهذا بعيد جدا لما ذكرت آنفا فلا يخفى ذلك على الله فإذا كان لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة فذلك بالنسبة لله رب العالمين المشرع الحقيقي إذا كان يريد أن يحرم شيئا وجاءت مناسبته فإذا هو سوف يبين فهنا جاءت المناسبة وما بين للرسول ليقوم الرسول بواجب (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) إذا إقرار الرسول عليه السلام للشيء يقع في زمانه سواء بافتراض أنه اطلع أو بافتراض أنه ما اطلع كما يريد بعض الفقهاء أن يدعوا ذلك فالله عز وجل من وراءه مطلع ومحيط فإقرار الرسول عليه السلام للشيء يقع في زمنه ولو بغيبة عنه وببعد عنه فما دام أنه لم يصدر حكما يخالف ذلك الواقع يصبح ذلك الواقع حكما شرعيا.