التفصيل في مسألة االتكفير حفظ
الشيخ : وهذا يوصلني إلى لفت النظر إلى تهور بعض الشباب المسلم المتحمس للدعوة الإسلامية الذين يطلقون تكفير كل حاكم مسلم اليوم على وجه الأرض
ذلك لأن هذا الحكم الصادر منهم إنما هو ينطلق من قاعدتين اثنتين غير شرعيتين
القاعدة الأولى : عدم الفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي
والقاعدة الثانية : هي أنه لا يجوز تكفير المسلم أيَّ مسلم كان أؤكد كان قائدا أو مقودا أو حاكما أو محكوما إلا بعد إقامة الحجة التي يدان بها أمام الله يوم القيامة.
نحن بلا شك نقطع ونجزم بقوله تبارك وتعالى:(( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) (( فأولئك هم الفاسقون )) ((فأولئك هم الظالمون )) على التفسير السلفي للكفر.
أول ذلك أن هذه الآية (( فأولئك هم الكافرون )) نزلت في حق اليهود الذين كانوا يقبلون حكم الرسول على بعض معاديهم من قومهم اليهود أنفسهم إذا كان حكم الرسول لصالحهم وإذا كان ليس لصالحهم رفضوه ففي ذلك أنزل الله عز وجل هذه الآية : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ))
من أجل ذلك صح عن ترجمان القرآن وأشهر الأصحاب الكرام في تفسير القرآن ألا وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " ليس الأمر كما يذهبون إليه إنما هو كفر دون كفر "
على هذا من دان بحكم واحد يكفيه وهو يعلم أنه مخالف للإسلام ويعتقد أن الحكم المخالف للإسلام هو الذي ينبغي تبنيه والقضاء به دون الحكم الإلهي هذا عقيدة فهو كافر.
أما من كان يعتقد بأن هذا الحكم الذي تبناه وهو مخالف للشرع وهو خطأ والحكم الإلهي هو الصواب ومع ذلك فهو لا يحكم به كأي قاض يحكم بالشرع ولكنه في حكومة ما لخوف ما لرشوة ما لمصلحة ما حكم بغير ما أنزل الله هذا لا يجوز تكفيره، حسبه الحكم عليه بالضلال.
أما أن نحكم بالكفر هو يؤمن، فكيف نحكم بكفره؟ نحن حينما نقول هذه المقولة ونحكم بهذا الحكم نذكر قول الله عز وجل : (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) أعني أننا نستحضر في الواقع أنه من الممكن أن يجتمع في المسلم إيمان وكفر لكن كما أن الإيمان أمر قلبي فكذلك الكفر إنما هو قلبي إذا أردنا أن نقول أو أن نطبق هذا الآية الكريمة على فرد من أفراد الناس: (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) أي يؤمنون من ناحية ويشركون قلبيا من ناحية
وإلا فالشرك اللفظي : فما أظنكم تعلمون معي بأنه لا يكفر به المسلم ولعلكم على ذكر من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب يوما في الناس فقام رجل ليقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله ) فقال عليه الصلاة والسلام منكرا عليه أشد الإنكار: ( أجعلتني لله ندا قل: ما شاء الله وحده ) هو جعل رسول الله ندا لله باللفظ وليس بالقلب لأنه هذا الرجل حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت ، هذا مع أن هذا اللفظ شرك فهو ما قاله إلا ليشعر النبي صلى الله عليه وسلم بأن طاعة النبي من طاعة الله عز وجل ولذلك جعل قوله عليه السلام ومشيئته كمشيئة الله قرنهما لكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك شيئا ينفع المسلمين إلا علمهم إياه كما جاء في الحديث الصحيح: ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) سواء كان هذا أو ذاك عقيدة أو قولا أو فعلا.
هذا النبي صلى الله عليه وسلم حينما سمع هذا الرجل يقول: ( ما شاء الله وشئت ) أخذته الغيرة على التوحيد فقال له: ( أجعلتني لله ندا! قل ما شاء الله وحده ) لكنه ما حكم له بأن ما قال له كفرت فجدد إيمانك وجدد عقدك على زوجك ونحو ذلك وإنما لفت نظره أن هذا التعبير ما ينبغي لمسلم أن يعبر به.
إذًا هذا التفريق إذا ما فهمه المسلم فهما صحيحا حينئذٍ لا يتجرأ أن يكفر كل حاكم يحكم بنظام أو بالقانون الذي تلقاه من الحاكم المستعمر الكافر سابقا إلا إذا تبين له أنه يتبناه نظاما وعقيدة وليس بأنه قد يعتل بعلة نحن لا نرضاها بطبيعة الحال أن يقول والله الإسلام هو النظام الحق الذي ينبغي أن يحكم به إلى آخره لكن هذا يحتاج إلى أمور وإعدادات وما شابه ذلك ثم هو من ناحية أخرى يصلي ويصوم ويشارك المسلمين في كثير من العبادات، هنا يأتي مثل قوله عليه الصلاة والسلام : ( إني نهيت عن قتل المصلين )
إذا يجب علينا أن نستحضر دائما وأبدًا التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي.