نرجو بيان الشيخ لنعمة منهج الكتاب والسنة وأنها الضمان الوحيد الذي يعصم الإنسان من الوقوع في الضلال والانحراف ؟ حفظ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) ، (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذين تساؤلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) ، أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد : فإننا نحمد الله تبارك وتعالى على أن هدانا لما اختلف فيه الناس من الحق بإذنه سبحانه وتعالى ، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، هدانا إلى أن نتبنى الكتاب والسنة عقيدة لنا ، ومنهجا في حياتنا ، بينما نجد المسلمين الآخرين : قد رضيت كل طائفة منهم بمذهب يلتزمونه التزام المسلم للكتاب والسنة ، فهذه نعمة ليس بعدها نعمة ، ذلك لأن التمسك بالكتاب والسنة هو الضمان الوحيد الذي يعصم الإنسان من أن يقع في ضلال مبين ، كما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الصحيح ألا وهو قوله : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) ، التمسك بالكتاب والسنة هو : السلوك على الطريق المستقيم ، الذي أخبرنا به رب العالمين في كتابه الكريم حين قال : (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) ، ولقد أخرج الحاكم أبو عبد الله في مستدركه بإسناد جيد ، من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( خط لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطًا على الأرض مستقيما ، ثم خط خطوطا أخرى على جنبتي الخط الأول ، -خطوطا قصيرة خط مستقيم وخطوط قصيرة حوالي هذا الخط المستقيم- ثم تلا الآية السابقة مشيرا إلى الخط المستقيم ، وإلى الخطوط المتعرجة عنه فقال : قال تعالى : (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) ) ، ثم زاد بيانا بهذه الصورة المباحة الجميلة التي صورها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على الأرض ، لينطبع في أذهان السامعين لكلامه والرائين لصورته لينطبع أثرها في قلوبهم فقال : ( هذا صراط الله وهذه سبل أو طرق ، وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليها ) ، ولقد كانت هذه الصورة من بالغ حجة الله على لسان نبيه على أولئك المسلمين ، الذي انحرفوا عن صراط ربهم المستقيم ، لأن هذه الصورة توضح وتؤكد ما جاء في الآية السابقة : أن الطريق الموصل إلى الله تبارك وتعالى ليس إلا طريقا واحدا ، وأن الطرق الأخرى التي تخرج من هذا الطريق المستقيم وتبعد عنها ، فكلما سار السائر فيها ، كلما ابتعد عن الصراط المستقيم ، وضل ضلالا مبينا . وإني لأرى في هذه الصورة : تنبيها لطيفا ناعما جدا ، إلى ما يقع فيه كثير من الناس من الانحراف عن الخط المستقيم ، بدعوى أن هذا الطريق بعيد المدى ، نحن نسمع هذا الكلام في هذا اليوم ، ونجد الرسول عليه الصلاة والسلام : وكأنما أوحى الله تبارك وتعالى إليه بما سيقع بما سيأتي من الزمان ، فأشار إليه بهذه الصورة البديعة الجميلة ، نحن حينما نتحاجج مع بعض المخالفين للنهج السلفي ، حينما ندعوا الناس إلى هذا النهج السوي ، إلى اتباع الكتاب والسنة ، ونفصل لهم شيئا من التفصيل ، ونقول لهم : لا بد من تعليم الناس دينهم على الوجه الصحيح ، المطابق للكتاب والسنة ، والموافق لما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، نجد كثيرين من هؤلاء يعترفون بأن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ، ولكن يقولون : يا أخي هي شغلة طويلة هذا يحتاج إلى مدى طويل ، ونحن نريد أن نقيم الدولة المسلمة في أقرب طريق ، فنحن نقول لهم : إن هذا الطريق لقد صوره الرسول عليه السلام فعلا أنه طريق ممتد وطويل ، ولكنه مستقيم ، ومن لطائف هذه الصورة البديعة الجميلة : أنه صور الطرق المنعرجة المنبعثة منه والخارجة عنه طرقا قصيرة ، وذلك من تمام ما يسوله الشيطان لبني الإنسان ، كأن الشيطان أو هؤلاء الشياطين الذين قال عنهم الرسول عليه السلام : ( على رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ) ، يعني أن هذه الشياطين يقفون في طريق السالكين على الصراط المستقيم كأنما يقولون لهؤلاء السالكين : إلى متى تمشون ؟ ومتى تصلون ؟ إلي إلي كل منهم يقول من هؤلاء الشياطين : إلي إلي ، هذا هو الطريق انظروا ما أقربه وما أيسر الوصول إلى منتهاه ، وهذا ما غرَّ الناس اليوم ، هذا واقع الطوائف الإسلامية الذين يريدون العمل للإسلام ويريدون خدمة الإسلام وإقامة الدولة المسلمة ، هذا واقعهم ، تجدهم يتحمسون لإقامة الدولة المسلمة ، ولكن بغير علم ، وإن كان هناك علم ما فليس هو العلم النافع ، لأن العلم النافع إنما هو ما كان كتابا وسنة ، ثم ما كان من عمل السلف الصالح من عمل الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان ، هذا هو العلم النافع ، وإلى هذا أشار ابن القيم كما ذكرت لكم في بعض الجلسات السابقة في قوله :
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرا من التعطيل والتشبيه "

فابن القيم يشير إلى هذه الحقيقة ، أن العلم النافع إنما هو: قول الله وقول رسول الله بفهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهؤلاء الدعاة الذين يريدون الوصول إلى تحقيق الغاية العظمى التي يتفق جميع المسلمين على وجوب تحقيقها ، ألا وهي إقامة حكم الله في الأرض ، وإيجاد الخلافة الراشدة بعد تلك الخلافة الماضية ، كلهم متفقون على وجوب تحقيق هذه الخلافة ، ولكنهم يختلفون في الوسيلة وفي الطريق ، ونحن السلفيين معهم في هذه الغاية ، لكننا لسنا معهم في الوسيلة ، نحن وسيلتنا أنه لا بد من العلم النافع والعمل الصالح ، والعلم النافع كما شرحنا ذلك في جلسة أيضا مضت ، إنما هو كما سمعتم آنفا : ما كان مبنيا على كتاب الله وحديث رسوله الله ، والحديث الصحيح فقط ، وعلى فهم السلف الصالح والعمل بهذا العلم ، وإلا فلو اجتمع المسلمون اليوم جميعا على العلم النافع ، ثم لم يعملوا بذلك فلن يصلوا إلى هدفهم المنشود ، ألا وهو إقامة حكم الله في الأرض ، ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه