ضرب الشيخ لبعض أمثلة البلاغات في الموطأ مع التعليق عليها . حفظ
الشيخ : أذكر مِن هذه الأحاديث : ( إني لا أَنسى ، وإنما أُنسّى ، لأذكِّر ) هذا مِن الأحاديث التي ذكرها مالك في الموطأ بلاغًا بدون إسناد ، ومعناه واضح ، ولوضوح معناه اتضح أنه غير صحيح ، فضلا عن أنه لم يوجد موصولا مسندًا في خارج الموطأ ، هو يقول : ( لا أنسى وإنما أُنسى ، لأُشرع ) ، لكن هذا خلاف القرآن ، وخلاف الحديث الصحيح ، (( سَنُقرئك فلا تنسى ، إِلا ما شَاء الله )) ، وأكَّدَّ معنى هذه الآية حديث في صحيح البخاري يَردُّ مباشرة على من قد يحاول تفسير الآية تفسيراً يتناسب مع هذا الحديث البلاغي في الموطأ ، ذاك الحديث يقول : ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فسمع رجلا يقرأ فقال : رحم الله فلانا لقد ذكرني آية كنت أُنسيتها ) ، ثم أوضح وأوضح من هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سهى في صلوات عديدة ، مرة صلى العصر ركعتين ، ومرة صلى الظهر خمس ركعات ، مرة صلى المغرب ركعتين ، وهكذا ، لكن المهم أن مع هذا النسيان في بعض هذه الحوادث ما يصرِّح بما نحن في صدده الآن : أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ينسى بطبيعة كونه بشرا ، كما قال تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم )) ، والبشر ينسى ، وأكد هذا صراحة : ( حينما صلى بهم الظهر خمس ركعات ، فلما سلم قالوا : يا رسول الله أزيد في الصلاة ؟ قال: لا ، قالوا : صليت خمسا ، فسجد سجدتي سهو وسلم ، ثم قال لهم : إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) ، أيُّ تصريح بعد هذا ؟! ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) ، كذلك مما يؤكد هذا المعنى بطريقة أخرى : بطريق اللزوم ، حينما صلى العصر ركعتين ، ثم ترك مصلاه وانتحى ناحية من المسجد ، واضطجع هكذا ليستريح ، ووضع رجلا على أخرى ، وفي القوم أبو بكر وعمر ، وفيهم رجل يعرف بذي اليدين -لقبه : ذي اليدين- قال : يا رسول الله _هو الذي تجرأ على الرسول _ ( قال : يا رسول الله ! أقصُرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال : كل ذلك لم يكن ) مثل ما شايفين نسيان الرسول ولا لأ ؟! نسيان ، ( قال : يا رسول الله ! أقصُرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال : كل ذلك لم يكن ، قال بلى يا رسول الله قد كان ) _يعني أحد الأمرين إما النسيان وإما شرع جديد _ فالتفت إلى القوم وفيهم أبو بكر وعمر وقال : ( أصدق ذو اليدين ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، فترك المكان وعاد إلى المصلى ) ، ولا أقول المحراب ، المحراب في المسجد بدعة كما يقول كبار الفقهاء المتقدمين والمتأخرين ، وللحافظ السيوطي رسالة لطيفة سماها : " تنبيه الأريب في بدعة المحاريب " ، بهذا السجع لطيف ، فلم يكن في زمن الرسول -عليه السلام- في المسجد محراب ، لذلك أقول : رجع إلى مكان صلاته ، فصلى الركعتين الفائتتين المنسيتين ، ثم سجد سجدتي السهو .