توضيح معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للجارية : ( اين الله، فقالت في السماء ). حفظ
الشيخ : هذه الجارية من أين أخذت هذا الجواب ؟
مما نقرأه كل ليلة ممن عنده عناية بالمحافظة على الأوراد الشرعية التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحافظ عليها ويعلمها أمته ، من ذلك أنه كان لا ينام إلا بعد أن يقرأ سورة تبارك، في هذه السورة قوله عزوجل: (( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يُرسل عليكم حاصبًا فستعلمون كيف نذير )) ، فإذن جواب الجارية مطابق لما وصفه الله عزوجل لنفسه في القرآن الكريم ، فالله عزوجل هو الذي أثبت لنفسه صفة كونه في السماء بآية تبارك.
وبهذه الآية تثقفت تلك الجارية واهتدت إلى الصواب في الإجابة عن سؤال نبيها : ( أين الله؟ فقالت: في السماء ).
ولكن هنا شيء لا بد من بيانه من الناحية أولًا: العربية، ثم ثانيًا: من الناحية الشرعية: "في" حرف جر في اللغة العربية تفيد الظرفية عادةً، فحينما جاءت هذه الآية بهذا التعبير : الله في السماء، فربما يقول قائل: أن الآية تؤيد قول أولائك الذين يقولون : إن الله عزوجل في كل مكان الجواب من ناحيتين:
أولًا : إن الآية لم تثبت لله صفة كونه في كل مكان وإنما أثبت لذاته تبارك وتعالى كونه في السماء، والسماء هي خلق من خلق الله وليست السماء كل خلق الله عز وجل ، فإن كان ولابد للمسلم أن يثبت لله مكانًا تشبثًا بهذا النص القرآني فإنما هو السماء، أما في كل مكان فهذا كلام ما أنزل الله به من سلطان، هذا نقوله جدلًا وليس عقيدة لما سيأتي بيانه قريبًا -إن شاء الله-، ذلك لأن في هنا ليست ظرفية هذا الآن من ناحية لغوية لأن علماء اللغة يقولون : إن حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض، وهذا أسلوب في اللغة العربية معروف وعلى ذلك جاء القرآن الكريم .
فحينما قال عزوجل في هذه الآية: (( ءأمنتم من في السماء )) فهو كقوله تبارك وتعالى: (( قل سيروا في الأرض )) فالعربي لا يفهم من مثل هذا التعبير القرآني (( سيروا في الأرض )) أي: في جوف الأرض، وإنما سيروا على الأرض، من هنا قالوا: " حروف الجر يقوم بعضها مكان بعض ".
مثلها تماماً ما حكاه ربنا عز وجل مما جرى من الجدال بين السحرة الذين آمنوا برب هارون وموسى وجابهوا فرعون الذي كان قال لقومه: (( أنا ربكم الأعلى )) جابهوه بهذه الحقيقة أنهم آمنوا برب هارون وموسى فهددهم بقوله في الآية وفيها: (( ولأصلبنَّكم في جذوع النخل )) : لا يعني أنه يفتح جذع النخل ويدكهم في وسط الجذع ويصلبهم، وإنما المقصود في جذوع النخل أي: على جذوع النخل.
أخيرًا يأتي هذا الأسلوب نفسه في حديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة على ألسنة الناس مع قلة الأحاديث الصحيحة المشهورة على ألسنة الناس، لأن الغالب عليها إنما هو الضعفُ والبُطل، أما هذا فهو من الأحاديث الصحيحة، ما هو ؟
قوله عليه الصلاة والسلام: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ):
( ارحموا من في الأرض ) يعني: الحشرات والديدان اللاتي لا تُرى ولا يمكن للإنسان أن يشمل تلك الحشرات برحمته ؟
أم المقصود هذه الحيوانات التي نعيش معها على وجه الأرض كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: ( أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأرحمها، قال: والشاة إن رحمتها رحمك الله )، والشاةَ إن رحمتها رحمك الله، ويجوز أن تقول: والشاةُ إن رحمتها رحمك الله، إذن ( ارحموا من في الأرض ) يعني: من على الأرض من هذه الحيوانات التي ذللها الله عز وجل لنا وسخّرها لنا لنركبها ولنتمتع بلحومها ونذكر الله تبارك وتعالى عليها.
إذن ( ارحموا من في الأرض ) لا أحد يفهم: داخل الأرض وإنما على الأرض.
تمام الحديث: ( يرحمكم من في السماء ) إذن معنى من في السماء : أي: من على السماء .