قراءة في مقدمة رياض الصالحين للإمام النووي وتعليق الشيخ الألباني عليها حفظ
الشيخ : والآن أبدأ فأقرأ لكم مقدمة كتابه لأن بها يتبين للسامع مزية هذا الكتاب وبذلك يستطيع أيضاً من كان من طلاب العلم من إخواننا أن يعرف الفرق بين *رياض الصالحين* مثلاً وبين كتاب * الترغيب والترهيب * وبين *رياض الصالحين* مثلاً والمشكاة *مشكاة المصابيح ونحو ذلك من الكتب التي أشرنا إليها آنفاً مما جمعها بعض العلماء المتأخرين على التفصيل السابق منهم من جمع ولم يحقق ومنهم من جمع وحقق ومن هؤلاء إمامنا الإمام النووي رحمه الله فهو يقول :
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، تذكرة لأولي القلوب والأبصار، وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار، الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبته وإدامة الأفكار، وملازمة الاتعاظ والادكار، ووفقهم للدأب في طاعته، والتأهب لدار القرار، والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار. أحمده أبلغ حمد وأزكاه، وأشمله وأنماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الهادي إلى صراط مستقيم، والداعي إلى دين قويم، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبيين، وآل كل، وسائر الصالحين.
أما بعد :
فقد قال الله تعالى: (( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون )) وهذا تصريح بأنهم خُلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفاد لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام. فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد. قال الله تعالى: (( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ))
والآيات في هذا المعنى كثيرة. ولقد أحسن القائل:
إن لله عبادا فطنا ** طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا *** أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا *** صالح الأعمال فيها سفنا
فإذا كان حالها ما وصفته، وحالنا وما خلقنا له ما قدمته، فحق على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار ، ويسلك مسلك أولي النهى والأبصار، ويتأهب لما أشرت إليه، ويهتم بما نبهت عليه. وأصوب طريق له في ذلك، وأرشد ما يسلكه من المسالك: التأدب بما صح عن نبينا سيد الأولين والآخرين، وأكرم السابقين واللاحقين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين. وقد قال الله تعالى: (( وتعاونوا على البر والتقوى )) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) وأنه قال: ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) وأنه قال: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) وأنه قال لعلي رضي الله عنه: ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ).
فرأيت أن أجمع مختصرا من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة ، ومحصلا لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارة القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين.
وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثاً صحيحاً من الواضحات، مضافا إلى الكتب الصحيحة المشهورات، وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات "

هذه مزية من مزايا كتاب الرياض على كتب السنة التي تجمع فيها الأحاديث على هذا النحو من جمع الأبواب حيث يقدم بين يدي كل أحاديث باب من الأبواب ما يناسب هذه الأحاديث من الآيات البينات لذلك يقول : " وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات ، وأوشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفي بنفائس من التنبيهات"