توضيح الشيخ إقرار الرسول لفعل الصحابة وأن ذلك من السنة. حفظ
الشيخ : لذلك أقول : ختاما لهذه الكلمة ، لا يمكن لمسلم -وهذه خلاصة هذه المحاضرة، التي هي بيان للبصيرة التي يجب على المسلم أن يكون في حياته الدينية- لا يمكن لمسلم أبدا أن يكون على هدى من ربه ، ولو كان يدّعي أنه يرجع إلى الكتاب والسنة ، ولا يتبع سبيل المؤمنين ، هذا لا يكون من المهتدين ، وبالتالي لا يكون من الفرقة الناجية ، لماذا ؟! لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطب الصحابة بالحديث السابق : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، ونقلوا لنا كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا ، قولا وفعلا وتقريرا ، القول والفعل سبق آنفا ضرب مثل واحد لكل منهما ، الآن لابد -ونحن سنقوم إلى الصلاة قريبا إن شاء الله- أن أضرب لكم مثلا يتعلق بسبيل المؤمنين الأولين مما أقرّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه ، لقد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، وقد أقيمت الصلاة : ( سووا صفوفكم وتراصوا ) ، ( سووا صفوفكم وتراصوا ، فإني أراكم من خلفي ، كما أراكم من أمامي ) ، لا شك أن في هذا الحديث معجزة خاصة بنبينا صلوات الله وسلامه عليه ، وهي : أنه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ولكن هنا تنبيه لابد من التذكير به ، لأنه أسيء فهم هذه المعجزة المذكورة في هذه الآية ، أو توسع في فهمها -هذا أقل ما يقال- ذلك أن كثيرا من الناس يظنون أن الني صلى الله عليه وآله وسلم كانت معجزته هذه في كل أحواله ، يعني ليس في الصلاة خاصة ، بل إذا مشى فهو يرى من خلفه كما يرى من أمامه !! هذا لم يثبت بل لم ينقل في السنة ، وإنما نقل هذا النص الصحيح في البخاري ، حيث قال عليه السلام : ( سووا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي ) : كأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا تخللوا في الصف واستوا كما أمرتكم ، وتراصوا فإنه لا يخفى عليّ حركاتكم ، واتباعكم لأمري أو مخالفتكم لأمري ، الشاهد : -هذه الجملة معترضة- الشاهد أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بعد أن روى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : هنا الشاهد : " فكان أحدنا إذا قام في الصلاة ألصق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدمه بقدم صاحبه " ، لا يوجد عندنا نص من كلام الرسول عليه السلام ، ولا من فعله كيف يكون التراص في الصفوف ، لا يوجد لكن يوجد عندنا هذا الأثر من أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث قال : أنهم بعد أن أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتسوية الصفوف والتراص فيها ، قال : " فكان أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدمه بقدم صاحبه " ، هذه سنة ، لأن الله عز وجل يقول في الآية السابقة التي كان موضوع هذا الكلام الأخير : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) ، فهل المسلمون اليوم على الأقل في صلاتهم بعامة ، وفي تسويتهم لصفوفهم بخاصة ، هل هم على سبيل المؤمنين ؟ آسفٌ جدا أن أقول : الجواب لا ، إنهم ليسوا على سبيل المؤمنين ، لأن المؤمنين الأوليين وهم الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما شهد بالخيرية القرن الأول ، قد كانوا يفعلون هذا بمرآى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يخطرن في بال أحد فيقول : هؤلاء كانوا يصفون هذا الصف ، ويترآصون هذا التراص ، ورسول الله لا علم عنده ! لا ، من أجل ذلك قال لهم : ( فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي ) ، فإذاً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى هذا التراص بالمناكب والأقدام ، وأقرهم على ذلك ، فصارت سنة تقريرية ، ولذلك العلماء الذين ألفوا في أصول الفقه ، يقسمون السنة إلى ثلاثة أقسام : قول ، وفعل ، وتقرير ، هذا أوضح مثال لما رآه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأقرهم عليه ، فعلينا أن لا نخالف سبيل المؤمنين ، وإلا خشي علينا أن يشملنا وعيد قوله تبارك وتعالى : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) . وختاما أسأل الله عز وجل أن يعرفنا هدي نبينا صلوات الله وسلامه عليه ، وسنة سلفنا الصالح ، وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يعرفنا بذلك كله ، وأن يوفقنا للعمل بذلك كله ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمدلله رب العالمين .