توضيح الشيخ لشرط الإمام البخاري في الصحيح ، وبيان قول الجمهور في ذلك الشرط . حفظ
الشيخ : يشبه هذا تمامًا ما هو معروف عن الإمام البخاري مما أشرتُ إليه آنفاً : أن مِن مذهبه أنه لا يكتفى بإثبات الاتصال بالمعاصرة ، إنما لابد في هذا الإثبات من ثبوت اللقاء .
الطالب : نعم .
الشيخ : هذا قاله الإمام البخاري ، وذلك مشهور عنه ، فما موقف الحفاظ الذين جاؤوا من بعده ؟!
لعلك تعلم مِن علم أصول الحديث أن جمهور المحدثين خاصة من المتأخرين ، أن مذهب البخاري مذهبٌ مرجوح ، وأعني ما أقول مرجوح ، من حيث جعله علة في رأيه ، يقولون : هذا الشرط ليس شرطًا ملزِمًا للآخرين .
وعلى ذلك جرى كل العلماء الذين لهم : إما لهم كتب تسمى بالصحاح ، كصحيح مثلاً ابن خزيمة ، وابن حبان ، وابن الجارود ، ومستدرك الحاكم ونحو ذلك ، فضلا عن العلماء المتأخرين الذين جروا على أن يصححوا وأن يحسنوا مفردات مِن الأحاديث في كتب التخريج ، كالحافظ مثلاً ابن حجر العسقلاني ، وابن الملقن ، ونحو ذلك ، فهؤلاء كلهم يصححون مكتفين بالمعاصرة ، طيب !
أنا شخصياً بدا لي شيء في هذا الخلاف أظنه بديعًا جدًا ويقاربُ بين وجهتي النظر المختلفتين وهو : أن شرط الإمام البخاري في اللقاء هو شرط كمال ، وليس شرط صحة ، ودليلي على هذا : أنني وجدت في سنن الترمذي ، ومعلوم عند طلاب العلم أن الإمامَ الترمذي هو مِن تلامذة الإمام البخاري العارفين بمذهبه وآرائه ، ولعلك أيضًا تعلم أنه في كثير مِن الأحيان يُصحح أحاديث يرويها الترمذي في سننه لم يروها شيخه في صحيحه ، وينقل التصحيح عن إمامه ، وتارة يُحسن الحديث وينقل أيضًا تحسينه عن الإمام البخاري ، فقد وجدت الإمام الترمذي في بعض هذه الأحاديث المحسَّنة نقل التحسين عن البخاري ، وليس فيه شرط اللقاء ، وقد ذكرتُ هذا في بعض ، لأنه في الواقع شيء مهم جدًا .
المعروف باسمه ، فمعروفٌ ومشهورٌ أن الإمام مسلم قد ردَّ في مقدمة صحيحه على الذين يشترطون اللقاء دون المعاصرة ، ويذهبُ وَهَلُ بعض الباحثين إلى أنه أراد بذلك الرد على الإمام البخاري نفسه ، وليس يهمني هل هو كذلك قصد الرد على البخاري نفسه ، أم على من قال بقوله ! الأمر كما يقال : "كل الدروب على الطاحون " ، لأنه ليس المقصود القائل ، وإنما المقصود هو المقول .
الطالب : نعم .
الشيخ : فإذا صحَّ ما نزعتُ إليه وما انتهيتُ إليه بالشاهد الذي أشرتُ إليه أن اشتراط الإمام البخاري ، انتقاها وأوردهها في صحيحه ، انتقاها من كذا ألف نسيت الآن الرقم من الأحاديث ، لعله مائتي ألف ، أو ما يشبه هذا الرقم الضخم من الأحاديث الصحيحة ، فانتقى الأحاديث التي أوردها في صحيحه ومجموعها لا يزيد على ستة آلاف ، انتقاها مِن مائتي ألف حديث .
إذن هذا شرط كمال في صحيحه بدليل : أنه يحسن -وقد يصحح لكني ما وقفت بعد- أنه يحسن بعض الأحاديث التي ينقل التحسين عنه تلميذه الترمذي ، وليس فيه ثبوت شرط اللقاء ، هذا ما عندي جوابًا .