ما حكم دخول المقابر بالنعال ، وما الحكمة من ذلك ؟ حفظ
السائل : كتب السائل -هكذا يقول : كما كتب ، والسؤال الصحيح واضح إن شاء الله- !
الشيخ : إن شاء الله .
السائل : دخول المقابر بالنعال واجب أم مستحب ؟ هكذا كتب !!
الشيخ : إي نعم ، دخول المقابر بالنعالِ منهي عنه شرعًا ، فلا يجوز للمسلم أن يدخل المقبرة في نعليه ، بل إذا أَشرف على الدخول خلع نعليه ، وتركهما جانباً ، وهذا إذا كان مضطراً ليمشي بين القبور ، لأن كثيراً مِن المقابر ليست منظمة تنظيماً بحيث أن الماشي بينها يطمئن أنه لا يدوس بقدمه على قبر منها ، فقد يمشي والقبر تحته .
فهنا المشكلة قد تنفرد وقد تزدوج ، إذا كان يمشي حافياً على القبور فهذا المشي إهانة للقبور ، وهذا لا يجوز لقوله -عليه الصلاة والسلام- : ( لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها ) .
في هذا الحديث فقه متقابَل ، فهو مِن جانب يأمر المسلم أن يحترم أموات المسلمين ، وأن لا يهينها ولو بالدَّوس بأقدامه عليها ، فيقول : ( لا تجلسوا على القبور ) ، ومن جهة أخرى يأمرنا أن لا نبالغ في تعظيمها ، ومن ذلك أنْ نُصلي إليها ، فهذا مبالغة في تعظيم المقبور ، فنهى عن ذلك الرسول -عليه السلام- كما نهى عن الجلوس على القبر ، ولا شك أن كلا مِن المنهيين : ( لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها ) ، هو من القسم الذي يقول عنه بعض الفقهاء المتأخرين : إنه معقول المعنى ، النهي عن الجلوس على القبر ، والنهي عن الصلاة إليه ، أمر معقول المعنى ، أي إذا سأل سائل : لماذا نهى الشارع الحكيم عن الجلوس على القبر ؟
الجواب: احترامًا له ، وتقديراً له ، كما نهى عن شيء آخر أهم منه في قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( كسر عظم المؤمن ككسره حياً ) هذا تعظيم لقدر المؤمن الميت ، حتى قال -عليه الصلاة والسلام- : ( كسر عظمه وهو ميت ككسره وهو حيٌّ ) .
فإذن ( لا تجلسوا على القبور ) هذا الحكم معقول المعنى أي : تكريماً لهذا المسلم ، وإبعادًا للمسلم الحي عن إهانة الميت ، لأنه لا يزال له حرمة ، وعلى العكس من ذلك : ( لا تصلوا إليها ) أيضًا حُكمٌ معقول المعنى ، لماذا ؟ لأن فيه تعظيماً لعبادة لا يجوز للمسلم أن يتوجه بها إلا إلى الله تبارك وتعالى ، فلا يجوز التوجه بهذه العبادة إلى القبر ، إذن هنا نهيٌ عن الجلوس إكراما لهذا الميت .
كذلك السير بين القبور : إذا كنت لا تمشي على أرض ليس تحت قدميك قبر ، إذا كنت تمشي على أرض لا تعلم ، إلا إذا كان هناك حاجة ملحة ، كأن يصل إلى قبر يريد أن يدفن فيه صاحبه أو قريبه ، فبالأولى والأحرى أن لا يجوز للمسلم أن يمشي بين القبور في نعليه ، وهذا فيه حديث صريح : فقد جاء في مسند الإمام أحمد ، وبعض السنن ، والصحاح كصحيح ابن حبان أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- رأى ذات يوم رجلاً مِن أصحابه -واسمه : بشير بن الخَصاصِيَة- رآه يمشي بين القبور في نعليه ، فناداه وقال له : ( يا صاحبَ السَّبتِيَتَين اخلع نعليك ) ، يا ضاحب السَّبتِيَتَين : نوع من النعال أي : اخلع نعليك ، ولا تمش بهما بين القبور .
فلذلك فالسؤال السابق كأنه كان مقلوباً على السائل ، حيث قال : هل يجب أو يستحب ؟
فظني أن قلمه أو فكره سبقه ، كان يريد أن يقول : هل يحرم أو يكره ، فقال مقابل ذلك : هل يجب أو هل يُستحب ؟