تتمة الجواب على سؤال : هل يجوز أن ننفي عن الله صفة الانتقال؟ وبيان الخلاف بين علماء الكلام وعلماء التوحيد في معنى الانتقال وكنهه. حفظ
الشيخ : فحينما نقول يجيء لا نقول من عقولنا وإنما اتباعا لنص ربنا وحينما نقول : ( ينزل ربنا ) ما نقول أيضاً هذا من عقولنا وإنما اتبعاً لحديث نبينا هل قال ربنا أو نبينا ينتقل ؟ لا إذن ما نقول وبخاصة أن هذا الانتقال يلزم منه افراغ مكان وتشغيل مكان آخر وهكذا يقال في كل الصفات إيجاباً وسلباً ، نؤمن بما ثبت في الكتاب أو السنة ولا نؤمن بما لم يثبت في الكتاب والسنة وموضوع الانتقال ، هذا اتهام من علماء الكلام لعلماء التوحيد الذين يؤمنون بالمجيء والنزول الذين اتصف الله بهما يفسرون المجيء والنزول بما يليق بالبشر أما السلف فلا يفسرون ذلك بما يليق بالبشر ولذلك فهم يفترون أولاً على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يتأولون المجيء والنزول بتآويل باطلة ثم يفترون على المؤمنين الموحدين السلف الصالح ومن سار على دربهم إلى يوم الدين بأنهم يقولون إن الله ينتقل ، حاشا ، السلف لا يقولون ينتقل بل السلف لا يقولون إن الله في جهة وهذه نقطة عملية الآن ، مع أنهم يقولون كما قال تعالى : (( الرحمن على العرش استوى )) (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )) (( تعرج الملائكة والروح إليه )) هذه الآيات كلها وسواها كثير وأحاديث الرسول أكثر تؤكد هذه الصفة أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها فهل نقول إن الله في جهة ؟ لا نقول إن الله في جهة ، هل نقول إن الله ليس في جهة ؟ لا نقول إن الله ليس في جهة ، لأن كل من المقولتين يترتب من ورائهما محظور مخالف للشرع ، إن قلنا إن لله جهة فقد وصفناه بما لم يصف به نفسه وإن قلنا إنه ليس في جهة تبادر إلى الذهن نفي ما قاله الله عز وجل من صفة العلو وهذا واقع أكثر المسلمين اليوم الذي ينفون صفة ما يدينون الله به بألسنتهم ، كل مصلي حينما يسجد يقول : سبحان ربي الأعلى ، إيش الأعلى أكثرهم ضائعون لا يفهمون لمعنى الأعلى صفة العلو لله أي إنه هو فوق كل عالٍ مهما علا وسما ما يفهمون هذا لماذا ؟ قلنا آنفاً ولا بد من إعادة لأنه حضر جمع جديد ، المسلمون اليوم في هذه الصفة الإلهية ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : المؤمنون الموحدون حقاً يصفون الله عز وجل بصفة العلو المطلق ، صفة الفوقية المطلقة التي تعني أن الله ليس في مكان مع علوه على العرش ، هذه عقيدة السلف الصالح وعقيدة أهل التوحيد الخالص من أتباع الأئمة الأربعة ، كما قال قائلهم :
" ورب العرش فوق العرش لكن *** بلا وصف التمكن واتصال "
الله ليس جالساً ليس قاعداً على العرش هو الغني عن العالمين ، ومن هنا تأتي تهمة جديدة من الخلف للسلف : يستلزمون من إثبات صفة العلو لله عز وجل على العرش أنه قاعد على العرش حاشا لله هذا ما يقوله مسلم ، لكن بعض الجهلة من المسلمين يفترون على المنزهين وعلى المثبتين لصفة العلو أنهم يقولون في ربهم إنه قاعد على العرش جالس على العرش ، حاشا لله فصفة الانتقال هذه لم ترد فلا تقال ، صفة الجلوس لم ترد فلا تقال ، صفة الاستقرار على العرش لم ترد فلا تقال ، إذن ليس كمثله شيء وهو على العرش استوى هكذا القاعدة فيما يتعلق بالتوحيد وبالتنزيه وبالإيمان بما وصف به نفسه .
نقول بكل صفة وردت ولا نقول بصفة لم ترد حتى ولو كان يتبادر من الصفة الواردة المعنى اللفظي الذي لم يرد كصفة الجهة مثلاً بعض الناس يقولون ويتساءلون وحق لهم أن يتساءلوا لجهلهم : طيب ما دام تقولن أن الرحمان على العرش استوى وما دام أنه فوق كل شيء فهو في جهة ، فنحن نقول لا هو ليس في جهة لأنه كان ولا زمان ولا مكان
بالنسبة لأرضنا الآن خاصة لمن عرفوا شيئاً من علم الفلك والذين يقولون بأن الأرض كروية ، ـرى هذا السطح المستدير هذا السطح المستدير إذا نحن صورنا الآن خطاً مستقيماً نزل فخرق الأرض كالمحور من أعلى السطح إلى السطح المقابل ترى السطح المقابل يكون أسفلنا أم ماذا ؟ هذه عامة الناس ما يفهمونها أما الذين يفهمون علم الفلك وأن الأرض كروية فهم سيقولون أن هذا السهم إذا نزل إلى منتصف الكرة الأرضية فهناك أسفل أما إذا استمر هكذا نافذاً إلى السطح الآخر فهناك أعلى الأرض لأن الأرض كروية ففي كل جهة سطح الأرض هو العلم وسفل الأرض هو مركز الأرض فإذن الله عز وجل وقد وصف نفسه بقوله : (( وهو بكل شيء محيط )) فإذن هو له صفة العلو مطلقاً سواء كنا في هذه الجهة أو في الجهة المقابلة ومن العجيب أن هذه الحقيقة الجغرافية قررها أحد العلماء علماء المسلمين طبعاً من الذين كانوا من علماء الكلام يؤولون آيات الاستواء والفوقية بتأويل باطل يعني أن الله له صفة العلو مجازاً مش حقيقة ثم هداه الله عز وجل فتبنى مذهب السلف ثم علل ذلك مستعيناً بعلم الفلك بما ذكرته آنفاً هو يقول وهذا هو الإمام الجويني المعروف بإمام الحرمين لأنه كان عالماً صيتاً معروفاً جداً فهداه الله عز وجل لعقيدة السلف فقال : آمنت بأن الله عز وجل له صفة الفوقية المطلقة وأنه كان قبل أن يخلق الزمان وقبل أن يخلق المكان ولم يكن في مكان ولم يكن في زمان فهو الآن كما كان من حيث أنه ليس في مكان فله صفة العلو
لذلك فالمسلم لا تستقيم عقيدته أبداً إلا إذا فهم الكتاب والسنة على ما كان عليه السلف الصالح تنزيه بدون تعطيل وإثبات بدون تشبيه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ، هذا جواب سؤالك هل يوصف ربنا بالانتقال ؟ الجواب لا لماذا ؟ لأنه أولاً لم يرد في الكتاب والسنة وثانياً : لأن هذه الصفة من صفات المخلوقين فلا نصف رب العالمين بصفة من صفات المخلوقين فإذا جاءت صفة في القرآن أو السنة يظن بعض الغافلين أنها تشبه صفة المخلوقين قلنا لا ، ليس كمثله لا في ذاته ولا في صفاته كما شرحنا آنفاً .