ما حكم الاقتصار على بناء المسجد على الطين والجريد لأن هذا هو فعل النبي عليه السلام وفعل أبي بكر وعمر ؟ حفظ
السائل : شيخ في مسألة بخصوص بناء المسجد .
الشيخ : بخصوص إيش ؟
السائل : بناء المساجد !
الشيخ : آآه .
السائل : هناك جماعة أرادوا بناء مسجد في قرية ، فقالوا : نبني المسجد بالطين وجذوع النخل ويسقفوه بالجريد ، وقالوا : لن نحيد عن هذا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنى مسجده بهذه الطريقة ، وجاء مِن بعده أبو بكر -رضي الله عنه- وعمر ، وزادوا في المسجد ولم يحيدوا عن طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ، وعندما جاء عثمان بعدهم بدل في البناء ، فأضاف الحجارة وأضاف أشياء أخرى، فيقولون : هذا هو السنة في بناء المسجد ، ولا يريدون أن يحيدوا عن هذه الطريقة في البناء ، فما أدري ما جوابك عليهم ؟ ويستدلون كذلك بآثار صحيحة ذكرتها : منها أن الصحابة -رضي الله عنهم- عرضوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعطوه أموالا ليحسن المسجد ، فقال : ( لا إنما هو عريش كعريش موسى ) ، وأبى يعني إلا أن يجعله بهذه الصورة ، وكانت عنده إمكانية بأن يجعله بأفضل مما كان ، ولم يجعله إلا بهذه الصورة ؟!
الشيخ : ورفع بنائها ، لكن هذا لا يعني أن الأمر يقف عند الشكلية التي حكيتها عن أولئك الناس الذين تمسكوا بطريقة بناء الرسول -عليه الصلاة والسلام- لمسجده ، أي : على جذوع النخيل مثلا ، والسقف من أغصان النخيل ونحو ذلك ، لأن هذا الأمر الواقع الذي وقع من الرسول -عليه السلام- هو أمرٌ عادي ، وليس هناك ما يدل من قوله -عليه الصلاة والسلام- أن هذا الفعل الذي وقع هو الذي يجب التزامه ، يجب التزامه ولا يجوز الحَيدة عنه ، لا يوجد في كلام الرسول -عليه السلام- مثل هذا التضييق ، يوجد في كلام الرسول : ( بل عريش كعريش موسى ) ، يوجد في كلام الرسول : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) ، ويقول لابن عباس : ( لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ) ، يوجد في كلام الرسول -عليه السلام- مِن مثل هذه الأحاديث التي تنهى عن زخرفة المساجد والمباهاة في بنيانها ، لكن لا يوجد أي كلمة تلزم المسلمين إذا أرادوا أن ييبنوا المساجد بالطريقة التي بنى فيها مسجده الأول .
انظر الآن : التزام هذه الطريقة أن الرسول -عليه السلام- لما بنى مسجده جاء إلى حائط ، إلى بستان لبعض الغلمان من الأنصار ، وقال لهم : ( ثامنوني حائطكم ؟ -يعني: خذوا مني الثمن- قالوا : يا رسول الله هو لله ) ، الشاهد : ( وكان هناك قبور للمشركين ، فنبشها عليه السلام وأزالها وكان هناك جذوع من النخيل فقطعها وجعلها أعمدة للمسجد ) ، إلخ ، الجمود على هذه الصورة يعني : يجب أن تشتري أرضا يكون فيها قبور ، هذا معنى جمود ، ثم تنبشها وتزيلها ، ويجب أن يكون فيها نخيل ، ولا يجوز أن تشتري أرضا عراء وتأتي أنت بالنخيل مثلا ، أعمدة ، بالجذوع من النخيل ! هذا ما يقوله إنسان عنده شيء من الفقه في الإسلام أبدا ، أنا أعتقد أن هؤلاء بعد ما صاروا طلاب علم ، فضلا أن يكونوا من أهل العلم الذين يشهد لهم أهل العلم بالفضل والعلم ، وهذه آفة العصر الحاضر ، بل آفة الشاب المسلم في العصر الحاضر ، وأنهم بمجرد أن يشعروا بأنهم عرفوا شيئا من العلم لم يكونوا من قبل على علم به رفعوا رؤوسهم ، وظنوا أنهم أحاطوا بكل شيء علما ، فتسلط عليهم الغرور والعُجب ، ونخشى أن يشملهم قول الرسول -عليه السلام- : ( ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) ، هذا أولًا ، ثانيًا: هؤلاء يجهلون ولا أقول : يتجاهلون لأنهم من أهل الجهل ، متى نقول عن الشخص يتجاهل ؟ إذا كان من أهل العلم ، فهو لهوى في نفسه يتجاهل ، هؤلاء ليسوا من أهل العلم .
حينما عثمان جاء بالخشب بدل النخيل ، وهو خشب الصاج كما جاء في الحديث أيضا ، ما كان موقف الصحابة تجاهه ؟! هل أنكروا ذلك عليه ؟! أم كان أمرا أقروه عليه ، وما أحد أنكره عليه ؟! فيما علمت أنا وما أظن أن أولئك علموا : أنَّ أحدا من الصحابة أنكر عليه فعلته هذه ، ثمَّ نفترض أنه قد وجد من أنكر ، ما وزن هذا الإنكار أهو التحريم أم هو مخالفة الأفضل ؟ لا شك أن المسائل الفقهية يجب أن توزن بميزان دقيق جدًا ، فلا نحرم ما كان مكروها ، ولا نكره ما كان مباحا ، إلخ ، وأنا أخشى ما أخشى على هؤلاء أن يعودوا بنا إلى أن يفرضوا على المسلمين عدم التمتع -لعلي أكون غير دقيق في التعبير- أقول : لعل هؤلاء يعودون بنا إلى أن نقول : لا يجوز التمتع بما خلق الله للمسلمين من وسائل الركوب التي لا يعرفها الأولون ، ويوجبون علينا أن نعود إلى ركوب الإبل والجمال والحمير والبغال والخيول ، وندع هذه الوسائل التي خلقها الله وأشار إليها بمثل قوله تعالى : (( ويخلق مالا تعلمون )) ، أخشى ما أخشى أن نصل إلى هنا .