كلام الشيخ على حديث ( إذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين ) وترجيحه أن هذا الحديث محكم وليس بمنسوخ . حفظ
الشيخ : أنا ذكرت آنفا بارك الله فيكم حديث أنس بن مالك من الصحيحين وفي آخره يقول عليه الصلاة والسلام عن الإمام : ( إذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين ) وهذا الحديث هو من الأحاديث المحكمة خلافا لما يذهب إليه بعض العلماء أنه منسوخ وأن الإمام إذا صلى جالسا بطبيعة الحال معذورا فالمقتدون يصلون قياما خلافا لصريح هذا الحديث والبحث في هذا يطول وهدفي أنه لم تقم الحجة التي تلزم المسلم بالأخذ بها على أن هذا الأمر النبوي الكريم منسوخ وبخاصة أنه قد ثبت عن نحو خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلهم إن لم يكونوا كلهم رووا هذا الحديث ومع ذلك فقد طبقوه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا النوع من المسائل الفقهية التي تجعلنا نزداد حماسا وقوة في التمسك هذه المسألة أعني عمل الصحابة المشار إليهم آنفا وأذكر منهم جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ومنهم راوي هذا الحديث نفسه أنس بن مالك كانوا يطبقون هذا الحديث ويفعلون كما تلقوا من الرسول عليه السلام قوله وتطبيقه لقوله فقد جاء في * صحيح مسلم * من حديث جابر نفسه ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم على دابته فجحشت به ووقع على عضده وحضرت الصلاة فصلى قاعدا وصلى الناس خلفه قياما ) وهذا يبدو أول وقت تشريع لمثل هذه المسألة ( إذا صلى جالسا فصلوا جالسا ) قال لهم : ( لقد كدتم آنفا أن تفعلوا فعل فارس بعظمائها ) .
السائل : السلام عليكم .
الشيخ : ما أدري والله إذا كان في هذا الحديث أو في غيره لأن الأحاديث كثيرة كما أشرت ويهمني الآن هو قوله عليه السلام : ( لقد كدتم آنفا أن تفعلوا فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وساق الحديث وقعت مثل هذه الحادثة بعد وفاة الرسول عليه السلام بين جابر والمقتدين به فأمرهم أيضا بالجلوس كما سمع من الرسول عليه السلام .
غرضي أن أقول بمثل هذه المناسبة وأرجو ألا أذهب بعيدا عما كنا في صدده أن مثل هذه الأحاديث يرويها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يطبقونها تجعلنا نزداد إيمانا وثقة ويقينا بضرورة الرجوع إلى سبيل المؤمنين وعدم الاكتفاء وبخاصة في العصر الحاضر على الاقتصار في الاستدلال على فهم الناس لا أقول على القرآن فقط وحديث الرسول عليه السلام وإنما على فهم الناس للقرآن ولحديث الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن يرجعوا إلى فهم السلف الصالح وإلى تطبيقهم لهذين الأصلين المذكورين آنفا الكتاب والسنة وذلك لأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فهم سمعوا من الرسول عليه الصلاة والسلام وشاهدوا تطبيق الرسول عليه السلام لأقواله فهم أدرى من الذين يأتون من بعد ويحاولون التوفيق بين بعض النصوص التي تبدو لهم أن بينها شيئا من التعارض فأقول : بناء على أن الراجح من قولي العلماء في هذا الحديث القول الذي يقول إنه محكم وهذا الذي صرحنا بأنه الصواب والقول الآخر الذي يقول بأنه منسوخ بناء على هذا القول الصحيح أقول : إذا كان المقتدي السليم الصحيح القوي اقتدى بإمام جالس لمرضه مأمور بأن يجلس وألا يقوم من خلفه وهنا علتان : إحداهما مذكورة في حديث أنس في أوله : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) إلى آخره والعلة الأخرى مذكورة في حديث جابر : ( لقد كدتم آنفا أن تفعلوا فعل فارس بعظمائها يصلون على رؤوس ملوكهم ) ( إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين ) فإذا كان الركن أو ركن من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بهذا الركن من القادر المستطيع وبحثنا في المستطيعين يؤمرون بترك هذا الركن لا لشيء إلا لمتابعة الإمام فأولى ثم أولى ثم أولى أن يتابع المسافر الإمام المقيم وذلك لأن العلماء اختلفوا هل القصر أفضل أم الإتمام هما قولان ثم الذين قالوا بأن القصر هو الأفضل وهذا مما لا ريب فيه اختلفوا هل هو في حدود الاستحباب أم هو في حدود الوجوب نحن نرى أنه في حدود الوجوب ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام حينما سئل : ( ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ قال عليه الصلاة والسلام : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) فمن هذا المسلم الذي يترفع ويتكبر عن قبول صدقة رب العالمين سبحانه وتعالى أنا وإن رجحت هذا لأدلة واضحة وهذا أحدها لكني أقيم وزنا للخلاف بين العلماء وهذا الخلاف يخفف شيئا ما من قيمة ما قد قررناه أحد من أمثالي أنا فحينئذ أستمر لأقول فأولى ثم أولى ثم أولى أن يقتدي المسافر المقيم بصلاة المقيم ولو أدركه في آخر الصلاة وقبل السلام عليكم لأنه مجرد أن يحرم انقلبت صلاته إلى صلاة الإمام المقيم أظن بهذا يتم إن شاء الله الجواب عن السؤال المطروح آنفا . انتهى إن شاء الله .