ما حكم اجتهادات الصحابة وهل لها حكم الرفع إذا كانت غيبية ، مع توضيح بعض الأمثلة لذلك " حكم الشرب واقفا " ؟ حفظ
الشيخ : باجتهاد وإنما بتوقيف من الرسول -عليه السلام-.
بعض الآراء تحتمل ، أو الاجتهادات تحتمل من الصحابة أن يكون عن اجتهاد لكنه اجتهاد مقبول لأنه لا يوجد ما يخالفه ، وقد يكون من باب التوقيف أيضا ، لكن التوقيف فيه قد لا يكون ظاهرا جليا ، كما هو الأمر في أثر ابن عباس مثلا.
هناك في صحيح مسلم حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال : ( نهى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الشرب قائما ) ، وفي رواية : ( زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشرب قائما، قيل له: الأكل ؟ قال: شر ) ، هذا ممكن أن يكون اجتهادا منه ، وممكن أن يكون توقيفا من الرسول -عليه السلام- لكن ما في عندنا الشيء الظاهر كما هو الشأن في أثر ابن عباس ، أنه بعيد أن يكون اجتهادا منه ، وممكن أن يكون اجتهادا بمعنى : قاس الأكل على الشرب لأنهما بمعنى واحد ، فما دام أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الشرب قائما ، فالأكل مثله أو شر منه ، ذلك لأن الشرب قائما يغلب على الناس أن يبتلوا بالشرب قياما ، أما الأكل فالغالب عليهم أن يأكلوا قعودا وجلوسا ، فإذا أكل قائما فيكون هذا الأكل منه شر من أن يشرب قائما ، كأنه يقول : هذا قياس أولوي كما قلنا : (( ولا تقل لهما أف )) ، لكن أعود لأقول : أنه ليس بمثابة أثر ابن عباس ، لأن النفس تطمئن من مائة تسعين تقريبا : أن هذا الأثر مما تلقاه من الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأنه من أمور الغيب ، وهنا دقيقة لا بد من لفت النظر إليها : ليس كل ما يرويه أو يقوله صحابي وكان متعلقا بالأمر الغيبي من الضروري أن يكون في حكم المرفوع ، وإنما لابد من التفصيل ، إن كان هذا الأمر الغيبي الذي تحدث به الصحابي مما يتعلق بشريعة الإسلام ، وبما أنزل الله على قلب محمد -عليه السلام- فهو في حكم المرفوع ، أما إذا كان ليس له علاقة بشريعة الإسلام ، إنما كان له علاقة بما كان واقعا من قديم الزمان ، فهنا يحتمل أن يكون من الإسرائيليات ، أي أن يكون هذا الأثر مما تلقاه الصحابي عن بعض الذين أسلموا من أهل الكتاب ، إذا ما دخله الأثر مثل هذا الاحتمال خرج عن قولنا : أن له حكم المرفوع .
وهذه ملاحظة لابد لطلاب العلم أن يلاحظوها كفرق بين الأثر الذي يمكن أن يكون في حكم المرفوع ، وبين الأثر الذي ليس من الضروري أن يكون في حكم المرفوع.
هذا ما أردت بيانه.