كلام الشيخ حول علة تحريم الصور حفظ
الشيخ : على أني أرجو أن لا يفوتني التذكير بأن القول بأن هذا الحديث يدل على أن علة تحريم التصوير هو المضاهاة، هذا كلام لا يسلم به، نحن نقول: هذا الحديث يدل على أن المضاهاة علة، لكن لا يدل على أن المضاهاة هي العلة، وأرجو أنكم معكم في التفريق بين الأمرين، وحينئذ لا يمكننا أن ننكر علة اقتبسها العلماء من دراسة تاريخ الأمم التي كانت قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتي نص بعض الآيات القرآنية على بعض تلك الأمم، وأن الصور والتماثيل كانت من أسباب ضلالهم وانحرافهم عن توحيد الله عز وجل توحيد العبادة، فكلكم يذكر معي قوله تعالى في سورة نوح: (( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ))، يقول ابن عباس رضي الله عنه وهو كما تعلمون ترجمان القرآن كما في صحيح البخاري وتفسير ابن جرير الطبري وابن كثير الدمشقي وغيرهم: كان هؤلاء الخمسة عبادا لله صالحين، فلما ماتوا دفنوهم في أفنية دورهم، ومضى عليهم زمن، ثم جاءهم الشيطان فأوحى إليهم أن بقاء هؤلاء هكذا _بسم الله_ قد يذهب ذكرهم وتضيع سيرتهم، وهم كما تعلمون كانوا من عباد الله الصالحين، لذلك أنا أنصح لكم أن تتخذوا لهم أصناما، فاستجابوا، ووضعوها في مكان، وبدؤوا بدل ما كانوا يزورون قبورهم صاروا يزورون أصنامهم، ثم جاء الجيل الثالث فأوحى إليهم بأنه عليكم أن تضعوهم في أماكن يليق بصلاحهم وقداستهم ونحو ذلك، وهكذا درجهم من زيارة القبور إلى أيش؟ عبادة هؤلاء الخمسة، فأرسل الله عز وجل كما تعلمون نوحاً ودعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فكان جوابهم أن تعاهد بعضهم مع بعض (( لا تذرن آلهتكم )) إلى آخره.
إذن هناك علة أخرى مقتبسة من واقع الأمم ومن هذه الآية الكريمة وهي أنها سبب للإشراك بالله عز وجل شرك العبادة الشرك الأكبر.
وشيءٌ ثالث وأخير: أهل العلم والفقه يعلمون أن الله عز وجل يحرم بعض الأشياء لا لأنها في نفسها محرمة، وإنما لأنها قد تؤدي إلى محرم، وهذا كما تعلمون يسمى بباب سد الذرائع، ومن أوضح الأمثلة على ذلك بعد قوله تعالى: (( وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) وقوله: (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) قوله عليه السلام: ( كُتب على ابن آدم حظُه من الزنا فهو مدركه لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه )، إذن حرّم ما ذكر في الحديث قبل الفرج خشية الوصول إلى الفاحشة الكبرى، فهذا اسمه من باب سد الذريعة، وإلا الرجل إذا نظر إلى امرأة ما أضر بها ولا أضر بنفسه آنيا، لكن مثل ما قال ذاك الشاعر وهو شوقي:
" نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء"
إذن يكفي أن نحرم هذه الصور الفوتوغرافية وهذا كله بعد التساهل بغض النظر عما سبق بيانه، لكن هذه صورة وهذه صورة، مثل ما كانت الصور سابقا أنواع وأشكال، صور حيوانات، صور بشر إلى آخره، فحرمت كلها خشية أن تؤدي إلى الإشراك بالله عز وجل. كذلك ينبغي القول بأن هذه الصور أيضا لو فرضنا ليس فيها مضاهاة، لو فرضنا أنه ليس فيها ضرر كالضرر الذي استثنيته في السؤال الذي لا يمكن لأحد أن ينكره، لو فرضنا أنه ما في ضرر لكن من باب سد الذريعة كما فعل الشارع الحكيم من قبل، نحن نقول إعمالا لهذا القاعدة التي لا يمكن لأحد إنكارها أن هذه الصور محرمة إلا ما استثني سابقا.
هذا ما عندي جوابا عن هذا السؤال. لعلك اكتفيت مشان نفسح المجال ما دام الأستاذ هنا يقول ربما يكون على سفر بعد يومين.
الطالب : سؤال أخير.
الشيخ : نعم؟
الطالب : سؤال أخير.
الشيخ : تفضل. خاصة أنكم أنتم ستسافرون الساعة عشرة.
الطالب : عشرة صباحا أو عشرة مساء؟
الشيخ : لا، مساء.